اليمن: نعم طبخة بحص

حميدي العبدالله

عشية انعقاد مؤتمر جنيف اليمني، كان واضحاً أنّ المؤتمر لن يحقق أيّ تقدّم، وحتى ما يُسمّى بالهدنة الإنسانية كان واضحاً أنها هدف بعيد المنال.

هذا الاستنتاج لم يكن صاعقة في سماء صافية، فليس معنى الإصرار على عقد مؤتمر من قبل الأمم المتحدة يعني أنّ العقبات التي تعترض نجاحه قد زالت، فالأمم المتحدة استطالة للأجهزة الغربية الشريك، على الأقلّ سياسياً، في الحرب على اليمن، وتسعى إلى أن تحقق عبر السياسة ما عجزت عن تحقيقه الوسائل الحربية.

ومنذ البداية، بدا واضحاً أنّ سلوك الأمم المتحدة المشرفة على عقد المؤتمر يصبّ في هذه الوجهة، تمثل ذلك أولاً، في تأخير وصول وفد صنعاء إلى جنيف لتحاشي إمكانية حدوث لقاء بين الوفد والأمين العام للأمم المتحدة في سياق محاولة ماكرة لعدم الاعتراف رسمياً من قبل الأمم المتحدة بوفد صنعاء بالرغم من أنه الممثل الحقيقي، أو الأكثر وزناً، ونزولاً عند ضغوط الدول الغربية والمملكة العربية السعودية.

وبديهي من لم يعترف بمستوى تمثيل وفد صنعاء ويصرّ على أنّ وفد الرياض الذي ليس لديه مكان يأوي إليه داخل اليمن هو الممثل الأوزن للشعب اليمني، ليس لديه الرغبة والاستعداد لوضع حدّ للمأساة التي يعيشها اليمنيون جراء القصف الجوي، من خلال هدنة إنسانية، ولا من خلال حوار جدّي يفضي إلى حلّ سياسي.

كما أنّ الإصرار على تحقيق ما عجزت عنه الحرب وأنصار عبد ربه منصور هادي على الأرض عن طريق مؤتمر جنيف، يمثل سذاجة لا تضاهيها أيّ سذاجة أخرى، فما الذي يدفع وفد صنعاء إلى قبول قرار مجلس الأمن الذي يفرض هادي ممثلاً للشرعية اليمنية، وانسحاب الجيش واللجان من المدن، وتمكين «القاعدة»، وأنصارها من السيطرة عليها، بعد كلّ هذه التضحيات التي قدّمها الشعب واللجان والجيش اليمني خلال الأشهر الثلاثة التي تشكل عمر الحرب الحالية؟ كان من الواضح أنّ مجرد طرح هذه المطالب من قبل الأمم المتحدة، أو من قبل وفد الرياض، هو تأكيد على أن لا نية حقيقية لوضع حدّ للحرب الدائرة في اليمن، لا من خلال هدنة سياسية، ولا من خلال حلّ سياسي، لأن أي حل أو أي هدنة لكي تنجح عليها أن تأخذ بعين الاعتبار توازنات الوضع الميداني، وأيّ محاولة لتجاوز توازنات الميدان سيكون مآلها الفشل، ولأنّ مؤتمر جنيف اليمني حاول تجاوز هذه التوازنات وصل إلى طريق مسدود. على أية حال هذا يؤكد من جديد أنّ مسار «جنيف اليمني» هو مسار يشبه «جنيف السوري» أيّ أنه مجرد محاولة من أجل تحقيق واحدة من غايتين، الأولى تحقيق ما عجزت عن تحقيقه الحرب إذا أمكن ذلك، ولكن إذا تعذر تحقيق هذه الغاية، فالوصول إلى غاية أخرى تتمثل في عدم إغلاق الطريق أمام حلّ سياسي، إذ أدّت تداعيات الحرب إلى مخاطر قد تهدّد المملكة العربية السعودية، أو وصول تطورات الميدان إلى مرحلة الحسم، الأمر الذي قد يدفع القوى المناهضة للجيش واللجان إلى قبول تسوية حتى لو لم تكن بمستوى ما يطمحون ويتطلعون إليه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى