انتخابات سورية ترسم المستقبل وتعلن الانتصار

علي القحوم

على مدى ثلاث سنوات ونيّف والمؤامرة الكبرى على سورية لا تزال مستمرة، لكن هناك تغيّرات جعلت المشهد السوري يتجلى لتتضح خيوط المستقبل والى أين ستتجه الأمور. لا يسعنا بالطبع الحديث في هذا المقام عما جرى لسورية بالتفصيل لأنه سيطول بنا المقام ولا أعتقد أنه لا يزال هناك من لم تتضح له رؤية ما حصل ويحصل في سورية، سيما في الفترة الأخيرة بعدما انكشفت أوراق أميركا ودول الاستكبار العالمي كلّها واتضح للجميع أنهم قادة الحرب الكونية على سورية.

وفي الوقت نفسه انكشف الزيف والغطاء التي كانت أميركا تتحجج به وتتستر خلفه، فالحوادث والوقائع فضحت المشروع التدميري والتكفيري على سورية لأن العناصر الاستخبارية المسماة بالقاعدة تعمل وفق المصلحة الأميركية، إذ تتخذها أميركا ذريعة لاحتلال البلدان العربية فهي مسرحية ولعبة شيطانية تديرها أجهزة استخبارية أجنبية وعربية. فأميركا تحاربها هناك، وتدعمها هنا في سورية وتموّلها، وهذا يمثل ازدواجية في المعايير السياسية. واستهداف لسورية يعود إلى أسباب كثيرة أهمها موقع سورية الجيوسياسي والجغرافي المهمّ، كذلك اعتزازها بالعروبة والوطنية في الرفض والممانعة للالتقاء في تقاطعات السياسة الاستعمارية الصهيو- أميركية، خاصة أن هناك من زعماء دول عربية سارعوا في الارتماء في أحضان الأميركان والصهاينة، فيما رفضت سورية ذلك وباتت تقف ضد الهيمنة الأميركية والصهيونية وتدعم مشروع المقاومة والتحرر من الاستعمار. فعلى مدى سنوات وهي تدرب وتدعم وتحتضن المقاومات الإسلامية مثل حزب الله وحماس وحركة الجهاد الإسلامي، وكان لسورية الدور البارز في الانتصارات التي حققتها حركات المقاومات الإسلامية في لبنان وفلسطين. لسنا هنا في صدد ذكر ما قدمته سورية العروبة إلى الحركات المقاومة الإسلامية.

ولكن هذا للتذكير فحسب، لأننا لم نذكر إلاّ القليل، فسورية غنية عن التعريف وتاريخها يشهد على ذلك. لكي لا نطيل الكلام في التعريف بسورية، نود أن نتحدث عن الانتخابات الرئاسية السورية التي تمثل منعطفاً تاريخياً في تاريخ سورية، تحديداً في هذه الظروف الصعبة وفي حين تريد أميركا و»إسرائيل» أن تفرض على الشعب السوري ما تراه مناسباً وموافقاً لمصالحها وسياستها الاستعمارية. لكن في المقابل، سيخرج الشعب السوري في الثالث من حزيران للمشاركة في الانتخابات الرئاسية ويختار مستقبله بنفسه.

هذا اليوم سيمثل الحدث التاريخي الأهم لمستقبل سورية على مدى عقود من الزمن، فالشعب السوري في هذا اليوم سيقدم الملحمة الكبرى التي ستفاجئ العالم، فسورية في حاجة إلى كل صوت من أبنائها الوطنيين ليثبتوا للعالم أجمع أن سورية لن تخضع للمستعمر الأميركي ودفعت فاتورة باهظة للحفاظ على العروبة والاستقلال لتنجلي صورة واضحة عن حضارية هذا الشعب ومعدنه الأصيل.

كما تعتبر المشاركة صفعة كبيرة لكل من تآمر على سورية، وبذلك أثبت الشعب السوري معادلة الصمود والتحلي بالصبر والثبات والوعي الذي مكّنه من أن يتكاتف مع الجيش والقيادة.. قدّم أروع الأمثلة والنماذج التي من يفترض الاحتذاء بها. وحقق الانتصار وفشلت المؤامرة وتساقطت أوراقها الواحدة تلو الأخرى. وليس هذا فحسب بل تساقطت أنظمة وحكومات تآمرت على سورية وكانت جزءاً لا يتجزء من الحرب التكالبية التي لم يحصل لها مثيل في التاريخ المعاصر، فالمشاركة الشعبية في الانتخابات الرئاسية ستكون رافداً قوياً لما يقوم به الجيش العربي السوري في الميدان من إنجازات كبيرة غيّرت موازين القوى والمعادلات، إذ سجّل انتصارات لم يكن العدو يتوقعها، رغم أن الحرب طال أمدها واعتقد العدو الأميركي أن الجيش السوري في مرحلة الانكفاء والتراجع والإرهاق. لكن ماذا تغير في الميزان العسكري والخطط الحربية التي قدمها الجيش والقيادة.

إدارة الحرب لم تكن سهلة وأثبتت الأيام أن القيادة السورية استطاعت أن تتعامل مع أعتى الحروب والتكالبات الدولية. نفس الحرب طويل والتعامل معها حذر، فلم ترمِ القيادة السورية أوراقها كلّها في البداية بل ادخرت أهم الأوراق التي كسرت أهم فقرة في ظهر المشروع التآمري على سورية، ففي حين أيقن العدو أن الجيش العربي السوري في الرمق الأخير، بدأ التحرك على نحو علني. وتخرج أميركا إلى العلن وكذلك «إسرائيل» ليضغطا سياسياً وإعلامياً على الحكومة السورية والجيش، وفي الميدان تفجيرات وقتل للمواطنين ولأبناء الشعب السوري بالعشرات والمئات، لكسر إرادته وتغيير مواقفه المساندة للقيادة والجيش..

لكن ماذا حصل؟ كان الزلزال الكبير الذي شق أرض المشروع وقطّع أوصاله، فبدأ العد التنازلي لسقوط المشروع الأميركي في سورية بدءاً من الانجاز الكبير في القصير الذي صعق «إسرائيل» وأخرجها من العمل من خلف الستار إلى العلن والتحرك بجنون ودراسة لما حصل. نتابع جميعاً الإنجازات في ريف دمشق وحلب ودرعا، وستكون بعد ذلك المفاجأة الكبرى في الإنجاز الاستراتيجي مع طرد الرجس الأميركي والتكفيري من أكبر المحافظات السورية، حمص. لحمص موقعها في الخريطة الجيو سياسية والعسكرية في أرض سورية إذ كانت تمثل العاصمة للمشروع التدمير والتكفيري الذي ضرب سورية. وبهذا الانجاز الكبير توالت انهيارات في صفوف التكفيريين، وبدأ العد التنازلي للانهيار والاستسلام. وليس هذا فحسب، بل تغيرت توجهات سياسية إذ بدأت أميركا تخفض صوتها، وكذلك «إسرائيل»، مترقبين ما سيحصل. لا سيما قرب الانتخابات الرئاسية السورية وإعلان الرئيس بشار الأسد ترشحه في ظلّ التطورات الميدانية والتغيّرات في السياسات الدولية.

فالرئيس بشار الأسد ليس في حاجة إلى تقديم برنامجه الانتخابي فأكثر من ثلاث سنوات من عمر المؤامرة الدولية والعربية على سورية كشفت للشعب السوري وللعالم الحقائق كاملة، ولم يبق إلا أن يتصدى الشعب السوري بصوته لما تبقى من جزئيّات المؤامرة كي تعلن نتيجة الانتخابات النهاية الفعلية لهذه المؤامرة. ويثبت الواقع الذي كانت تشوبه ضبابية وتزييف أن ما حصل في سورية حرب دولية كبرى قادتها أميركا و«إسرائيل» وبمساندة دول خليجية وكذلك تركيا وفرنسا وبريطانيا. وكانت العناصر الاستخباراية المسماة بـ«القاعدة» والتكفيريين والسلفيين والوهابيين وقوداً لهذه الحرب التي كانت أميركا تريد أن تجعل من سورية مثل أفغانستان. عندما تحركت هذه العناصر الوهابية والسلفية معلنة الجهاد في أفغانستان لمحاربة الروس الملحدين على حد زعمها وكان في الواقع جهاداً في سبيل أميركا، تعمل اليوم في سورية ويتدفق ألوف التكفيريين إلى سورية من أصقاع الأرض. كان لكل طرف دور في المشروع، فهذا يسهل ويهيئ وصول العناصر، وذاك يتولى الدعم المالي والعسكري، إلخ.

وفي آخر المطاف، فشل المشروع، وانهارت أرضيته، وبات قادة المشروع في تخبط واضح وعلني، وبخاصة الأميركيين الذين يسارعون إلى لملمة الفضيحة الكبرى وترتيب الأوراق مجدداً في المنطقة.

alialsied gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى