لا حرب داخلية في لبنان و7 أيار لم يكن قراراً محلياً
روزانا رمّال
كلّ الأحداث في لبنان تمثل اليوم أرضية مناسبة لوقوع صدام داخلي بين الفرقاء السياسيين، يكبر وينتقل الى الشارع، وهو احتمال غير بعيد عن الساحة اللبنانية التي عاشت ظروفاً مشابهة او ربما مختلفة بعض الشيء تبيّن انها كانت اقلّ خطورة من اليوم، خصوصاً في أحداث السابع من ايار الشهيرة، بغياب «داعش» وأخواتها في ذلك الحين، أيّ أنّ وقوع حرب «شوارع» في لبنان على أساس التحريض الطائفي والمذهبي أمر ليس بالمستحيل.
حزب الله الذي يقاتل في القلمون اليوم وينتصر، وبالأمس في القصيْر وقبلهما في ريف دمشق، واليوم وربما غداً في كل أنحاء سورية، هو السبب المباشر لدخول الإرهاب الى لبنان حسب خصومه المحليين والإقليميين الذين حمّلوا الحكومة اللبنانية مسؤولية عدم قدرتها على ضبط تدخل حزب الله في سورية، فتتالت الانفجارات التي خضّت المناطق اللبنانية وحصدت شهداء وجرحى أبرزها استهداف مبنى السفارة الإيرانية في بيروت وتفجيرات بأهداف مدنية وقعت في الضاحية الجنوبية لبيروت معقل حزب الله حسب الخصوم. ومع هذا لم تتمكن الفتنة المذهبية وتطرّف المواقف السياسية من أخذ البلاد نحو نفق الاقتتال الداخلي، ولم تبلغ الحالة مرحلة الوصول الى حرب مذهبية حتى الساعة.
من جهة اخرى يعاني لبنان اليوم من فراغ على كافة المستويات الدستورية، والتي تشكل أرضية جدية لبناء المستفيدين عليها والتخطيط لأخذ البلاد نحو ما لا تحمد عقباه، وسط التهم المتبادلة بتعطيل البلاد من فريقي 8 و14 آذار على حدّ سواء، فسدة الرئاسة اللبنانية فارغة، ولا مؤتمرات ولا مبادرات ولا مبعوثين دوليين حتى الساعة لا بوغدانوف ولا مبعوث فرنسي ولا فاتيكاني ولا سعودي ولا إيراني يحكي في الهمّ الرئاسي، والمجلس النيابي معطل وممدّد له، لم تجر انتخابات نيابية بل مُدّد للمجلس الحالي لولاية ثانية كاملة، أما المؤسسات العسكرية أهمّها الجيش اللبناني الذي خاض معارك مع الغرهاب في صيدا وطرابلس ونجح، وربما يكون على موعد مع معارك مقبلة في عرسال، يعيش العدّ العكسي لفراغ مقبل في قيادته او التمديد للقائد الحالي او خلاف يطول حول اسم قائد مناسب للجيش يحمي المؤسسة من المهاترات السياسية، اما على صعيد الحكومة فهي مهتزة ومهدّدة بالانهيار في كلّ لحظة تتصاعد فيها حدّة السجالات السياسية، خصوصاً تلك المعنية بالتعيينات الأمنية، ومع هذا كله لحسن الحظ لم تقع الحرب الداخلية، ولم يستغلّ اي طرف حتى الساعة الفرصة لبث الانقسام في المؤسسات الامنية او الداخل اللبناني.
ما يلفت في لبنان انه البلد الوحيد القادر ان يتحكم بالإرهاب والارهابيين، وان فيه من يتحكم بأزرار انطلاق وأزرار توقف، فبعدما دخل الإرهاب بلدة عرسال وتحديداً «جبهة النصرة» قبل عشرة اشهر تقريباً، استطاعت الدولة اللبنانية بفضل اتصالاتها الخارجية حينها من ان تبعد الإرهابيين عن البلدة الى الجرود، او تخفي مظاهرهم المسلحة بأقلّ تعديل، وفي ليلة واحدة. وللمفارقة أيضاً، هناك في لبنان أطراف قادرة ان تتحكم بالشارع ساعة تشاء وتضبط الساعة وعقاربها ايضاً متى تشاء، حتى ولو كان الأمر يتعلق بقضية إرهاب وإرهابيين، وقد أكدت قضية الفيديوات المنتشرة حول تعذيب متطرفين في سجن رومية على أيدي أمنيين من فرع المعلومات، انّ تحريك ذويهم وتسكير الطرقات وحرق الإطارات المشتعلة والتحضير لليلة شبيهة بليالي الحروب الأهلية، ولكن فجأة سحبوا من الشارع، بما يعني أنّ هناك قدرة قادر في هذا البلد تمكّنه من السيطرة على كلّ ما يجري، هذا ما لم يكن موجوداً سابقاً والسؤال لماذا؟
الجواب يحكي عنه قليلاً كلام رئيس الحكومة تمام سلام الذي صرّح مؤخراً «أنّ لبنان بخير طالما السعودية بخير والملك والمملكة باقية الى جانب لبنان واللبنانيين…»
أراد الرئيس سلام التأكيد بطريقة غير مباشرة انّ سلامة السعودية هي أحد أسباب الأمن او اللاأمن في لبنان، لكن في الواقع الأحداث كلها تشير الى أمر واحد قد لا يعني السعودية وحدها بل غيرها من الدول التي تتدخل غالباً في الشؤون اللبنانية، خصوصاً الخليجية منها، وهي انّ هذه الدول اليوم المنشغلة بأمنها وتخشى مستقبلها السياسي خصوصاً السعودية، التي لا تزال تجهل مستقبلها وحربها على اليمن مستمرّة، ليست الدولة القادرة اليوم على بدء حرب في لبنان، لأنها ليست الطرف القادر على إنهائها، وهذا يؤكد على انّ ايّ حرب أهلية في لبنان هي قرار إقليمي ودولي، لأنّ كلّ العوامل المواتية والمسهّلة لفتنة داخلية تتوفر اليوم في البلاد ربما أكثر من السابق ورغم ذلك فالحرب لم تحصل.
الفريق المسلح القوي في لبنان ايّ حزب الله لا يريد حرباً داخلية، لكنه قادر على الدخول فيها بشكل تعرف السعودية وحلفاؤها وفي المقدّمة الولايات المتحدة الاميركية أنه ينتصر وتنهزم هي في هذه الظروف المتشابكة، اما الخلاصة بثبات الأحداث والوقائع كلها هي انكشاف أنّ قرار الحرب في لبنان لم يكن يوماً لبنانياً داخلياً، ولم يكن أبدا في 7 أيار «داتا اتصالات» او غيرها، بل كان قراراً خارجياً ضمن مخططات لا تقدر الدول ذاتها اليوم على التحريض لأجلها وربما يكون انشغالها وكثرة أزماتها الخير للبنان واللبنانيين.