سورية ليست أميركا ولكن…
عامر نعيم الياس
اكتشفت القارة الأميركية قبل 400 عام من الآن في سورية حضارة يتجاوز عمرها سبعة آلاف عام، فرق كبير بين شعب بلا ذاكرة ثقافته مبنية على إسقاط التاريخ وتفكيكه بحجة العيش في الحاضر وبناء المستقبل، وبين شعب آخر تاريخه جزء لا يتجزأ من هويته الحضارية ورسالته إلى العالم أجمع. الفرق كبير بين مستوطنين أبادوا السكان الأصليين في القارة الأميركية وقادوا حركة التاريخ وفقاً لمفهوم البقاء للأقوى، وأرض منحت العالم أبجديته، لكن أوروبا تحاول إعادة الكرّة فبالنسبة إلى الإمبراطوريات الاستعمارية القديمة يبدو أن التاريخ يعيد نفسه بالأدوات ذاتها ولخدمة الهدف ذاته، تدمير سورية وتاريخها وإرثها الحضاري، إخضاع السكان الأصليين لحكم الإجرام الوافد من الغرب، فما بين الأرض الجديدة أي القارة الأميركية وأرض الجهاد أي سورية في التوقيت الراهن، تطرح الأسئلة عينها حول الهدف والغاية والأدوات، فما سرّ هذا التدفق المنفلت من الضوابط للإرهابيين الغربيين إلى سورية؟
قبل 400 عام تصارع الإسبانيون والإنكليزيون والفرنسيون على القارة الجديدة وفي البدء تحديداً وقبل شن حرب الإبادة ضد الهنود الحمر وتدمير حضارة الإنكا والمايا وإقرار نظام العبودية، كانت الدول آنفة الذكر ترسل «البيض» أي رعاياها إلى المنفى، نعم كانت أميركا أرضاً لنفي المجرمين والقتلة والقوادين والعاهرات الذين ضاقت بهم أراضي الإمبراطوريات الأوروبية التقليدية ولم تعد تنفع معهم القوانين، فنُفي مئات آلاف منهم من مختلف بقاع الأرض ليمارسوا طقوسهم الإلغائية على السكان الأصليين، معلومات موثقة في الفكر الأوروبي لم يستطع حتى الأدب تجاوزها ولعلّ في الأدب الفرنسي عشرات الروايات التي تقطع الشك باليقين حول هذا الملف تحديداً.
اليوم وفي سورية يعيد التاريخ نفسه آلاف «الجهاديين» إلى سورية من أصول أوروبية وحتى أميركية جاؤوا إلى «الحرب المقدسة» ضد الدولة السورية، دولة من الملحّ تدميرها مهما بلغت الأثمان، أقرت القوانين في مواجهة انفلات الملف الجهادي بعد صمود ثلاث سنوات للدولة والشعب في سورية، قوانين تهدف إلى سحب الجنسية من الملتحقين بركب الجهاد في سورية كما هي حال بريطانيا، وأخرى لمكافحة الشبكات الجهادية كما في فرنسا، لكن هل هذه القوانين تعمل على تحقيق الهدف المعلن، أم إنها حكم بالنفي بصيغة أو أخرى؟
الكاتب روبرت فيسك في «الإندبندنت» البريطانية الذي تناول قرار وزارة الداخلية البريطانية بتجريد حاملي الجنسية البريطانية من حق المواطنة في بريطانيا في حال ذهابهم إلى سورية للقتال ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، يقول «ينبغي التوضيح هنا أن وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ وحلفاءه كانوا أول من قدموا دعمهم لقوات المعارضة السورية. من المثير رؤية ماذا سيحل بالبريطانيين الذين سيجردون من حق المواطنة، إذ عليهم العودة إلى البلد الذي ولدوا فيه، فيما سيكون مصيرهم أفضل وسيعيشون حياةً أطول في حال اختاروا القتال في حرب جهادية أخرى».
نحن هنا أمام قوانين تدفع بالاتجاه المعاكس للهدف الذي أقرت من أجله، فالبقاء في سورية وتشجيع مزيد من المجرمين على القتال فيها هو الأساس، أساس يتوضح أكثر في قصة «سعاد مراح الجزائرية البالغة من العمر 36 سنة التي أفلتت من رقابة الأجهزة الأمنية الفرنسية منذ 15 يوماً، وإذ بوزير الداخلية الفرنسي برنار كازونوف يقول قبل يومين إن هناك دلائل دامغة على وجودها وأطفالها الأربعة في سورية إلى جانب زوجها عبد الواحد السلفي الجهادي الذي يقاتل هناك» بحسب «لوموند» الفرنسية. صحيفة «لوفيغارو» تطرح أيضاً تساؤلاً حول «فشل الاستخبارات الفرنسية في ملاحقة المرأة التي تم التحقيق معها عام 2012 بتهمة الانتماء إلى تنظيم سلفي، بعد انتشار تسجيل مصور لها تمتدح فيه أخاها محمد مراح المتهم بقتل ثلاثة جنود فرنسيين في مونتوبان وثلاثة أطفال ورب أسرة في تولوز، إضافة إلى إبداء إعجابها بأسامة بن لادن، لكن القضاء الفرنسي أخلى سبيلها بحجة تصويرها من دون علمها!» وحول هذا الأمر يرى جان شارل بيسار، الخبير الدولي في مكافحة الإراب وتمويله أن «الرقابة تتولاها أجهزة الاستخبارات وهي في هذه الحالة تكون فيزيائية عبر تقفي الأثر والكترونية عبر مراقبة الإنترنت والاتصالات الهاتفية، لكن حتى اليوم لا توجد مادة في القانون الفرنسي تسمح باحتجاز شخص لأنه يريد الذهاب إلى سورية أو تنفيذ هجوم فيها، إلا إذا كان جزءاً من شبكة لتجنيد الجهاديين»، تبرير آخر يضاف إلى القوانين التي تهدد بسحب الجنسية من الغربيين الموجودين في سورية والتي أقرت في العديد من الدول الأوروبية، تبرير يطرح علامة استفهام حول التوجه الحقيقي للغرب في ملف جهادييه الذي تشير الإحصاءات إلى زيادة تدفقهم إلى سورية في الأشهر الأخيرة.
كاتب سوري