من يضع العصي في عجلات حلّ الأزمة اليمنية؟
جمال الكندي
انتهت قبل أيام عدة مشاورات جنيف بين وفد الرياض ووفد صنعاء لحل الأزمة اليمنية التي أصبحت تؤرق المجتمع الدولي، وتحولت إلى أزمة إنسانية كبيرة تجاوزت المجاذبات والمناكفات السياسية بين أفرقاء الأزمة اليمنية إلى وضع غير مقبول لدى المجتمع الدولي، الذي بدأ يتحرك باستحياء لحل هذه الأزمة مع مراعاته الواضحة ومحاولة عدم استثارة غضب من قاد الحلف الذي يضرب اليمن منذ ما يقارب ثلاثة أشهر بشتى أنواع الصواريخ التي كانت مخزنة في مستودعاته منذ سنين لهذا اليوم الموعود، «يوم النصر العربي»، يوم اجتماع العرب على كلمة واحدة لا ضدّ الصهاينة، لا والله، ولكن ضدّ الجار العربي.
غارات الحلف المعادي لليمن ما زالت مستمرة وبوتيرة كبيرة، على رغم بدء المشاورات في جنيف بين أفرقاء الأزمة اليمنية، وذلك بسبب ما يقوم به الجيش اليمني واللجان الشعبية من ضرب العمق السعودي واستخدامه في الآونة الأخيرة صاروخ سكود الذي غير من معادلة هذا العدوان وأوجد جانب ردع جديداً يعمل له حساب عند الجانب الآخر.
قادة هذا الحلف أصبحوا متفرّدين في الميدان اليمني، وأقصد هنا أنّ ذلك الزخم الإعلامي عند بداية الحملة على اليمن، بدأ نجمه يأفل، فقد برزت بعض الخلافات بين دول هذا الحلف والأصوات بدأت ترتفع لإيجاد حل سلمي لأزمة اليمن. فبعد ما يقارب ثلاثة أشهر لم يجلب هذا الحلف سوى الدمار لليمن، ومزيد من عدد القتلى الذين قاربوا الثلاثة آلاف، فهل هذا هو النصر الاستراتيجي الذي أرادته حملة الحزم والأمل في اليمن؟ وأنا أسال هنا أنصار هادي في اليمن وخارجه والذين يسمّون أنفسهم دعاة الشرعية، هل عودة هادي تستدعي هذا الدمار وهذه الأنهار من الدماء اليمنية البريئة؟ أم هو حقد دفين على اليمن والرغبة في رؤيته ضعيفاً مسيطراً عليه ومنقسماً ومدمراً؟!
مشاورات جنيف اليوم تذكّرني بجنيف 2 بين الحكومة السورية والمعارضة، إذ كانت المعارضة السورية مقيدة بأوامر الخارجية من عواصم العدوان على سورية واليوم نرى وفد الرياض ينفّذ أجندة خارجية ويهدّد باستمرار الخروج من المفاوضات إذا رأى أن سيرها عكس إرادة حلف العدوان على اليمن.
لذلك ومنذ الأحظة الأولى لبدء هذه المفاوضات أو المشاورات، نرى عصياً تحاول أن تعرقل سير المفاوضات، وهذه العصي هي ذاتها التي لا تريد باليمن الخير، وترغب في إرجاع اليمن للوصاية الخارجية. فهل ستنتج مفاوضات جنيف؟
المطلوب في البند الأول من المفاوضات، هدنة إنسانية وحتى الآن لم يتوافق بين الوفدين على طبيعة هذه الهدنة وصيغتها. فالوفد المرسل من الرياض يريد أن يساوم من أجل الهدنة الإنسانية ويحصل على مكاسب لم يقدر أن يحصل عليها في الميدان اليمني، وهذه التجاذبات بين الوفدين في جنيف لن تفيد اليمني البسيط الذي لا يعلم لماذا يقصف بيته ويقتل أعز الناس عنده، هو سؤال برسم المجتمعين لحل هذه الأزمة، فهل سوف يجدون الحل؟
الحلف الذي قاد هذه الحملة التدميرية لكل شيء حي في اليمن لن يرضى أن يخرج بحسب المثل الشعبي الشهير من المولد بلا حمص فبعد كل هذه الأموال التي صرفت لحملة الحزم وبعدها الأمل، والتي تقدر بحسب بعض التسريبات بـ 30 مليار دولار أميركي، تستدعي التأمل والتفكير بهذا المبلغ الضخم، هل هو فقط لإرجاع شرعية رئيس طلب من دولة جارة العون والمساعدة لاسترجاع العرش المسلوب؟ طبعاً الموضوع أكبر من ذلك، إنها الوصاية والهيمنة التي كانت تطبق على كل اليمنين من قبل هذه الجارة والمطلوب إرجاعها بأي وسيلة إلى حضنها ووصايتها مهما كلف الأمر وبأي ذريعة كانت، والمال الذي يحقق هذه الأمنية هو حاضر ويلعب دوراً كبيراً اليوم في الأزمة اليمنية. اليمن لا يراد له من قبل هذا الحلف والغرب أن يكون قوياً سياسياً واقتصادياً يملك زمام أمره بيده، فهذا يعتبر بحد ذاته تهديداً خطيراً للمنطقة بحسب تصور من قاد هذا العدوان على اليمن.
على هذا الأساس، فإن المفاوضات لن تنجح لأن العصي التي سوف تعيق عجلات سير المفاوضات موجودة وبقوة، فهي التي تسيّر وفد الرياض بحسب أجندتها التي بدأت بها عدوانها على اليمن، وهذه حقيقة بدأ يتلمسها المفوض الجديد للأمم المتحدة ولد الشيخ ويعاني منها، ودليل ذلك التهديد المستمر لوفد الرياض بالانسحاب من المفاوضات.
دماء اليمنيين تسيل في كل يوم والخاسر الأول والأخير هو الشعب اليمني الذي دمرت دولته بسبب هذه النزاعات السياسية والولاءات التابعة لها، فاليمن يعاني من الحصار الجائر الذي يحرمه من أبسط حقوقه المدنية في العيش بعزة وكرامة، إنها المعادلة الصعبة أمام اليمنيين وهي القبول بالشرعية بحسب توصيف وفد الرياض وإرجاع الأمور إلى عهدها السابق، أو أن يحكم اليمن من يأتي لخدمة اليمن فقط لا غير وتكون أجندته وطنية خالصة. أعتقد أن هذه الأمنية غالية وعراقيلها كبيرة والأيام المقبلة سوف تكشف لنا الكثير من خبايا أزمة اليمن، وفي كل يوم تزداد قناعة اليمنين بأن من يقصفهم منذ ثلاثة أشهر لا يمكن أن يفعل ذلك لمصلحة اليمن، بل هي مصلحة ذاتية ومحاولة إرجاع وصاية فقدها بعد ثورة «سبتمبر» التصحيحية.
abojmlah gmail.com