معركة تدمر المؤجلة: «داعشّ يفخّخ وقلعة الحصن حاضرة

عامر نعيم الياس

حَفِلت وسائل الإعلام العالمية في اليومين الماضيين بخبر تفخيخ تنظيم «داعش» مدينة تدمر الأثرية، في ما أوردت بعض المصادر المحلية في سورية أن التنظيم قام بتفجير بعض التماثيل في معبد «بل»، إذ إنه من الواضح أن التنظيم يمارس لعبة ابتزاز وتهديد في آن واحد. فالمدينة الأثرية في تدمر أضحت رهينة بِيد التنظيم، وتفخيخها يحدد إطار أيّ محاولة من قبل الجيش السوري لاستعادة المدينة. مع إدراك التنظيم تجربة قلعة الحصن في ريف حمص الغربي والتي كانت شاهدة على عملية ضبط النفس التي مارسها الجيش بهدف تحرير القلعة وعدم إلحاق الأذى بها، آخذاً بالاعتبار الحفاظ على التراث الإنساني والهوية السورية. فالعملية العسكرية الخاصة بالقلعة الموضوعة هي الأخرى على لائحة التراث العالمي، قامت على أساس توسيع نطاق سيطرة الجيش السوري والقوى الرديفة وقطع طرق الإمداد إلى القلعة ومقاتليها عبر قضم المناطق المحيطة بالقلعة، وهو ما أدّى إلى سقوطها تلقائياً بعد محاصرتها بشكل كامل.

في تدمر، يبدو أن الوضع أكثر تعقيداً من أيّ منطقة أخرى. ويبدو التنظيم مرتاحاً لجهة عدم اضطراره لخوض معركة الدفاع عن المدينة في الوقت الحالي، على رغم التراجع العام للتنظيم سواء في شمال سورية وفي ريف محافظة الرقة تحديداً، مع التمدّد المثير لما يسمى «وحدات حماية الشعب الكردي» وبغطاء جوّي أميركي، أو بالتقدم الذي حققه الجيش السوري والقوات الرديفة في المحور الأهم الخاص بمنطقة البيارات غرب تدمر، وتأمين طرق إمداد الطاقة من محيطَي حقلَي «جزل» و«الشاعر» النفطيين، اللذين يعتبَران الوحيدين الرافدين بالطاقة للمحافظات الآمنة في سورية، خصوصاً العاصمة دمشق. وهنا تكمن الأولوية لدى الجيش السوري، وهو ما يدركه التنظيم جيداً، لذلك اكتفى في الوقت الحالي بتعقيد المهمة في مواجهة أيّ رغبة بالتقدم لاستعادة المدينة التي تضمّ إلى جانب آثارها المفخّخة، سكاناً يعدّون بعشرات الألوف، يشكل بعضهم بيئة حاضنة للتنظيم الإرهابي، وهو ما يضيف حساباً آخر إلى حسابات معركة تدمر، يبدو أن الجيش السوري في غنىً عنها في المدى المنظور، إذ يتوقع أن ترسم القوات السورية خط تماسٍ جديداً بين التنظيم في تدمر المدينة، وبين نقاط الجيش في محيط حقول النفط والغاز، بما يضمن استنزاف التنظيم في حال قرّر شنّ هجوم لاحتلال حقلَي «جزل» و«الشاعر».

إن تراجع «داعش» في الرقة وفي تدمر يثير عدداً من علامات الاستفهام حول الأسباب التي أدّت إلى فقدان السيطرة، بين مَن يرى عدم قدرة التنظيم على تحمل تبعات التمركز والهجوم المعاكس من قبل مناوئيه، وبين مَن يرى أن التنظيم المرتبط بشكل أو بآخر بأجهزة الاستخبارات الدولية ينفّذ أجندة عسكرية واضحة بالانسحاب من بعض المناطق لمصلحة تعويم حلفاء واشنطن على الأرض، ومنهم الأكراد. لكن الاحتمال الأول يبقى الأرجح في ضوء «فرار عناصر داعش» من تل أبيض، وأيضاً عين عيسى التي تبعد عن الرقة 60 كيلومتراً، وفقاً لأحد تقارير صحيفة «ليبيراسيون» الفرنسية.

لا شكّ أنّ معركة الرقة هي الأساس في عملية إعادة توزيع «داعش» مقاتليه على جبهات القتال المشتعلة. لكن المؤشرات الأولية تشير إلى عدم اقتراب موعد هذه المعركة. وحتى ذلك الحين، سيعمل الجيش السوري والقوات الرديفة على توسيع نطاق السيطرة في محيط المواقع الحيوية في تدمر، وتثبيت خطوط تماس جديدة وفعّالة للدفاع عن مدينة حمص، مفصل الجغرافيا السورية.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى