إلى شنغهاي بدلاً من نيويورك… وسورية بيضة القبّان
محمد صادق الحسيني
إلى أقصى الشرق توجّهت الأنظار في الأيام القريبة الماضية. إنها الوجهة التي تشير إليها موازين القوى الدولية الجديدة منذ مدة. إلى شنغهاي تحديداً، حيث انعقدت القمة الرابعة لمنتدى شنغهاي للتعاون الإقليمي والدولي.
«إنها البديل الحقيقي والواقعي الذي نخطّط له بدلاً من نيويورك وبدلاً من المنظمات الدولية المخطوفة أميركياً كالجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والبنك وصندوق النقد الدوليين…»! مضيفاً: «الآن قد يشبه كلامي هذا الحلم وأنا أشرحه لك لكنها الخطة الحقيقية التي وضعتها قيادة بلدي بالتعاون مع القيادة الروسية، وهو طريق الخلاص الوحيد لهذا العالم المجحف والظالم بمعادلة قيادته الراهنة…». قالها لي منذ بدايات القرن الحالي ديبلوماسي صيني عريق عمل في لبنان ومن ثمّ في إيران، وكان واثقا جداً مما يقول.
الآن يتحقق هذا الأمر في قمة شنغهاي للتعاون الدولي، التي انعقدت قبل أيام في شنغهاي تحديداً، بحضور ستة وأربعين عضواً، بين أعضاء أساسيين وآخرين مراقبين ومجموعة ضيوف مشاركين. لكنّ المهم أنّ أقطابها الأساسيين والمؤثرين هم روسيا والصين وإيران. ولا بدّ أنكم سمعتم باتفاقية القرن بين موسكو وبكين حول توريد الغاز الروسي من سيبيريا الى الصين، التي أرعبت أوروبا وأميركا، والقادم أخطر…
الصفقة تؤمّن الغاز للصين بكميات ضخمة لمدة ٣٠ عاماً وحجم الصفقة ٤٠٠ مليار دولار وستضع موسكو ٥٥ مليار دولاراً وبكين ٢٠ ملياراً لتوسعة خط الأنابيب والبنى التحتية اللازمة لهذا المشروع العملاق.
إنها سورية، مرة أخرى، بوابة العالم الجديد والتي يعتقد على نطاق واسع أنها هي التي قرّبت هذا «الحلم» الروسي ـ الصيني وجعلته أقرب إلى الواقع.
البداية أيضاً كانت مع تطوّرات دراماتيكية شهدتها بلادنا غيّرت جغرافيا العالم السياسي في حينها.
منذ عام ١٩٩٦ والخبراء الروس والصينيون كانوا في اجتماعات سنوية مع كلّ من كازاخستان وقرقيزستان وطاجيكستان تحت عنوان «خماسي شنغهاي»، لكنّ الحلم سرعان ما تحقق بعد تحرير الألفين المشهور على أيدي رجال الله، فالقمة والمنظمة سرعان ما أعلن عنها رسمياً في الألفين وواحد، أما التتويج فها هو أيضاً يتم ويحصل في توقيت استثنائي وتحديداً الساعة، أي بعد انكسار أوباما على بوابات الشام وانحنائته أمام عرين الأسد، ما دفعه الى محاولة نقل الصراع الى أوراسيا سعياً منه إلى التعويض بأوكرانيا التي بدورها أطاحت حلم أوباما في «الاحتواء المزدوج» لكل من أوروبا وروسيا.
هكذا ظنت إدارة أوباما، وهكذا خطط جو بايدن ومعه الاستخبارات الأميركية وبدفع من الموساد عندما أقدموا على انقلابهم الأسود في كييف قبل أشهر. لكن المشهد سرعان ما سرّع في تفاهم العملاقين الشرقيين الصاعدين، وانقلب السحر على الساحر وبهت الذي كفر. وصارت أوروبا تتوسّل بوتين وتستجديه لضمان تدفق الغاز الروسي الى الغرب…! إنها حركة سريعة في صلب السياسة والنباهة.
انتقال مركز صناعة القرار من نيويورك الى شنغهاي يعني الآتي:
انهيار معادلة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية رويداً رويداً…
أفول نجم الولايات المتحدة الأميركية كقوة أحادية عظمى…
قرب تضاؤل دور الدولار كعملة وحيدة في العالم…
اقتراب أفول نجم الكيان الصهيوني باعتباره الولد المدلل لدى لندن وواشنطن وباريس ووو…
اقتراب اختفاء دور مشيخات الخليج ومن شابهها من الكيانات والإمارات التابعة لحكم القناصل والسفراء الغربيين…
انتقال مركز القوة من الغرب الى الشرق…
ثمة عالم مستكبر يتقهقر ويتصدّع…
ثمة عالم مستضعف يتعافى ويتقدم ويتماسك…
انتقال قوى المقاومة والممانعة من موقع الدفاع الى موقع الهجوم…
صعود مرتبة إيران وسورية وحزب الله وبالتالي لبنان الى مصاف اللاعبين الأساسيين في المعادلات الدولية…
من لا يريد تصديق هذه القراءة ما عليه إلاّ الانتظار قليلاً، لأنّ البقية ستأتي تباعاً مع كلّ يوم جديد يمرّ على العالم الجديد المتحوّل بتسارع كبير…
هذا التحوّل المتسارع لخريطة العالم لن ينتبه إليه إلاّ النبهاء البتة. والفضل كل الفضل طبعاً لشهدائنا عظمائنا الأبطال الذين نقف أمامهم إجلالاً وإكباراً، فبدمائهم الطاهرة يعيدون رسم خريطة العالم الجديد.
البداية كانت مع القصير، والضربة القاصمة كانت سقوط الكبار على بوابات عرين الأسد يوم ركع أوباما على مرحلتين في باب عمرو أولاً، ومن ثم ليلة الثالث من أيلول المنصرم عندما أيقن أن عدوانه على دمشق يعني تصدّع إمبراطوريته وفتح باب جهنّم على ربيبته الصهيونية.
واليوم يأتي التتويج الدولي لثلاثية المشهد الدمشقي المشهور، فخامة الرؤساء الدكتور أحمدي نجاد والدكتور بشار حافظ الأسد وسيد المقاومة السيد حسن نصر الله. تنتقل الى بكين في ثلاثية روسيا الصين إيران.
واللبيب من يقرأ باكراً إلى أين نحن ذاهبون…