الثورة الفرنسية: الضحية الثانية لآل روتشيلد
بعد أن أمسك «النورانيون» بعنق بريطانيا ودانت لهم بفعل وطأة الديون التي أشرنا إليها في الحلقة السابقة، قرّر هؤلاء المتآمرون أن ساعة انهيار الملكية الفرنسية قد أزفت وأن أوان وضع اليد على مقدراتها قد دنا. لذلك وضعوا خططاً دقيقة وخبيثة استطاعوا بفضلها الإمساك بالمالية الفرنسية العامة وبمكامن أساسية في السلطة وهذا ما سنبينه في حلقة اليوم.
بعد أن تمكن «النورانيون» من إنكلترا وسيطروا على اقتصادها وبنكها المركزي، جاء دور فرنسا التي قرر هؤلاء إسقاطها عبر التغلغل في المحافل الماسونية الأوروبية وتوظيفها في عملية الثورة على الملك لويس السادس عشر.
«الثورة الفرنسية» 1789
التخطيط للثورة:
قرر «النورانيون اتخاذ محفل الشرق الأكبر في مدينة إنغولد شتات مركزاً لانطلاق حملة تغلغل المنظمة في قلب الماسونية الأوروبية، لاتخاذها قاعدة أساسية للخلايا الخفية التي ستقوم بتنظيم المحافل الماسونية في كل مكان، ومن ثم تقوم هذه المحافل بتنفيذ الخطوة تحت شعار الأعمال الإنسانية والحفلات الاجتماعية وما ماثل ذلك. الغريب في الأمر أنهم ما زالوا يتبعون الأسلوب ذاته حتى اليوم . وبعد أن تتم خطوة التغلغل في الماسونية الأوروبية تقوم الخلايا النورانية في محافل الشرق الأكبر في أوروبا بالاتصال والاحتكاك بذوي النفوذ والثروات من غير اليهود، والذين لهم علاقة مع الكنيسة والدولة، ثم يجرى إخضاع هؤلاء، بمشيئتهم أو قسراً، لـ»النورانية» عن طريق الرشوة أو الفساد أو غيرهما.
بعد أن جرى تبني هذه الخطة، رأى «النورانيون» أن خير مَنْ يجب الاتصال به هو المركيز ميرايو، لما يتمتع به من ميزات جعلته أكثر الأشخاص في فرنسا ملاءمة لخدمة أغراضهم.
كان ميرايو ينتمي إلى طبقة النبلاء، ويتمتع بنفوذ كبير في القصر الملكي. كما كان صديقاً حميماً للدوق الذي اختاره «النورانيون» ليكون الواجهة الظاهرة للثورة الفرنسية. أما لماذا جرى التركيز على جذب ميرايو، فهو إضافة إلى موقعه المشار إليه ثمة بُعْد في شخصيته جعل «النورانيون» يركزون عليه وهو أن ميرايو كان مجرداً من الأخلاق وكانت حياته مليئة بالفواحش، ما جعله يرزح تحت الديون الباهظة. واعتبر «النورانيون» أن في ذلك ثغرة تسمح لهم بتوظيف ميرايو في مخططاتهم عبر مدّه بالمال وتشجيعه على الفساد الأخلاقي.
كان سهلاً على المرابين اليهود من «النورانيين» جعل عملائهم يتصلون بميرايو، الخطيب الفرنسي الشهير. وتحت ستار الإعجاب بالمواهب الخطابية لديه، كانوا يعرضون عليه مساعدتهم المالية لإنقاذه من ضائقته المالية، لكن ما كانوا يقومون به في الحقيقة هو دفعه أكثر للانغماس في الرذيلة والإباحية، حيث انتهى به الأمر إلى أن يكون مديناً لهم بمبالغ طائلة جعلته تحت رحمتهم.
وفي اجتماع عُقد لتوثيق ديون ميرايو تم تعريفه إلى الممول اليهودي موسى مندلسوهن الذي وضعه تحت رعايته وتولى تعريفه إلى امرأة يهودية حسناء، اشتهرت بجمالها وسحرها كما اشتهرت بتجرّدها من أي وازع أخلاقي. وهكذا يكون ميرايو قد أطبق عليه الفخ اليهودي.
كانت الخطوة التالية إدخاله إلى «النورانية» الماسونية وكان عليه أن يقسم أغلظ الإيمان للمحافظة على السرية والطاعة تحت طائلة التهديد بالقتل كان اليهود كالصياد الماهر، لم يضيّقوا الخناق عليه، لأنهم لو فعلوا وهو تحت عبء ديونهم فقط لكانت السمكة قد أفلتت من الصنارة وهربت . لذلك، جاءت الخطوة الثانية بإدخاله إلى «النورانية» الماسونية ، وكان عليه أن يقسم أغلظ الإيمان للمحافظة على السرية والطاعة تحت طائلة التهديد بالقتل.
جاء بعد مرحلة إدخاله في الماسونية، أن جرى زجّه في مواقف ذات أبعاد فضائحية كُشفت للجمهور بصورة غامضة. وقد سُمّي هذا الأسلوب بـ»الفضيحة أو التلطيخ أو التشهير». وكان نتيجة ذلك أن تنكر زملاء ميرايو من طبقته الاجتماعية له، ما جعله يمتلئ حقداً عليهم النبلاء ودفعه للانتقام الذي نفذه بعد اقتناعه بمبادئ «القضية الثورية».
كان الدور الذي أعدّه رؤوس المؤامرة من اليهود لميرايو هو أن يقنع ويفري، دوق أورليان، بأن يكون هو قائد الثورة الفرنسية، وبالتالي فإن رؤوس المؤامرة تسمح لدوق أورليان بأن ينصب نفسه حاكماً ديمقراطياً على العرش. وقد تجنّب رؤوس المؤامرة إعلام كل من ميرايو ودوق أورليان بنيّتهم إعدام الملك لويس السادس عشر والملكة ماري أنطوانيت وألوف النبلاء. ولإبعاد ذلك عنهم، أقنعوهما بأن الغاية من الثورة هي تطهير السياسة والدين من الخرافات والطغيان.
مال «النورانيون» رؤوس المؤامرة إلى اختيار دوق أورليان واجهة للثورة لأنه كان السيد الأعظم للماسونية في فرنسا الماسونية الحرة .
عَهَدَ رؤوس المؤامرة إلى آدم وايزهاوبت مهمة تنسيق الطقوس والشعائر النورانية لاستعمالها في محافل الشرق الأكبر الماسونية. قام ميرايو بتعريف الدوق أورليان وصديقه تاليران إلى وايزهاوبت الذي تولى مهمة تعريفهما إلى أسرار محافل الشرق الأكبر الماسونية. وقام فيليب، دوق أورليان، بإدخال طقوس الماسونية الجديدة ماسونية الشرق الأكبر إلى الماسونية الفرنسية الحرة.
لم يأتِ عام 1789، عام الثورة، إلاّ وقد أُسس في فرنسا أكثر من مئة ألف محفل تابعة لماسونية الشرق الأكبر الماسونية اليهودية . وتضم هذه المحافل أكثر من مئة ألف عضو.
هكذا تمكنت النورانية – الماسونية اليهودية – بإشراف موسى مندلسوهن من النفاد إلى قلب الماسونية الأوروبية الحرة على يد آدم وايزهاوبت… حيث قام النورانيون بعد ذلك بتشكيل لجان ثورية سرية داخل المحافل الماسونية. وهكذا تأسست القاعدة الصلبة للحركة الثورية في فرنسا من التشكيلات التابعة للمحافل.
بعد أن نجح ميرايو في حمل دوق أورليان على دمج الماسونية الوطنية الفرنسية المعروفة بـ»الماسونية الزرقاء» بمحافل الشرق الأكبر النورانية اليهودية أخذ يدفع بصديقه دوق أورليان لينزلق في الرذيلة والفجور، تماماً كما فعل هو. لم تمضِ على ذلك أكثر من أربع سنوات حتى ناء كاهل دوق أورليان بالديون الباهظة، إذ لم يعد أمامه إلا ولوج طريق التهريب والتجارة المحرّمة. وكانت دائماً مغامراته هذه تبوء بالفشل وتُكشف على الملأ بصورة غامضة عبر اليهود أنفسهم .
عام 1780 بلغت ديون دوق أورليان 800.000 ليرة فرنسية. بعد ذلك تظاهر المرابون اليهود من رؤوس المؤامرة بأنهم يمدون له يد العون، ما اضطره إلى رهن جميع ممتلكاته وأراضيه وقصوره بما فيها القصر الملكي، وكل ذلك ضماناً لدَين هؤلاء المرابين اليهود.
لم يكن دوق أورليان ألمعياً في الشؤون المالية، فقد اعتبر نفسه وهو يوقّع العقد مع الصيارفة اليهود أن العقد لمصلحته. فقد أقنعه هؤلاء الصيارفة بأنهم مقابل إدارة ممتلكاته المرهونة لحسابهم يحوّلون عجزه المالي إلى نجاح. وهو، في الواقع، لم يكن يشك بأنه قد باع نفسه للشيطان جسداً وروحاً، وقد أصبح في قبضة أيدي العملاء بكلّيته 1 .
عيّنت القوى الخفية يهودياً من أصل إسباني للإشراف على أملاك دوق أورليان وعلى قصره الملكي الباليه رويال . كان اسم ذلك المشرف اليهودي شودرلوس دي لاكلوس. كان لاكلوس رجلاً فضائحياً إلى حد كبير، لذلك فقد حوّل قصر الباليه رويال إلى دار للتهتك والرذائل.
وهكذا أصبح الباليه رويال المركز الذي تُصمّم فيه وتُنفّذ تفاصيل الحملة الهادفة إلى تحطيم المعتقدات الدينية والأخلاق العامة في فرنسا. ص 115.
لم يكن اليهودي الإسباني شودرلوس دي لاكلوس وحيداً في مهمته، بل كان له شريك يهودي آخر يُدعى غاغليو سترو، الشهير بـ»جوزيف بالسامو»، الذي حوّل أحد منازل دوق أورليان إلى مركز لطباعة المنشورات «الثورية». كما قام بتنظيم لجنة الإعلاميين الثوريين المحرضين، الذين كانت مهمتهم، إلى جانب نشر «الأدب الثوري»، تنظيم الحفلات الموسيقية والمسرحيات والاجتماعات الخطابية للمناقشة. وكان الهدف من كل ذلك إثارة المشاعر لدى الجماهير والتمهيد للثورة. كما نظّم بالسامو حلقة من الجواسيس الذين بثّهم في كل مكان لكي ينقلوا معلومات الفضائح إلى أسيادهم من رجال القوى الخفية لتوظيفها في قضايا التشهير المنظَّمة التي كانوا يتناولون فيها الشخصيات الاجتماعية المعروفة.
هكذا تحوّلت ممتلكات دوق أورليان إلى مركز لتدبير «الثورة»، وتغلغلت الخلايا في قاعات الاجتماعات والمسارح والمعارض الفنية والنوادي الرياضية. فلم تلبث أن قلبتها جميعها، مع الاحتفاظ بالستار الظاهري، إلى قاعات للمقامرة ومنازل للدعارة وحانات لتعاطي الخمور والمخدرات.
كان زعماء الثورة المُنتظَرون محاطين بهذا الجو الموبوء، حيث تتعطل ضمائرهم بالارتباطات الشريرة، ثم يُقضى عليهم إلى الأبد، وذلك بتشجيعهم على الانغماس في أعمال الشر والرذيلة. كتب سكادر في كتابه «أمير الدم» في معرض حديثه عن الباليه رويال: «لقد كان هذا القصر يشغل رجال الشرطة أكثر مما تشغلهم بقية المناطق في باريس كلها مجتمعةً». ص 111.
بالنسبة إلى الشعب الفرنسي، لم يكن الباليه رويال سوى المقر الرسمي لدوق أورليان ابن عم الملك لويس السادس عشر. حفنة صغيرة من الرجال والنساء كانوا يدركون سيطرة المرابين اليهود عليه، وأنهم يستعملونه كغطاء لمنظمة سرّية ثورية، تكون وسيلة انتقامهم ومضيّهم في مخططاتهم السرية.
كانت الشرطة البافارية، التي عثرت مع الفارس المقتول على الوثائق التي تتضمن كيفية السيطرة على العالم الوثائق التي عُرفت ببروتوكولات حكماء صهيون ، قد حوّلتها إلى الحكومة البافارية، التي قامت بدورها وأخطرت بها كلاً من فرنسا وإنكلترا والنمسا وبولندا وألمانيا وروسيا، لكن أياً من هذه الحكومات لم تتخذ الإجراءات الكافية والجدية إزاء هذه الوثائق الخطيرة، التي عُزّزت بوثائق إضافية عثرت عليها الحكومة البافارية بعد اكتشاف الوثائق الأولى حينما داهمت مركز «النورانيين» في بافاريا.
السؤال: لماذا لم تبادر تلك الحكومات إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة حيال هذه الوثائق؟ الجواب هو أن نفوذ الرجال الذين يقفون وراء الحركة الثورية العالمية كان أكبر منه لدى الحكومات المنتخبة.
لقد أفاد رموز المؤامرة من طيبة الناس وسذاجتهم وغفلتهم فاستطاعوا تسخيف الوثائق بحيث نُظر إليها على أنها لا تشكل مصدر خطر كبيراً.
سنأتي على ذكر بعض الأمثلة:
أرسلت شقيقة ملكة فرنسا، ماري أنطوانيت، عدداً من الرسائل إلى شقيقتها الملكة تنبّهها فيها إلى وجود مخطط المؤامرة واشتراك أصحاب المصارف العالميين فيها، كذلك نبّهت إلى الدور الذي ستلعبه المحافل الماسونية الحرة في فرنسا. ولكن الملكة ماري أنطوانيت 1755-1793 ، ابنة الإمبراطور فرنسيس الأول، إمبراطور النمسا، وزوجة الملك لويس السادس عشر، ملك فرنسا، لم تصدّق هذه الأشياء المخفية. ردّت ماري أنطوانيت على رسائل شقيقتها برسائل مطوّلة. وردّاً منها على تحذير شقيقتها من أن «النورانيين» في فرنسا يعملون تحت ستار الماسونية الخيرية لتدمير الدولة والكنيسة، أرسلت ماري أنطوانيت إلى شقيقتها تقول: «أما في ما يتعلق بفرنسا، فأعتقد أن قلقك مبالغ فيه بشأن الماسونية، فهي أقل أهمية منها في أي مكان آخر في أوروبا». ص 113.
يعتقد معظم دارسي التاريخ بأن الملكة ماري أنطوانيت كانت امرأة لعوباً، انساقت وراء تيار المرح والملذات الذي كان يسود البلاط الفرنسي. كما كانوا يتحدثون عن قضايا غرامية كثيرة ينسبونها إليها… والواقع أن صورة ماري أنطوانيت تلك لم تكن إلا الصورة التي رسمها اليهودي بالسامو وزملاؤه في نطاق حملة التشهير التي شنّوها عليها، وساعدهم في نجاحهم لترسيخ صورتها تلك في عقول الجماهير أن هبّت الجماهير بعد أربع سنوات على قيام «الثورة» تطالب بقطع رأسها، الأمر الذي حصل فعلاً.
في هذا السياق، لا بد من إلقاء الضوء على التدخلات غير الفرنسية في مجريات الثورة والتحضير لها في فرنسا، إذ لم يكن اليهود في بريطانيا بعيدين من ذلك بل كانوا في صلب المؤامرة. وثمة برهان قاطع على ارتباط المرابين اليهود في إنكلترا بالمؤامرات التي أدت إلى قيام الثورة الفرنسية. نبشت هذا البرهان الليدي كوينز بورو، مؤلفة كتاب «الكهنوت الشيطاني» Occult Theocrasy. وقد تم لها ذلك خلال أبحاثها عندما عثرت على مطبوعة قديمة اسمها «العداء للسامية» كتبها عام 1849 اليهودي برنار لازار. استنتجت الليدي كوينز بورو من المعلومات الواردة في الكتاب أن بنيامين غولدشمير وأخاه أبراهام وشريكهما موسى ميكانا وابن أخيه السير موسى مونتغيور، هؤلاء جميعاً كانوا من المتمولين اليهود في إنكلترا، وكانوا مرتبطين بإخوانهم اليهود في أوروبا وعاملين معهم على إشعال الثورة الفرنسية.
وقد وُجدت براهين أخرى أثبتت علاقة دانيال إيتشينغ Daniel Itsing من برلين، وصهره دافيد فزيدلاندر وهيزغريبير من الإلزاس بروتشيلد وبالمؤامرة. هكذا ينكشف لنا القناع عن الأشخاص الذين كانوا في ذلك الوقت القوة الخفية وراء الحركة الثورية العالمية.
إذن، ما هي أسماء أصحاب القوة الخفية التي أشعلت الثورة العالمية:
ماير أمِشل روتشيلد
آدم وايزهاوبت
موسى مندلسوهن
شودرلوس دي لاكلوس
غاغليو سترو جوزف بالسامو
برنار لازار
بنيامين غولدشمير ـــــ بريطانيا
أبراهام غولدشمير ــــ بريطانيا
موسى ميكانا ــــ بريطانيا
موسى ونتغيور ــــ بريطانيا
دانيال إيتشينغ ــــ برلين
دافيد فزيدلاندر ــــ برلين
هيز غريبير ــــ الإلزاس 2
ومن الأهمية بمكان دراسة الوسائل التي استعملها هؤلاء المرابون اليهود لإيقاع الحكومة في عجز مالي، فالوسائل ذاتها استعملت في ما بعد في أميركا وروسيا وإسبانيا والبلدان الأخرى.
لقد أعطى الكاتب البريطاني السير والتر سكوت في كتابه «حياة نابوليون» المجلد الثاني صورة عن طريقة السيطرة التي اتبعها المرابون اليهود في فرنسا، فقال: «لقد عامل هؤلاء الممولون المرابون اليهود الحكومة الفرنسية كما يعامل المرابون المسرف المتلاف المفلس، فهم يقرضونه المال اللازم لبذخه وإسرافه بيدٍ ليعتصروا باليد الأخرى بقايا الثروات التي تذهب لفوائد سديدة غير المعقولة، وهكذا تتالت سلسلة طويلة من قروض هؤلاء المرابين الهدّامة تعقبها حقوق وامتيازات مختلفة حصلوا عليها، ضمانة لاستيفاء ديونهم، وبذلك أصاب الارتباك مالية الدولة الفرنسية» 3 .
بعد أن بلغت أوضاع الحكومة الفرنسية درجة كبيرة من السوء وجدت نفسها مُجبَرة على طلب قروض جديدة لتمويل مشاريعها الحربية التي جُرَّت إليها من قبل جماعة المؤامرة. وتلطّف المرابون وعرضوا على الحكومة الفرنسية تقديم القرض اللازم، شرط أن يتولوا هم كتابة عقد اتفاقية القرض. وكانت الشروط التي قدموها في الظاهر ليّنة ومتسامحة، لكنهم مرة أخرى تمكنوا من إدخال الثعبان إلى الغرفة، أي إدخال مندوبهم إلى الحكومة الفرنسية. ولم يكن ذلك المندوب إلا السيد نيكر Necker الذي طلب الممولون، لقاء تقديمهم القرض، أن يُعيّن وزيراً للشؤون المالية لدى المجلس الاستشاري للملك. وادعى اليهود أن نيكر، وهو المالي الساحر، سيتمكن من انتشال فرنسا من مصاعبها المالية في وقت لا يُذكر… لكن ما حدث في السنوات الأربع التالية أن نيكر ساهم في توريط الحكومة الفرنسية مع الممولين اليهود بأسوأ شكل. حتى أن قيمة القرض الوطني بلغت 170 مليون جنيه استرليني.
وصف أـــ رامزي هذا الوضع وصفاً دقيقاً في كتابه «حرب من دون اسم»، قائلاً: «الثورة هي ضربة موجهة إلى جسم مشلول. عندما تشتد قبضة الديون يسيطر الدائنون على مختلف مرافق الإعلام والنشاطات السياسية، مع تشديد القبضة على الصناعة الإدارة والعمال في الوقت نفسه. وهكذا يصبح المسرح مُعداً لضربة الثورة. تتولى اليد اليمنى، التي هي يد التمويل، بث الشلل في الجسم، بينما تمسك اليد اليسرى، التي هي يد الثورة، بالخنجر وتهوي على الضحية بالضربة القاضية، ويتولى الفساد الخلفي تسهيل العملية وتمهيد الطريق لها».
بينما كانت منشورات بالسامو الدعائية تستنزل اللعنات على رؤوس رجال الكنيسة والدولة كان عملاء المؤامرة ينظمون ويدربون الأشخاص الذين تقرر جعلهم زعماء حكم الإرهاب الذي سيتلو انهيار الملكية. وكان بين هؤلاء الزعماء: روبسبيير، دانتون ومارا. وكان الرجال المنتقون للهجوم على الباستيل، وإطلاق صراح السجناء والمعتوهين لخلق الجو الضروري الذي سيؤدي إلى حكم الإرهاب المصمم والمعدّ سلفاً، يلتقون في دير اليعاقبة. وهكذا رُسمت تفاصيل الخطط الدموية بين جدران ذلك المبنى المقدس، وهناك وضعت القوائم بأسماء الرجعيين من النبلاء وأنصار الملك الذين تجب تصفيتهم. وتقرّر أن ينطلق المجرمون والمجانين الذين أُطلق صراحهم، فيعملون الذبح والتقتيل والاغتصاب العلني بين جماهير الشعب، في الوقت الذي تقوم فيه عناصر الخلايا السرية بإدارة مانويل، مدعي عام كومونة باريس حكومة باريس الثورية المقبلة ، بتجميع الشخصيات السياسية الكبيرة ورؤوس الإكليروس والضباط المعروفين بولائهم للملك.
وهكذا تم تشكيل الرجال الثوريين المنبثقين عن الشيكات اليهودية السرية في نوادي اليعاقبة للتدريب. وكان هؤلاء يعملون تحت أمرة قادتهم المدربين والمتمرسين لتوجيه الحكم الإرهابي، إذ كانوا مطالَبين بقيادة المجازر الجماعية وأعمال العدوان لخدمة أهداف أسيادهم السريين والدفع بالمؤامرة خطوة إلى الأمام في اتجاه هدفها البعيد. ص 117.
هوامش
1 – استعمل العملاء النورانيون تلك الخطة نفسها حين ورّطوا وليم بت في الديون واضطروه إلى الاستقالة من رئاسة الوزراء في إنكلترا. كل ذلك لأنه كان يرفض بعناد الدخول في الحروب التي خطط لها المرابون العالميون. وكانت لدى بت الكثير من المعلومات عن بارونات المال خلال عمله وزيراً للخزينة عام 1785.
2 – أُرجّح شخصياً أن يكون هؤلاء الاثنا عشر يهودياً، إضافة إلى أمِشل ماير، هم من اجتمع بهم ماير لإعداد أسس المؤامرة العالمية عام 1773 في فرانكفورت.
3 – ضُرب نطاق من الصمت من قبل دور النشر والمكتبات الكبرى حول كُتب السير والتر سكوت التسعة التي تتحدث عن الثورة الفرنسية، ومن العسير على الباحث أن يجد واحداً منها إلا في مكتبات المتاحف. ويهمل ناشرو كتبه ذكر أسماء هذه الكتب إلى جانب الكتب الأخرى، كل ذلك بسبب، أو بذريعة، الأقوال المعادية للسامية التي نُسبت إلى سكوت.