جعجع: مشروع بكركي روليت روسية لن أجربها

كتب المحرر السياسي

ينتظر اللبنانيون والعرب إطلالة قائد المقاومة بعد ظهر اليوم لتوضيح صورة المعادلات الإقليمية والداخلية، التي باتت المقاومة الشريك الرئيسي في صناعتها، بينما تنتظر خطة طرابلس الأمنية يوم غد الأحد لوضع النوايا والقرارات أمام الاختبار العملي، بعدما صار واضحاً أن المسافة بين عجز تيار المستقبل عن إلزام قادة المحاور بقراره السياسي وعجزه عن رفع الغطاء عنهم، تضيق للدرجة التي يبدو فيها أنه أسير معادلة هذه الرموز الممسكة بالقرار الميداني، الذي يحيل حياة العاصمة الثانية جحيماً لحساب تثبيت هيمنة القرار المرتبط بصورة أو بأخرى بالحرب التي تخوضها ذات الجماعات في سورية ضد الدولة وجيشها.


الحصانة السياسية التي افتقدت الخطة زخمها وحرارتها المفترضين بما دار في الحكومة من مناقشات انتهت بخلافات حول داتا الاتصالات من جهة ومستقبل فرع المعلومات من جهة أخرى، أوضحت أن حال هيئة الحوار الوطني سيتأثر بالتجاذب السياسي الذي دفعت الحكومة إليه وتآكلت نسبة كبيرة من تماسكها بسببه.

وإذا كان الوضع الأمني المهزوز في الشمال يواكبه وضع سياسي يتأرجح على حبال تجاذبات متنقلة بين حبال الحكومة وهيئة الحوار، فإن مسعى البطريرك الماروني بشارة الراعي مستمر للسيطرة على مفاعيل الاستحقاق الرئاسي بمواصلة الرهان على لبننة الاستحقاق، وعدم انتظار كلمة السر التي ينتجها توافق الخارج نيابة عن اللبنانيين بدءاً ببلورة موقف مسيحي عموماً وماروني خصوصاً موحد من الاستحقاق، يوضع أمام الفرقاء الآخرين انطلاقاً من أن الرئيس العتيد ينتمي للطائفة المارونية، وفي هذا السياق صارت دعوة البطريرك للاجتماع في بكركي للقادة الموارنة الأربعة العماد ميشال عون والرئيس أمين الجميل والوزير سليمان فرنجية ورئيس القوات اللبنانية الدكتور سيمر جعجع.

مصادر متابعة لتحرك بكركي وخلفياته كشفت لـ«البناء» أن مشروع البطريرك يرمي لوضع القادة الموارنة الأربعة بين خيارين:

– الأول: أن يقبلوا اعتبارهم مرشحين للرئاسة وأن يفوضوا البطريرك إجراء المشاورات السرية مع الفرقاء الآخرين في الكتل البرلمانية الأخرى وإجراء استطلاع مواقف رقمي لما يمكن أن يناله أي منهم، والعودة إليهم بنتيجة لا يكشف تفاصيلها تتضمن الاسم الذي ترى بكركي أنه الأكثر قدرة على نيل التوافق فيجمع الآخرون عليه ويتبنون ترشيحه.

الثاني: أن يوافق القادة الأربعة على دعوة يطلبها البطريرك من رئيس المجلس النيابي بالنيابة عنهم لجلسة انتخابية يتعهدون بالدعم اللازم لإنجاحها، ويترك للصناديق أن تقول كلمتها بالتنافس الديمقراطي بينهم ويرتضون النتيجة التي تفرزها الصناديق.

الرسالة التي تقول مصادر على صلة بحركة البطريرك أنها وصلت للقادة الأربعة قبل مجيئهم لاقت ترحيب الرئيس أمين الجميل والعماد عون والوزير فرنجية، وأن الدكتور جعجع علق عليها بالقول: «إنها لعبة روليت روسية لن أجربها».

موقف جعجع السلبي الذي ذيله باعتذار بداعي الظروف الأمنية لم يقنع أحداً خصوصاً بكركي التي تساءلت لمن نقل إليها الاعتذار، لماذا لم يطلب جعجع التشاور مع حليفه الرئيس الجميل قبل الاجتماع ويحمله موقفه وتقديراته وآرائه ليتولى نقلها للمجتمعين؟ أو لماذا لم يتصل جعجع بالبطريرك شارحاً رأيه، طالباً إرسال موفد بطريركي يختاره ليستمع إلى آرائه ويعود بها إلى المجتمعين؟

يأتي موقف جعجع متكاملاً مع اهتزاز مجلس الوزراء وهيئة الحوار الوطني وخطة طرابلس الأمنية، في لحظة تشهد المنطقة حالة ارتباك في فهم التطورات مع الزيارة التي يقوم بها الرئيس الأميركي باراك أوباما للسعودية، بعدما جرى تأجيلها عدة مرات لتتم أمس في ظلال القرار الذي وضع الأمير مقرن بن عبد العزيز قائم مقام الملك.

التزامن ما كان صدفة ولا يمكن أحداً التحدث عن غياب الصلة بين القرار وبين الزيارة، بعدما كتب الكثير وقيل الكثير عن تغييرات في المملكة تمهد للزيارة، وجاء التمهيد الأول برحيل بندر بن سلطان ليكون الثاني المجيء بمقرن، ويبدو أن ما يريده الأميركي قد حصل مما يعني أن الزيارة ليست للوقوف على الرأي السعودي ولا لمراضاة قادتها، بل لتبليغهم ما يجب عليهم فعله وتحديد وجهة مستقبل السعودية الداخلي خصوصاً والإقليمي بالتتابع.

لم تتسرب معلومات كافية عن نتائج الزيارة، لكن المؤشرات الآتية من البحرين تنقل استدعاء الملك البحريني لهيئته الاستشارية وإبلاغها الاستعداد لإطلاق الحوار الوطني بعد نهاية زيارة أوباما للسعودية، لأن التحفظ السعودي على خيار المصالحة البحرانية والسير بالتعديلات الدستورية اللازمة لإجراء انتخابات برلمانية والانتقال لشكل من أشكال الملكية الدستورية سيكون قد زال.

هذا التطور البحراني يقول إن الخيار البحراني سيكون نموذجاً للخليج وفقاً لدفتر الشروط الأميركي للخليج وسيشكل من بوابة ثانية عنواناً لمستقبل العلاقات مع إيران.

بالمقابل يحتل الملفان السوري والفلسطيني مكانة هامة في المحادثات الأميركية السعودية حيث تطلب الرياض من واشنطن ما لا تملك ولا تقدر عليه عبر السعي للحصول على عودة القرار الأميركي لحالة الحرب مع سورية، بينما تطلب واشنطن من الرياض فلسطينياً ما لا تملك ولا تقدر عليه بتغطية مشروع سلام يرضي إسرائيل وجلب السلطة الفلسطينية لقبوله.

المراوحة في الملفين الفلسطيني والسوري ستكون التعبير عن الطلبات التعجيزية، بينما يتوقع مصدر خليجي متابع للعلاقة مع إيران أن زيارة للرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني ستشكل الحدث المرتقب في المنطقة.

الأمن والانتخابات

في ظل هذه الأجواء، بقي الوضع الأمني في أولوية الاهتمامات على المستويات كافة، خصوصاً أن الأنظار تتجه نحو الخطة الأمنية التي أقرّها مجلس الوزراء في جلسته مساء أول من أمس بهدف إنهاء فوضى السلاح والمسلّحين في طرابلس ومناطق أخرى، في وقت استمرّت المجموعات المسلّحة باستهداف الجيش وباقي الأجهزة الأمنية، فعمد مسلّحون أمس إلى اغتيال المؤهّل في قوى الأمن الداخلي بطرس البايع في ما يشير إلى مخطّط واضح يستهدف الأجهزة الأمنية ومنعها من إعادة الأمن إلى عاصمة الشمال، عشيّة البدء بتنفيذ الخطة الأمنية.

لكن هذه الخروقات الأمنية من قِبَل المجموعات المسلّحة الموتورة، لم تمنع ارتفاع وتيرة الاهتمام السياسي بمسار الاستحقاق الرئاسي الذي يلفّه الغموض على رغم تزايد وتيرة التفاؤل بإمكان حصول الانتخابات وانتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل انتهاء المهلة الدستورية في 25 أيار المقبل.

الراعي يرعى اجتماعاً رباعياً

وعلى رغم ذلك، فقد اتّجهت الأنظار نحو اللقاء الذي انعقد مساء أمس في بكركي برعاية البطريرك الراعي وحضوره، وحضور كل من رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية ورئيس حزب الكتائب أمين الجميل، وغياب رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي كان لأسباب أمنية. وبحث الراعي في ملف الانتخابات والمقاربات المطروحة حوله.

كلمة للسيد نصرالله اليوم

وسط هذه الأجواء، ينتظر أن يتحدّث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عند الرابعة من بعد ظهر اليوم، ومن المتوقع أن يتناول في كلمته الأوضاع الداخلية، أمنياً وسياسياً، كما سيتطرّق إلى التطورات الإقليمية وخصوصاً في سورية.

هل طارت السلسلة؟

إلى ذلك، اندفعت إلى الواجهة بقوّة المشكلة الاجتماعية والمعيشية عبر سلسلة الرتب والرواتب التي يبدو أنها شكّلت الامتحان الأول للحكومة الجديدة التي عُلم أن رئيسها أخذ موقفاً مسبقاً منها مفاده تأجيلها، متبنّياً موقف الهيئات الاقتصادية ونظرية فؤاد السنيورة.

سلام يريد التأجيل!

وعلمت «البناء» من مصادر مطلعة أن سلام أبلغ زوّاره أول من أمس أنه لا يستطيع السير بهذه السلسلة، معتبراً أن تمويلها غير مؤمّن، وأنها تشكّل أضراراً كبيرة على البلد. وفي هذه الأجواء زار سلام عين التينة أمس والتقى رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي كانت قد وصلته أجواء هذا الموقف قبل يوم أيضاً.

وأضافت المعلومات أن سلام بعد أن أبلغ موقفه إلى بري بدا واضحاً أنه لن يتحمّل مسؤولية إقرار السلسلة في الهيئة العامة، وأنه عازم على طلب سحب المشروع إذا ما سارت الأمور في هذا الاتجاه، لكن أجواء هيئة مكتب المجلس قبل ذلك بساعات كانت قد برّدت أعصاب سلام مسبقاً، باعتبار أن بعض أعضائها تحدّثوا بالنفس ذاته. وما زاد الطين بلّة أن تقارير وزارة المال لم تنطبق على تقرير اللجنة الفرعية للجنة المال، وتبيّن أن الواردات المحسوبة في اللجنة تنقص عن ما هو مطلوب 500 مليار ليرة.

وفي إطار هذا التطور الدراماتيكي السلبي على السلسلة، اجتمعت اللجان المشتركة بعد ظهر أمس وكان واضحاً أنها لن تنتهي من إقرارها في جلسة واحدة، وتالياً لن تُدرج على جدول أعمال الجلسة العامة الثلاثاء المقبل. وبالفعل فقد دار نقاش بيزنطي بين النواب في الإطار العام، وبدا واضحاً أن نواب «المستقبل» يعارضون بالمجمل إقرارها الآن، لا بل أن بعضهم كان ضدها بوضوح مثل النائب غازي يوسف الذي طالب الحكومة بأن تسحب المشروع.

وقد استغرق النقاش العام أكثر من ثلاث ساعات قبل أن تبدأ اللجان بالشروع في مناقشة ببنود مسودة المشروع الكثيرة وانتهت الجلسة من دون أي نتيجة، أو بالأحرى طارت الجلسة على الأقل في المدى المنظور. وعُلِم أيضاً أن الهيئات الاقتصادية تعتزم التحرّك من جديد ضد إقرار السلسلة.

مواقف من السلسلة

وأوضح رئيس اللجنة النيابية المشتركة النائب إبراهيم كنعان بعد اجتماع اللجان أمس «أنه جرى الانتهاء من بحث الجزء الأول والتشاور جار مع رئيس مجلس النواب لتحديد موعد جديد لاجتماع اللجان، مشيراً إلى وجود إمكانية لعرض السلسلة على الهيئة العامة قبل الدخول في المهل الدستورية، ملاحظاً أن الأمور تحتاج إلى بعض الوقت.

لكن اللافت هو ما كشف عنه وزير التربية الياس بو صعب الذي قال: «إن طلب البعض سحب السلسلة لا يبشّر بالخير». ولاحظ «أنه منذ بداية جلسة اللجان النيابية أمس كان واضحاً أن لا نيّة لإنهاء الموضوع».

من جهته، علّق رئيس هيئة التنسيق النقابية حنا غريب على عدم إحالة السلسلة إلى الجلسة العامة بالقول: «إن الأمور ذاهبة نحو التصعيد».

جلسة الحوار: ماذا ستنتج؟

في سياق آخر، ينتظر أن تعقد في قصر بعبدا قبل ظهر بعد غدٍ الاثنين جلسة الحوار التي كان دعا إليها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان للبحث في الاستراتيجية الدفاعية، ويرجّح أن يتطرق البحث في الجلسة الأولى إلى قضايا أخرى خلافية، من ما يسمى إعلان بعبدا إلى موضوع محاربة الإرهاب.

ولكن إذا كانت مشاركة بعض القوى أصبحت مؤكدة كالرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط ورئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة ورئيس الكتائب أمين الجميل، فإن مشاركة حزب الله غير محسومة حتى الآن لاعتبارات تتعلّق بالحملة التي قادها رئيس الجمهورية أخيراً ضد المقاومة وسلاحها، ما يطرح الكثير من التساؤلات حول مفهوم هيئة الحوار وأهدافها.

وحتى إذا انعقدت هيئة الحوار وحضرتها الأطراف المؤثّرة كافة، فلا شيء يشير إلى إمكانية الوصول إلى توافق حول الاستراتيجية الدفاعية في ظل الخلاف الكبير بين فريقي 8 و14 آذار، فالفريق الأول يريد الوصول إلى استراتيجية دفاعية تؤمّن للبنان أوراق القوة التي تمكّنه من مجابهة أطماع «إسرائيل» واستكمال تحرير ما تبقّى من أراض محتلة، وهو ما يعني ضرورة تكامل الأدوار بين الجيش والمقاومة في مواجهة العدو «الإسرائيلي» وأطماعه، بينما فريق «14 آذار» يريد «تشليح» لبنان أوراق القوة التي يمتلكها بحجة أن مرجعية الدولة هي التي تحدّد مسار الحرب والسلم مع العدو «الإسرائيلي»، وهو ما يعني انكشاف الجيش والمقاومة في آن معاً مع آلة الحرب «الإسرائيلية»، على رغم الفارق الكبير بين ما يملكه الجيش «الإسرائيلي» وما لدى الجيش من إمكانيات متواضعة.

الخطة الأمنية في طرابلس خلال ساعات

وبالعودة إلى الوضع الأمني، ينتظر أن يُباشر الجيش اللبناني تنفيذ الخطة الأمنية التي كان أقرّها مجلس الوزراء بعد رفع توصية بها من مجلس الدفاع الأعلى. وقال مصدر أمني لـ«البناء» إن تنفيذ الخطة سيبدأ بين اليوم والغد، وأن الخطة تقضي بتعزيز وحدات الجيش والقوى الأمنية الموجودة في طرابلس، كما أنها تشمل منع المظاهر المسلحة وتوقيف أي مسلّح أو مخلّ بالأمن ومصادرة الأسلحة والمستودعات التي تعثر عليها الأجهزة الأمنية. على أن تواكب الخطة إصدار الأجهزة القضائية استنابات قضائية تطاول الأشخاص الذين شاركوا في الاشتباكات.

وقد أمل رئيس الحكومة تمام سلام أن تبدأ نتائج الخطة الأمنية في طرابلس بالظهور في الأيام القليلة المقبلة.

اغتيال مؤهل بالأمن الداخلي

في سياق متصل، أقدم مسلّحون صباح أمس على اغتيال المؤهل في قوى الأمن الداخلي بطرس البايع في طلعة مشروع القبة ـ مجدليا في طرابلس ما أدّى إلى مقتله، ومن الواضح أن عملية الاغتيال التي تأتي بعد أقل من 24 ساعة على اغتيال مؤهل في الجيش اللبناني يراد منها منع الأجهزة الأمنية من إعادة الأمن إلى المدينة، لا بل دفعها للخروج منها لكي تتحول إلى مرتع للمجرمين والإرهابيين.

إلى ذلك، دهمت وحدة من الجيش اللبناني مخزناً للسلاح في بلدة عيدمون في عكار عائداً للمدعو إبراهيم عارف مقصود، وعثر في داخله على كمية كبيرة من الأسلحة من عيارات مختلفة.

كذلك أوقفت وحدات الجيش تسعة سوريين في السلسلة الشرقية ومنطقة وادي الشعث.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى