14 آذار: لحظة الحقيقة والاتهامات المسبقة
روزانا رمّال
ينتظر فريق 14 آذار بفارغ الصبر سقوط الدولة السورية ورئيسها بشار الأسد، التوقع «المفترض» في حساباتهم التي لم تتحقق حتى الساعة منذ خمس سنوات تقريباً، وهي الحسابات التي رسمت على أساس بدايات ومراحل محدّدة وتدرّجت لتصل الى مراحل مختلفة بعدما تغيّر كلّ ما فيها وبات لا يمكن البناء على المعطيات نفسها التي كانت موجودة منذ بداية الأزمة السورية عام 2011، وفي فريق 14 آذار من يعرف جيداً معنى هذا الكلام.
بداية الأزمة السورية عام 2011 كانت المملكة السعودية بألف خير، وكانت إيران تتعرّض لأشد وأقسى العقوبات الاقتصادية، وكان حلفاء إيران يعيشون الأزمات المتلاحقة واحدة تلو الأخرى، وكانت إيران سنداً لهم منذ البداية، في 2011 كان جزء من اللبنانيين ينتظر سقوط الرئيس الأسد، أسوة بسقوط الرؤساء حسني مبارك وزين العابدين بن علي ومعمر القذافي، وفي 2011 و2012 أيضاً كان التحالف العربي ضدّ سورية عبر الجامعة العربية بزخمه، وكان القتال في سورية والانشقاقات العسكرية في أوجها وكانت مؤتمرات «أصدقاء سورية» في أحسن حالها برعاية أميركية، وكان صقور الحرب على سورية أمير قطر السابق حمد آل ثاني ورئيس حكومته ووزير خارجيته حمد بن جاسم والرئيس التركي رجب أردوغان في أفضل أحوالهم جميعاً.
اليوم في عام 2015 كلّ ما ذكر قد تبدّل وتغيّر، فإيران على مشارف التخلص من أزمتها مع العالم، وتعيش لحظات تفاوض مصيرية بسعي إميركي لإنجاحها، وذلك بعد كلّ ما أسهمت فيه الخارجية الأميركية من إشاعة أجواء التحضير لمرحلة مقبلة مع إيران ترفع عنها العقوبات وتدخل الشركات الغربية إليها، وبعضها بدأ يدخل بالفعل. أما السعودية فتواجه أصعب الاستحقاقات أولها حرب غير معروفة المصير على اليمن، وثانيها ترقب توقيع تاريخي بين حلفائها وغريمتها في الخليج إيران، وفي تركيا لم يعد اردوغان الممثل لحكم الأكثرية في البلاد، أما بالنسبة إلى قطر فالحكم فيها تغيّر وأميرها «القوي» استبدل بابنه تميم مخافة انزلاق الأمور في الإمارة بعد صمود سورية وتعالي أصوات المصريين المندّدين بالحكم في قطر وتدخله في مصر ودعمه «الإخوان» وما يمكن لها ان تمثل في تقليب العالم العربي برمزيتها.
الأسد لا يزال رئيساً اليوم، لكنه بالنسبة إلى الرابع عشر من آذار «راعي الإرهاب في لبنان»، وهذا مفهوم في السياسة وفي الاتهام السياسي أيضاً، لكن المشهد لا يكتمل بالنسبة إلى 14 آذار من دون ذكر حزب الله الذي يحرص ويشارك ويقاتل من أجل النظام السوري ومن أجل بقائه، والذي لولاه لما صمد كما يقولون.
كلّ هذا مفهوم في الاتهام السياسي وحتى الواقعي، فحزب الله يساند حليفته سورية فعلاً ويقاتل لأجلها فعلاً أيضاً، وقد اكد مسؤولوه وعلى رأسهم أمينه العام السيد حسن نصرالله أكثر من مرة انّ هذا النظام بالنسبة إلى الحزب أحد أعمدة المقاومة، وأنّ استهدافه هو استهداف لحزب الله ايضاً، وبالتالي فإنّ المعارك في سورية للدفاع عن النظام مشروعة بالنسبة إلى الحزب لانها دفاع أيضاً عن المقاومة.
حزب الله خلال سنوات قتاله في سورية استطاع ان ينتصر في كلّ معاركه الرئيسية والاستراتيجية التي شارك فيها، لكن التنظيمات الإرهابية مثل «داعش» و«جبهة النصرة» لم تخف نواياها من اعتبار لبنان أحد أبرز أهدافها المقبلة، وقد أصدر تنظيم «داعش» بياناً أعلن فيه لبنان ولاية أساسية من ولاياته، ومن ثم توالت التفجيرات الانتحارية المتتالية على البلاد حاصدة شهداء لبنانيين أبرياء.
اتهم فريق 14 آذار حينها حزب الله بأنه السبب في كلّ هذا، وأنه هو من استجلب الإرهاب الى لبنان بسبب قتاله في سورية، إلا أنّ فريقاً آخر في 14 آذار كان يتهم سورية بدعم «داعش» في مفارقة غير واضحة استطاع الفريق جمعها في آن واحد، بحيث يصبح حزب الله السبب في استجلاب الإرهاب، وتستهدف قاعدته على يد «حليفته» سورية التي يقاتل ويدفع دماء من أجل صمودها، وهي التي لولاه لما صمدت حسب 14 آذار!
بات اتهام حزب الله باستجلاب الإرهاب بالنسبة إلى 14 آذار تحصيلاً حاصلاً، مع علمهم المسبق بأنّ لبنان أفضل أمنياً بنسبة 90 في المئة من كلّ بلدان الجوار العربي المرتبك في مشهد مستقرّ نسبياً قد يحرج أكثر مما يفيد بالنسبة إليهم، خصوصاً أنّ حزب الله اليوم يتقدّم في القلمون بشكل كبير.
أسئلة توجه وستوجه إلى فريق 14 آذار اليوم: اذا كان لبنان ليس على خريطة طريق دخول «داعش»، أوليس مقنعاً بالنسبة اليكم انّ داعش والإرهاب سيستهدفونه كتحصيل حاصل لبلد مجاور لسورية؟ هل يجمع بين اتهامكم الثابت لحزب الله بجذبه الإرهاب الى لبنان ومشهد تفجير مسجد في الكويت أمس وفي ليون الفرنسية وفي سوسة التونسية وبين منطقكم شيء واحد وبيوم واحد وقبلهم طبعاً تفجيران في مسجدين سعوديين؟
اين يقع حزب الله والدولة السورية في كلّ ما ذكر من تفجيرات؟ ألم يحن وقت إقراركم بأنّ مشروعاً متطرفاً يجتاح العالم فتتوقفون عن تصغير الحدث؟
الأكيد انّه سياسياً، لم يعد ممكناً تسويق اتهام حزب الله وسورية الى الأبد…