وجوه العابرين في شارع الحياة… لوحات لبشرى خدوج
صبا خير بك
فنانة تشكيلية أحبت الرسم منذ طفولتها، فلم توفر فرصة لتنمية موهبتها من خلال التعلّم والتدريب والمشاركة في مختلف المعارض، منذ أن كانت في مرحلة الدراسة الابتدائية، مروراً بالثانوية ومعارض الجامعة، إضافة إلى المعارض الخاصة. وبهذا، تمكّنت الشابة بشرى خدوج من الخوض في سفر من التجريب والكشف وصولاً إلى هوية فنية خاصة بها، سعت من خلالها إلى نقل مفاهيمها الفكرية والفنية عبر رسم حرّ يحدّ من سطوة المدارس التقليدية، مطلقةً العنان لجموح تصوّراتها المبدعة.
حول تجربتها الفنية، تؤكد خدوج أن دافعها للرسم دافع فطري بحت، تبدّت معالمه منذ الصغر من خلال تعلّقها بالورقة والقلم والألوان، فكانت الأسرة حاضنة خصبة ودافئة لهذه الموهبة التي لقيت كثيراً من الدعم والتشجيع طوال سنوات. فكان لا بدّ لهذا التحفيز المتواصل أن يتجلّى على شكل تدريب ودراسة وصلا بالشابة إلى مستوى جيّد من الأداء الفني.
أما مرحلة الاحتراف، فقد بدأت لاحقاً، وتحديداً بعد التحاقها بدراسة الهندسة المدنية في الجامعة، إذ اكتشفت خدوج أن موهبتها هذه ما زالت تتوثّب يوماً بعد يوم على رغم عبء التحصيل العلمي، فقرّرت أن تتعلم أصول الفنّ التشكيليّ بالتزامن مع الدراسة الجامعية، فانضمت إلى معهد «صبحي شعيب للفنون التشكيلية»، ولدى وصولها إلى السنة الرابعة، وقبل تخرّجها، توقّف المعهد عن العمل بسبب الأزمة الراهنة.
على رغم ذلك، لم تتراجع عزيمة الشابة الموهوبة، خصوصاً أنها وصلت إلى مستوى مهمّ من التعلم. فما ان بدأت الحياة في مدينة حمص تعود طبيعية إلى سابق عهدها، حتى عادت هي من جديد إلى الرسم والمشاركة في المعارض. فسجلت حضوراً جميلاً في كل من معرض كلّية الهندسة المدنية مع فريق «شموع سورية»، ومعرض «خوابي»، ومعرض نقابة المعلمين في «جامعة البعث».
وعلى رغم علاقتها الوثيقة مع الطبيعة، إلا أنها توجه الكثير من تأملاتها إلى الوجوه التي تلتقيها في شارع الحياة اليومية. فالتفاصيل التي تؤلف تلك الملامح البشرية غالباً ما تختزن على حدّ تعبير خدوج أرشيفاً من الأحاسيس والقصص والخبرات المتراكمة، إذ إنّ حكاية مؤثرة ترتسم وراء كل وجه من تلك الوجوه بما فيها وجوه الأطفال.
كما تهتمّ خدوج بالأعمال الواقعية. فهي كذلك تشتغل على الجانب التعبيري والرمزي في لوحاتها إلى جانب اشتغالها على كل أنواع التقنيات والمدارس من باب التعلّم والتجريب، وصولاً إلى تحديد هوية خاصة بها. مؤكدة أنها ـ وعلى رغم إتقانها كلّ التيارات ـ أكثر شغفاً بالرسم الحرّ. فهي لا تريد تقييد نفسها بأسلوب أو مدرسة معينة، ولذلك غالباً ما تستخدم عدة تقنيات في اللوحة الواحدة.
وتقول خدوج إن اللوحة تتّسم بالعفوية مهما اشتغل عليها الفنان، وهو ما يشابه المقطوعة الموسيقية. فكلاهما يخلق شيئاً قريباً من الروح والوجدان، بعيداً عن التقليدية، ولا يمكن التعبير عنه إلا من خلال هذه الأعمال الإبداعية. مشيرة إلى أنّ الفنّ التشكيليّ بحاجة إلى الكثير من العناية والمتابعة. فالناس بحاجةٍ إلى الجمال الذي يلامس دواخلهم، وهو أحد سبل النجاة من الواقع الذي نعيشه.
وأشارت خدوج إلى ضرورة تدريس مادة الفن التشكيلي في مختلف المؤسسات التعليمية بهدف توجيه المتعلّم نحو الدور الذي يمكن أن يقوم به هذا الفن في تغيير المحيط الذي يعيش فيه. ففي كلّ عمل ثمة مقولة مهمة يمكن إيصالها إلى المتلقّي بطريقة جميلة، سواء عبر لوحات واقعية أو رمزية أو تجريدية أو انطباعية، مبيّنة ضرورة الاهتمام بفنّ الطفل قبل الشاب، إذ إنّ الأطفال هم الشريحة التي تؤسّس للمستقبل وللحلم، وهم القادرون على تلوين الركام والحطام الذي خلّفته الحرب الإرهابية على سورية تماشياً مع ثقافتنا السورية القائمة على الحبّ والعطاء.