سورية… الاختبارات الكبرى في ميادين الحرب الوطنية العظمى
نصار إبراهيم
1 ـ استهلال: ما سأكتبه، وإنْ أخذ المنحى الأدبي والوجداني نوعاً ما، إلا أنه يعكس فكرة جوهرية ناظمة تتخطى العواطف والانفعالات. وهو بالنسبة إليّ درس وخلاصة دم وتاريخ عميق يجب أن يبقى ماثلاً في الوعي بصورة دائمة.
تباهي الأمم والشعوب والدول عادة بما يميّزها وبما يعطيها خصوصياتها ورونقها. تفاخر بنواظمها ومحدّداتها وسماتها العامة. تفاخر ببديهياتها وثوابتها القومية. فيباهي الشعب مثلاً بأنه حيّ ونابض، يفاخر بوحدة نسيجه الاجتماعي، وبقدرته على الصهر الاجتماعي – الثقافي لمختلف مكوّناته، يفاخر بتنوّعه وتناغمه وانسجامه، يفاخر بقدرته في التفاعل الخلاق بين ماضيه وحاضره ومستقبله، يفاخر بجيشه الوطني كتعبير عن وحدته وأصالته وكرامته القومية، يفاخر بعمق بنى دولته وصلابتها… يفاخر باقتصاده وبمنظومته التعليمية، يفاخر ويباهي بهذا كلّه وسواه، فذلك ما يجعله فعلاً شعباً مميزاً ومهاباً، ويعكس ركائز قوته العميقة. مع ذلك، كلّ ما تقدم يبقى مجرّد كلمات وشعارات يردّدها الناس في الأيام واللحظات السهلة، فهذه القيم والأبعاد والسمات تبقى مجرّد فرضيات لا أكثر، ما لم تختبر في قلب النار وعند محطات التاريخ الصعبة. فليس المهم أن تقول، لأن المعيار الحاسم هو أن تثبت فعلاً عندما يجد الجد أنك كما تقول، وإلاّ تفقد الكلمات دلالاتها، بما يشبه قول الشاعر:
إذا اختلى الجبان بأرض
طلب الطعن وحده والنزالا
هذا التحدي الصعب بين القول والفعل، بين القول والواقع هو ما اختبرته وعاشته سورية بكامل تفاصيله لقد سمعنا وقرأنا طويلاً بديهيات وشعارات ومحدّدات مثل: «سورية قلب العروبة النابض» و»الشعب السوري هو نموذج الانصهار والاندماج الاجتماعي»، «سورية جوهرة الإسلام المعتدل»، «سورية قلب المسيحية الشرقية الأصيلة»، «سورية التسامح، سورية خالقة الأبجدية»، «سورية الحضارة» و»سورية هي فوق أي مكون من مكوّناتها الجزئية» دينية، طائفية، سياسية، طبقية، إثنية، فكرية، جغرافية، لغوية، … و»الجيش العربي السوري حماة الديار هو جيش عقائدي شعاره: «وطن، شرف، إخلاص». سمعنا كذلك طويلاً شعار «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة» وسورية «قلعة المقاومة» و»فلسطين هي البوصلة»…
سمعنا ذلك كلّه طويلاً طويلاً، وقد تعامل الكثيرون مع كل ذلك باعتباره مجرد شعارات وكلمات للاستهلاك لا أكثر… بل وشكك الكثيرون في جدية هذه الثوابت، وأحياناً سخروا منها. كما شككوا في عقيدة الجيش العربي السوري وصلابته وقدرته على التماسك، وبقي الأمر كذلك حتى جاءت لحظة الاختبار الكبرى، ووضع التاريخ سورية أمام أسئلته وتحدياته المروعة. سنوات الحرب الوطنية العظمى الثلاث، من آذار 2011 حتى اليوم أيار 2014، وقفت هذه الشعارات وجهاً لوجه أمام تحديات لم يختبرها شعب آخر. جاءت لحظة الفصل فإما أن تبرهن هذه الشعارات/ الثوابت ذاتها أو تنهار وتحترق مثل أعواد الكبريت الهشة.
ثلاث سنوات ونيف من الحرب الكونية الطاحنة التي لم تبق ولم تذر. مئة دولة، مئة جهاز استخبارات، ألف وسيلة إعلام ، مئات مليارات الدولارات، ألف ألف فتوى، ربع مليون مسلح مدجج جاؤوا من أربعة أصقاع الأرض، مؤتمرات وتهديدات بحرب شاملة، وحرب نكاح، وحدود دولية أشرعت من الشمال والغرب والشرق والجنوب لكل مارق وقاتل ولص، وعود وشعارات وإغراءات باسم الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية، وشعارات أخرى باسم الله وأنبيائه، قتل شامل وتدمير منهجي واستباحة للأخلاق والتراث والقيم والبنى والاقتصاد والثروات… ثلاث سنوات هي الأكثر شراسة وعنفاً وتكالباً لتدمير سورية وطحنها؟ فهل هناك اختبار أكثر هولاً من ذلك لكل ما تقوله سورية عن نفسها؟ ماذا جاءت تجربة الحرب الوطنية السورية العظمى لتقول؟
بلى، لقد صدقت سورية في ذاتها ولذاتها، حين أخرجت أثقالها ووضعت في ساحات المواجهة بأسها بالكامل، فصمدت كشعب وقيم وثقافة وحضارة وتماسك وإنسانية وجيش وقيادة وتنوع ووحدة، وأثبتت بالنار وبالوعي فعلاً أنها الأم الكبرى، فلم تساوم على ثوابتها، كما برهنت فعلاً بأنها قلب العروبة النابض، مثلما هي قلب الإسلام النابض، وأيضاً قلب المسيحية النابض، وقلب المقاومة الحاضن، ووطن العلمانية المضيئة… فلسطين هي فعلاً البوصلة، صمد الشعب وصمد الجيش وصمدت الدولة وصمدت القيادة وصمدت القيم والثوابت. صحيح أن ثمن ذلك كان هائلاً بكامل المعايير، ومع ذلك فإن ما