«الحزام المتصدّع» وكسر خطوط التماسّ في سورية
عامر نعيم الياس
هجمات شاملة شنّتها الميليشيات الإسلامية المتطرّفة التي تقاتل على الأرض السورية. في شمال شرق البلاد هجمات على محافظة الحسكة، المدينة تحديداً من جانب تنظيم «داعش» الذي يحاول منذ أسبوعين وبشكل مستميت الدخول إلى المدينة التي تشكّل مرتكزاً لنفوذ الدولة السورية في المنطقة الشرقية، إلى جانب جزء من مدينة دير الزور، تلك الأخيرة التي تبقى مثار جدلٍ حول موازين القوى فيها في ضوء التغيّرات الجديدة في المشهد في هذه النقطة من البلاد مع تقدم وحدات الأكراد العسكرية المتعاملة مع واشنطن في شمال البلاد واقترابها من مدينة الرقة «عاصمة داعش»، مع ما يفرزه ذلك من احتمالات بإعادة انتشار الإرهابيين التابعين للتنظيم الإرهابي والتمترس دفاعاً عن الرقة، لكن هل من الممكن أن تشمل عملية سحب التنظيم لبعض من أفراده مدينة دير الزور؟ الأرجح لا يمكن له ذلك، فالمدينة مرتبطة عضوياً بالجانب الآخر من الحدود العراقية ولا يمكن أن يفرّط بها التنظيم بهذه السهولة.
في جنوب البلاد وقبل التعريج على وسطها بدأت التنظيمات الإرهابية المنضوية تحت مسمى «الجيش الحر»، وغيرها من القوى الإسلامية المتطرفة عملية «عاصفة الجنوب» التي تهدف في مرحلتها الأولى إلى السيطرة على مدينة درعا وإخراج الجيش السوري نهائياً منها، وإجباره على التراجع في خطوطه الدفاعية عن العاصمة دمشق وأحيائها الجنوبية إلى مدينة الكسوة، وبالتالي تهديد العاصمة دمشق بشكل لم يسبق له مثيل، وهو ما يعني تلقائياً انهيار الهدن المبرمة في عدد من أحياء جنوب العاصمة، وتكثيف الضغط على الدولة من زاوية الجنوب، من دون أن نغفل الدور «الإسرائيلي» عبر «النصرة» في محافظة القنيطرة، ومحاولة تشتيت جهد الحامية السورية المدافعة عن جنوب البلاد.
في حلب هي الأخرى، شهدنا في الآونة الأخيرة هجمةً غير مسبوقة للسيطرة على المدينة في جزئها الغربي، والذي يشكّل القاعدة الأهم للجيش العربي السوري في العاصمة الثانية للبلاد، وقد ووكبت هذه الهجمة بتغطية إعلامية غير مسبوقة وإشاعات مركزة حول سيطرة التنظيمات المتطرفة على بعض أحياء المدينة، إنما تمَّ امتصاص الهجوم، ونجح الجيش السوري والقوات الرديفة وحتى الإعلام السوري في دحض كل المخططات الخاصة بالعاصمة الاقتصادية.
حلب، ودرعا، والقنيطرة، يضاف إليها الريف الشرقي لمدينة حمص، وريف حماة الشمالي، بما يؤثر على طريق حمص ـ دمشق ويرفع منسوب القلق في محيطه، جملة من الأمور تلتقي عند التصعيد المبرمج، واتفاق الرعاة الإقليميين المتعددين من الأردن والكيان الصهيوني والسعودية في الجنوب، إلى تركيا وبعض الخليج في الشمال، على تغيير خطوط التماس، وإجبار الجيش السوري على التراجع على خلفية نجاح الجيش السوري والقوات الرديفة في أكثر من منطقة في الآونة الأخيرة، تراجعٌ عن خطوط التماس الحيوية في المناطق التي تتميز بالتالي:
ـ كونها ساحة اشتباك وتقاسم نفوذ بين الجيش السوري والمجموعات الإرهابية، من حلب المقسّمة بالتساوي، إلى دير الزور التي تتواجد بعض وحدات النخبة من الجيش في بعض أحيائها المحاصرة بدورها من تنظيم «داعش»، مروراً بالمنطقة الجنوبية التي تشكّل التهيديد الأكبر لدمشق، والتي تشهد تواجداً له وزنه لكلٍ من «النصرة» والمجموعات الأخرى المرتبطة بالاستخبارات الأردنية والمحسوبة بشكلٍ أو بآخر على «المعتدلين».
ـ البيئة الحاضنة، كون هذه المناطق جميعها، باستثناء مدينتي حلب والحسكة، كانت ولا تزال ترفد الجهد التخريبي الذي ألمَّ بالبلاد.
ـ استغلال الوضعية الدفاعية للجيش السوري، واستكمال معركة تحطيم المعنويات، وجعل «سورية المفيدة» أمراً واقعاً أكثر فأكثر.
ـ تجميد مشاريع استنزاف الميليشيات الإرهابية في المناطق التي تشكّل بيئة حاضنة للدولة السورية، والاستعاضة عنها بالمناطق المخترقة المتعاملة مع دول جوار سورية، وهذا ما نراه اليوم بشكل واضح من خلال تجميد الهجوم على السويداء، والاستعاضة عنه بالهجوم على القنيطرة، وخطة السيطرة بشكل نهائي على مدينة درعا.
يصطلح على المناطق التي تمّ ذكر مميزاتها في ما سبق «الحزام المتصدّع» وفقاً لعددٍ من مراكز الأبحاث الأميركية، وهو اليوم في عين العاصفة، فالخطورة بالنسبة إلى واشنطن تكمن في نجاح الجيش السوري في عملية ضبط الاستقرار، واستغلاله التطورات الميدانية الأخيرة للتقدم في بعض المناطق. هي معركةٌ أخرى تشمل طول البلاد وعرضها لا يتوقع لها أن تحقق كلّ أهدافها، فالحرب سجال، وعوامل الانتشار وكلف التمركز والبيئة الحاضنة والحدود ستبقى تلعب دورها على المدى المنظور في رسم خطوط التماس، بينما الحزام المتصدّع هو حزام صمود سورية ووجودها.
كاتب ومترجم سوري