هل ستفتح ليون الباب أمام الانعطافة الفرنسية في المنطقة؟
سيفتح الهجوم الارهابي الذي استهدف مصنعاً للغاز في ليون، النقاش واسعاً في المجتمع الفرنسي عما إذا كانت سياسة قيادته الممثلة بالرئيس فرانسوا هولاند الداعمة للإرهاب في كل من سورية والعراق، بعد سنوات من تبني الحكومات الفرنسية المتعاقبة للجماعات التكفيرية منذ خمس سنوات؟
السؤال ـ الهاجس سيبقى ملازماً لكل حركة هذا المجتمع بعد موسم العمليات الارهابية التي ضربت هدوءه، فهل ستفتح عملية ليون الباب امام الانعطافة الفرنسية الكبيرة في كل من سورية والعراق، ويمتنع هولاند عن تنفيذ هذه السياسة الاجرامية بالتعاون مع السعودية وقطر وتركيا؟
اعتبر الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أن الهجوم على المصنع في ليون إرهابي، مؤكداً مقتل شخص وجرح اثنين آخرين.
كما أعلن هولاند في مؤتمر صحافي من بروكسل تعليقاً على الهجوم اعتقال شخص واحد على خلفية الهجوم الإرهابي.
كما أكد الرئيس الفرنسي عقد مجلس مصغر في قصر الإليزيه ونشر المزيد من قوات الأمن تحسباً لإمكانية وقوع هجومات أخرى.
وكانت مصادر أفادت بأن شخصاً قتل وأصيب آخرون بجروح في هجوم على منشأة صناعية قرب ليون الفرنسية، موضحة أن منفذ العملية المفترض كان يحمل علماً لمتشددين إسلاميين.
كما أوضحت تقارير إعلامية من مكان الحادث أمس، أن سيارة تقل شخصين دخلت منطقة مصنع لإنتاج الغاز المسال في منطقة سان كانتان فالافييه واصطدمت بأسطوانات الغاز الموجودة، ما أدى إلى انفجارات أسفرت عن مقتل شخص وجرح 10 على الأقل، بحسب المعلومات الأولية.
وأفادت مصادر قريبة من التحقيق بأنه تم توقيف شخص يشتبه في أنه منفذ أو مشارك في الهجوم، الذي وقع بعد حوالى 6 أشهر من هجمات شنها متطرفون في منطقة باريس وأدت إلى مقتل 17 شخصاً في كانون الثاني.
وأضافت المصادر: «عثر على جثة مقطوعة الرأس قرب المصنع، لكننا لا نعلم حتى الساعة إن كانت نقلت إلى هذا الموقع»… «كما عثر في المكان على راية عليها كتابة باللغة العربية».
وقال وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف بعد وصوله إلى مكان الحادث الجمعة إن المشتبه به في تنفيذ هجوم ليون المدعو ياسين صالحي 35 سنة كان معروفاً للسلطات منذ عام 2006 عندما أدرج اسمه على قائمة الأشخاص الذين يخضعون للمراقبة بسبب توجهاته المتطرفة المحتملة.
وأوضح أن صالحي كان على صلة بالحركة السلفية إلا أنه لم يرتكب جرائم ولم تتوافر معلومات عن صلاته بإرهابيين، بذلك أزيل اسمه من القائمة المذكورة في عام 2008.
كما أكد الوزير الفرنسي احتجاز «أعوان مشتبهين» تورطوا في تدبير العمل الإرهابي.
من جهة أخرى، ذكرت تقارير إعلامية في وقت لاحق أن المشتبه به الثاني في تنفيذ الهجوم احتجز في بيته في سان كانتان فالافييه، مضيفة أنه قد يكون سائق السيارة التي اقتحمت مصنع إنتاج الغاز المسال في المنطقة.
من جهة اخرى، تم اعتقال زوجة المشتبه به ياسين صالحي بالقرب من مدينة ليون الفرنسية، فيما أكدت زوجة صالحي أنها لا تعلم أي شيء عن العملية.
وذكر قصر الإليزيه أمس أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قطع زيارته إلى بروكسيل للمشاركة في قمة الاتحاد الأوروبي وعاد إلى فرنسا على خلفية الهجوم الإرهابي قرب ليون.
كذلك وصل المدعي العام المحلي ومسؤولون محليون إلى مكان الحادث، وجرى بصورة عاجلة إجلاء العاملين في المصنع الذي تعرض للهجوم.
وقامت السلطات الفرنسية بتشديد الإجراءات الأمنية في مواقع حيوية في البلاد.
ما حصل في ليون أيضاً، نتيجة طبيعية لاصطدام المصالح الأميركية – الفرنسية في الجانب الأفريقي، وتحديداً في شمال أفريقيا، فالعمليات الإرهابية في الداخل التونسي، تتزامن مع المفاوضات بين الحكومة الليبية المعترف بها دولياً وبين القوى الأخرى التي يفرضها الغرب. ويرى مراقبون أن جلسة المفاوضات الجديدة، برعاية الأمم المتحدة في مدينة الصخيرات المغربية أمس، قد لا تفضي إلى التوصل لاتفاق من أجل تشكيل حكومة ما يسمى بالوحدة الوطنية، هذه التقديرات المتشائمة نجمت عن الضغوط الواضحة التي يقوم بها الغرب، والمبعوث الدولي برناردينو ليون، على الحكومة المعترف بها دولياً لقبول أطراف أخرى يرى ليون والمفاوضون الغربيون أن من حقها المشاركة في السلطة إلى جانب القوى الشرعية.
الضغوط الغربية مستمرة لتنفيذ سيناريو تمكين القوى الدينية المسلحة من السلطة الليبية، أو في أسوأ الأحوال إشراكها في السطة بأي شكل وعلى أي نحو، وفي الوقت نفسه يتمدد تنظيم «داعش» وينتشر على الأراضي الليبية وسط رفض قاطع من الغرب برفع حظر تصدير السلاح إلى الحكومة الليبية المعترف بها، إلا بعد أن تستجيب لشروطه بالجلوس مع القوى الدينية الأخرى التي تحمل السلاح في مواجهة الحكومة الشرعية!
وإذا كانت مصر تعاني من نشاطات «داعش» والولايات الإسلامية الأخرى التي أعلنت عن نفسها في مناطق مختلفة في ليبيا، فإن تونس تعاني على أرض الواقع، سواء على الحدود أو في الداخل نفسه من هجمات وتفجيرات تسفر عن قتلى وجرحى ليس فقط بين المواطنين التونسيين، بل وأيضاً بين السياح والأجانب، كما حصل أمس في منتجع سوسة الشهير.
إن ما يحدث في تونس حالياً يعكس مدى استفحال الإرهاب في ليبيا، وتمدد «داعش». إضافة إلى مظاهر الإحساس بالقوة لدى التنظيمات والقوى الدينية المسلحة التي إما تقوم باختطاف الدبلوماسيين التونسيين أو رعايا الدول الأخرى في مقابل الإفراج عن عناصر إرهابية تنتمي لهذه التنظيمات والقوى. وهو ما حدث مؤخراً، حيث أجلت الخارجية التونسية كامل موظفيها من قنصليتها بطرابلس في أعقاب أزمة الرهائن الدبلوماسيين الذين احتجزوا على أيدي مليشيات مسلحة رداً على اعتقال السلطات التونسية القيادي بقوات «فجر ليبيا» وليد القليب.
المفاوضات بين الحكومة الليبية الشرعية المعترف بها دولياً وبين جماعة «فجر ليبيا» تسير في اتجاه، بينما تسير الأحداث الميدانية في اتجاه آخر تماماً، سواء في الداخل الليبي أو على الحدود مع الدول المجاورة. وفي الوقت نفسه، لا تبالي الأمم المتحدة ومبعوثها بالإعلان عن بدء العمليات العسكرية الأوروبية ضد السفن التي تحمل المهاجرين غير الشرعيين، ما دفع الحكومة الليبية الشرعية إلى التحذير بأنها سترد على أي عمليات عسكرية أوروبية ضد سيادة ليبيا. وإذا كان هذا الجانب يشكل ضغطاً ما على حكومة طبرق المعترف بها دولياً، فضغوط برناردينو ليون والدبلوماسيين وعناصر الاستخبارات الغربية المشاركة في تلك المفاوضات تمثل شكلاً آخر من الضغوط لتشكيل حكومة وحدة وطنية «على مقاس الغرب» وليس لمصلحة استتباب الأمن واستقرار المجتمع الليبي.
ما يحدث في ليبيا ينعكس على تونس والجزائر. غير أن الأخيرتين لديهما مشاكل كثيرة بشأن مفاهيم مكافحة الإرهاب وآليات ذلك، بنتيجة عملية الاستقطاب بين الولايات المتحدة التي اعتبرت تونس حليفاً غير عضو في الناتو، وفرنسا التي تقوم بالتنسيق مع الجزائر في مجال مكافحة الإرهاب. وهو الأمر الذي يتسبب في مشاكل وأزمات منهجية في مكافحة الإرهاب من جهة، وإمكانية التعامل مع سيناريوات أخرى لمكافحته تقترحها أطراف أخرى غير الولايات المتحدة وفرنسا.