أصدقاؤنا الروس مرة أخرى: أين أنتم من أسواقنا ومن اقتصادنا؟
د. سمير صارم
قبل نحو عامين نشرت مقالة تحمل ذات العنوان الذي اخترته لهذه المادة، وكتبت ما كتبت يومها بحرقة، لأنّ بعض من نعتبرهم ولا نزال أصدقاء لنا، قصّروا كما أرى في دعم بلدي سورية، ولم يقدّموا ما يمكن أن يقدّمونه لنا على الصعيد الاقتصادي، وقلت من خلال تلك المقالة… صحيح أنّ في دعم روسيا لسورية اقتصادياً مصلحة سورية كذلك فيه مصلحة لروسيا، وتساءلت يومها: لماذا لم نسمع عن مؤتمر اقتصادي سوري ـ روسي أو بمشاركة دول «بريكس» لدعم الاقتصاد السوري؟
اليوم… وبعد عامين على ذلك الكلام لا أزال أنتظر أن أسمع بدعم اقتصادي روسي يناسب الأزمة، ويساعد في صدّ الحرب الاقتصادية التي يشنّها أعداء الشعب السوري على هذا الشعب وحياته المعيشية واقتصاده الذي يقاوم منفرداً، إلا من الدعم الإيراني – والذي يمكن أن يكون أكثر أيضاً – كلّ الضغوط والحصار والعقوبات!
بالطبع أكتب أو أكرّر اليوم كتابة مثل هذا الكلام لروسيا لأنني أعتبرها دولة صديقة، وفي الصداقة معنى الوفاء الذي لا نطلبه من غيرها، ويمكن اعتبار ما أكتبه من قبيل عتاب الأحبة!
فماذا قلت بالأمس وماذا يمكن أن أقول اليوم؟
قلت وأكرّر القول:
إنّ علاقاتنا بروسيا علاقة مصالح ومبادئ في آن معاً… بل وعلاقة صداقة أيضاً، ويحق لنا بين الحين والآخر تقييم هذه العلاقة بما حققته من مصالح للطرفين، وبما خدمت به المبادئ، وسأسمح لنفسي كمواطن سوري أن أتوقف عند بعض جوانب هذه العلاقة وأسأل عما قدمته روسيا لبلدي في أزمته، وأسألكم يا أصدقاءنا الروس:
ـ ماذا قدمتم لبلدي على الصعيد الاقتصادي؟ وماذا يمكن أن تقدّمونه للانتصار على الأزمة وتداعياتها الاقتصادية والمعاشية؟ وإذا أردتم أن أكون أكثر تحديداً، أسأل: ماذا قدّمتم على صعيد إعادة الإعمار مثلاً؟
وأسمح لنفسي بالتذكير بأنّ ما قدّمته سورية بمواقفها السياسية وإجهاض المخططات الأميركية ـ الصهيونية في المنطقة هيأ لروسيا أن تعود لتكون دولة ذات حضور سياسي وعسكري عالمي، وقطباً فاعلاً في عالم اليوم.
لكن… ولكي نستطيع الاستمرار في هذا لا بدّ من دعم روسي أكثر لإفشال المؤامرة على سورية التي تستهدف أيضاً إضعاف الاقتصاد السوري الذي بات هدفاً واضحاً لأعدائها، وخلق شرخ بين المواطن والدولة لشعوره بأنها لا تلبّي احتياجاته! لذلك مطلوب دعم روسي يتجاوز الفيتو في مجلس الأمن وأكثر من بيعنا السلاح.
إنّ سورية التي تعاني نتائج حصار وعقوبات اقتصادية وتخريب البنية التحتية وسرقة المعامل وإحراق المحاصيل وضرب خطوط الطاقة ومراكزها، وتدهور سعر صرف عملتها بحاجة أيضاً إلى دعم اقتصادي، وروسيا قادرة على الفعل في هذا الاتجاه، ودون أن يؤثر ذلك على اقتصادها ومواطنها.
لقد سبق وزارت وفود حكومية عديدة روسيا، وتمّ توقيع اتفاقيات علّقنا عليها في وقتها بكلّ إيجابية، واعتقدنا أننا صرنا أكثر اطمئناناً على اقتصادنا وعلى القدرة الشرائية لدخولنا، لكننا لم نلحظ أيّ انعكاس إيجابي لهذه الاتفاقيات على أسواقنا بوفرة السلع الرخيصة المنافسة، وبمنتجات الطاقة لنتخلص من أزماتها، وبسعر صرف ليرتنا لتصمد أكثر في وجه المتلاعبين والمضاربين الذين يساهمون بأفعالهم بتخريب اقتصاد الوطن!
وإذا رجعت إلى مثال إعادة الإعمار أسأل: لماذا لم نسمع صوتاً روسياً يتحدّث عن استعداد روسيا لدعم سورية في إعادة الإعمار؟
وإذا تخطيت هذا المثال أسأل: لماذا لم تكن هناك دعوات وتسهيلات خاصة لرجال أعمال سوريين للاستثمار في روسيا، وتزويد السوق السورية بمنتجاتهم، بدل الاستثمار في دول لها مواقف مناهضة للدولة السورية ولتطلعات الشعب السوري؟
ولماذا لا نجد السلع الروسية في أسواقنا تباع بأسعار منافسة؟ ولماذا لا يكون قمحنا وطحيننا من روسيا الغنية بالحبوب؟ ولماذا لم نسمع بمشاريع روسية لدعم مشاريع الطاقة في سورية؟ بل لبناء مثل هذه المشاريع وغيرها؟
ولماذا نستورد بعض احتياجاتنا من مشتقات الطاقة من دول في أميركا اللاتينية وليس من روسيا؟ ولماذا لا يتمّ إيداع بعض المليارات من الدولارات في المركزي السوري لدعم سعر صرف الليرة السورية والحدّ من التلاعب بها والتأثير عليها؟
وأين الوفود الاقتصادية الروسية التي أفترض أنه كان يجب أن تتقاطر إلى سورية لبحث احتياجات السوق السورية والدعم الاقتصادي؟!
وأين دول «بريكس»… ولماذا لم تعقد مؤتمراً خاصاً بسورية لدعم اقتصادها وتمكينه من مواجهة العقوبات وتلبية احتياجات الشعب السوري؟
ولماذا؟ ولماذا..؟!
أسئلة عديدة تضغط على الذهن، وتكبر علامات الاستفهام دون أن أجد لها جواباً مقنعاً كمواطن سوري يعتز بالصداقة والعلاقة مع روسيا!
لكن هل من أحد يفسّر غياب الدعم الاقتصادي اللازم لسورية في هذه المرحلة والمراحل المقبلة؟ وأختم بالقول: روسيا بحاجة إلى انتصار سورية… وسأنتظر جواباً عملياً على ما كتبت وما قرأتم!