«نداء 25 حزيران»

في منطقةٍ تقف على حافةِ المصائر التاريخية بين احتمالات التفكُّك والفوضى وتختبر شعوبها الحياةَ والموتَ في وقتٍ واحد يصمد لبنان على الخطّ الفاصل بين زمَنين واحد للأمل وآخر لخيبة الأمل. فالاستقرار النسبي وعدم الخروج عن المبادئ الوطنية التأسيسية ووثيقة الوفاق الوطني يحييان الأمل بالحفاظ على الكيان والصيغة والنظام وسط عواصف الجوار فيما الشلل وتدمير المؤسسات الدستورية وإعاقة الإنتاج وممارسة ترف الرقص السياسي فوق البركان عوامل تضاعف الخشية والخيبة من القضاء على المستقبل.

لأنّ على السياسة أن تكون معنيةً بالحفاظ على الوجود في الحاضر من أجل ضمان التطوّر والاستمرار في المستقبل، ولأنّ الاقتصاد ليس إلاّ جوهر السياسة وعلى السياسة أن تكون في خدمة الاقتصاد ومصالح المواطنين في عيشهم وكرامتهم، ولأن لا قيمة لسياسةٍ تقتصر على لعبة الصراع على السلطة ولا تدور حول الإنتاج وقوى الإنتاج، ولأن لا سلطة تقوم بمعزل عن الناس وبالانفصال عن همومهم واهتماماتهم أو على أنقاض الدولة والنظام العام، ولأنّ الدولة استحالت شبحاً معطَّلاَ ومعطِّلاً قرارها موزَّع بين الداخل والخارج ومؤسساتها معلّقة على العجز الداخلي وانتظار المعجزة الخارجية، ولأنّ الدولة هي الإطار الضامن للمجتمع الحرّ والمزدهِر والمتعدِّد وهي إطار العيش سويّاً، ولأنّ المناعة الوحيدة أمام التحوّلات هي إرادة العيش تحت سقف الدولة الواحدة، ولأنّ العجز السياسي يؤدّي إلى زيادة العجز المالي والعجز عن مكافحة البطالة والهجرة والعجز عن البقاء في العصر، وكي لا يفوتنا المؤجَّل في النمو والإعمار والقروض والقرارات، وكي لا يصبح لبنان مقرّاً للنازحين ومستقَرّاً للاجئين ومنطلقاً لتصدير الكفاءات وعموم اللبنانيين، لهذا كلُّه فإنّ قوى الانتاج عمالاً وأصحاب عمل ونقابات مهن حرّة وهيئات المجتمع المدني التقت للتحذير من تحوّل الفراغ الموقت إلى مأزق دائم يقضي على كلِّ أمل بالنهوض الاقتصادي والاجتماعي والوطني.

إنّ اللبنانيين مضطرّون إلى صنعِ حقيقةٍ جامعة يصيغونها بإرادتهم السياسية والوطنية ولا تتحقق هذه الإرادة إلاّ في إطار الدولة وعن طريقها ولا تقوم الدولة ولا يستمرّ الوطن إلاّ بالدستور والمؤسسات وأوّلها رئاسة الجمهورية رمز الوحدة والسيادة والكرامة. إنّ المجتمع المنتج يدعو إلى الانتقال من الصراع حول الدولة والسلطة إلى التنافس في إطار الوطن والدولة وإلى تثبيت العيش المشترك وإلى تدعيم المصالحة بالمصلحة الاقتصادية والحياتية.

لذلك فإنّ هذه القوى مجتمعةً ترفض الرضوخ للأمر الواقع والاستسلام للتلاشي والموت البطيء، ولأنها المؤتمنة على لقمة العيش وعلى مفاصل الاقتصاد والنموّ فهي تعاهد الجميع على مقاومة سلوك النحر والانتحار والانتظار وتدعو اللبنانيين إلى مؤازرتها في الضغط لإعادة إحياء المؤسسات وفي مُقدَّمِها رئاسة الجمهورية، وبالتالي دورة الحياة الطبيعية. إن المراوَحة تعني التراجُع القاتل، فلنكمِل مسيرة الحياة ثمّ نبدأ التحسين والتطوير والتقدّم. فلنكتب تاريخنا كي لا يكتبَنا التاريخ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى