من «الجيش الحر» حتى «الفتح»… غسل وتبييض الإرهاب

أحمد علي العبدالله

بات من المعلوم أو البديهي لكلّ من لديه وعي سياسي أنّ الذي أريدَ من «الربيع العربي» هو إنجاح لعبة أحجار الدومينو التي بدأت من تونس والقاهرة مروراً بصنعاء وليبيا وأخيراً دمشق التي أريدَ لها أن تكون كرة البلياردو كونها حاملة لواء الدفاع عن العروبة والعمود الفقري للمقاومة.

«فإسقاط دمشق» سيؤدِّي إلى تحقيق «الشرق الأوسط الجديد» وتنفيذ مشروع سايكس بيكو المجتمعي، ما يؤدّي إلى طمس الانتماء القومي والوطني، ويعوّم كلّ الانتماءات الضيّقة، وهذا ما يحفظ أمن الكيان الصهيوني وتفوّقه. ومن جهة أخرى، يكرّس هيمنة الولايات المتحدة على الوطن العربي أكثر ومن ثم العالم ككل.

من أجل «إلحاق الهزيمة التاريخية بدمشق» كان لا بد من الالتفاف عبر بوابة الحرية والديمقراطية، هذا السيناريو كان الخيار الوحيد أمام الأميركي الصهيوني السعودي والتركي، بعد فشل مبادرة الملك عبدالله في قمة بيروت 2002 التي أريدَ لها أن «تجرّ» دمشق إلى محور الانبطاح العربي وتعترف بالكيان الصهيوني وتطبع معه، لكنها وبيروت رفضتا تلك المبادرة، كذلك بعد فشل محاولة الضغط الدبلوماسي التي قام بها بوش الابن ووزير خارجيته كولن باول، إضافة إلى فشل حروب ولادة الشرق ذاته بدءاً من الحرب على العراق ومن ثم الحرب على لبنان عام 2006.

لأنّ الشعب السوري أدرك خطورة المؤامرة والتفّ حول قيادته وساند واحتضن جيشه، كان على أعداء سورية أن يوجدوا «الجسم الإرهابي المسلح» ليحارب الدولة والشعب السوري على السواء، وقد سمّوه «الجيش الحر».

لكن حين أثبتت التجربة هزيمة هذا الجسم أمام ضربات الجيش العربي السوري وأمام رفض الشعب السوري له في كلّ بلدة أو قرية كان يدخلها.

قضت الضرورة أن تطوّر جبهة الأعداء لسورية نهج عدائها إلى تشكيلات أكثر تطرفاً وإرهاباً، مثل «أحرار الشام» و«جيش الاسلام» وغيرها من التنظيمات الدموية، حتى أوعزت الولايات المتحدة والسعودية للقاعدة بأن تصفح عن نفسها بالشام، فكانت «جبهة النصرة».

حين أخذ الجيش العربي السوري زمام المبادرة وبدأ بعملياته العسكرية المكثفة وفق خطط وتكتيكات ناجحة حتى بات يسيطر على أغلب الجغرافية الاستراتيجية، وحرّر الكثير من المدن والبلدات والهضاب والطرق الرئيسة وأمن العاصمة وفرض طوقاً حول عاصمة الاقتصاد وقطع أوصال الإرهابيين وطرق إمدادهم، أدركت تلك القوى الإقليمية والدولية أنها هزمت أمام السوريين أو تكاد، الأمر الذي وضعها أمام ضرورة توحيد جهودها السياسية وجبهات إرهابية، اتضح ذلك حين هرب الإرهابي المدعو زهران علوش رجل السعودية الأول في الميدان السوري إلى أنقرة الراعية الأولى «للإخوان المسلمين» في المنطقة.

ثم كان الوليد الشرعي لمخاض الحراك السعودي القطري التركي المسخ «جيش الفتح» المكون من فصائل إرهابية عدة، وفي مقدمها «النصرة» المصنفة أممياً فرع القاعدة في الشام.

في الآونة الأخيرة، اعتدت على المواطن السوري القوى الإرهابية ذاتها باسمها الجديد «جيش الفتح» فاحتلت بيته وسلبته أمنه ولقمة خبزه في إدلب والجسر وأريحا، ولوحظ تعتيم إعلامي على كل الجرائم التي ارتكبتها، ومن جهة لوحظت تغطية إعلامية مكثفة جداً لتسوق الأمر على أنه «انتصارات» على الدولة والجيش السوري، من قبل قنوات وصحافة ومحللي تلك القوى الإقليمية الداعمة والممولة للإرهابيين، إضافة إلى المقابلة التلفزيونية على أشهر شاشات التضليل والكذب وتزوير الوقائع مع «قائد النصرة» في بيت يشبه بأثاثه البيوت الدمشقية ويلبس زياً شامياً.

كل ذلك لتقديم هذا الجسم الإرهابي الجديد للغرب السياسي والرئيس الأميركي على أنه «المعارضة السورية المعتدلة» القادرة على «إلحاق الهزيمة» بالدولة السورية، وتزامن هذا الجهد السياسي مع تلك الاعتداءات على مدن وبلدات الشمال السوري، من باب «البرهنة» على قدرة هذا الفصيل الدموي أو «الثوار» كما وصفوه زوراً وبهتاناً لتبنيه سياسياً ودعمه لوجستياً وبالسلاح المتطور أكثر لاستثماره في أي مؤتمر تفاوضي مقبل مع الدولة السورية وحلفائها.

في النهاية ومن نافل القول، لا بد من تأكيد المؤكد بأن كل التشكيلات الإرهابية التي اعتدت على الشعب السوري منذ بدء الحرب، ما هي إلا القاعدة ذاتها وليس من فروعها وأخواتها ومشتقاتها، لأن الإرهاب لا يُجزّأ ولا يقسّم مهما اختلفت الوجوه، سواء «الجيش الحر» أو «جيش الإسلام»، وما عملية تغيير الاسم إلى «جيش الفتح» إلا من باب النفاق السياسي للتعامي عن أكبر وأقوى فصيل فيه وهو «النصرة»، كونها صنفت فرع القاعدة في الشام، وما كانت ضرورية عملية تغيير العناوين لو أن تلك الأسماء السابقة لفصائل الإرهابيين قد صمدت أمام ضربات الجيش العربي السوري، ولو أنها لم تقاتل بعضها بعضاً إثر كل هزيمة كان يلحقها بها الجيش السوري، وكل محاولات تغيير الأسماء تلك ما هي إلا غسل وتبييض الإرهاب، فالأفعى تغيّر جلدها لكنها لا تخرج على وظيفتها ودورها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى