هل فشلت الإغراءات السعودية في تغيير الموقف الروسي؟
د. تركي صقر
كثرت التأويلات والتحليلات حول التقارب الروسي السعودي الأخير المتوّج بلقاء الرئيس بوتين الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي ووزير الدفاع والتوقيع على مجموعة ضخمة من ست اتفاقيات للتعاون بين الجانبين في مجال الطاقة النووية والفضاء والتسليح. وأطلقت هذه التأويلات العنان لموجة من التساؤلات فيما إذا كان هذا التقارب قد جاء بمثابة صفقة على حساب حلفاء موسكو في المنطقة مثل إيران وسورية واليمن، أم انه يوحي بتراجع الرياض عن مواقفها الشديدة العداء للكرملين واعترافها بقوة الدور الروسي في قضايا المنطقة واستجداء العون لإنقاذها من ورطة حربها الوحشية في اليمن، أم انه نكاية بأوباما وسياسته المترددة تجاه عدم قصف سورية ورغبته في التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران ما جعل حكام السعودية يغضبون أكثر من مرة وحملتهم على رغم جبنهم على الحرد من البيت الأبيض؟
ليست المرة الأولى التي تحاول فيها السعودية استمالة موسكو وعرض اتفاقيات وصفقات معها لإبعادها عن محور المقاومة، فقد زار بندر بن سلطان موسكو مرتين من قبل واجتمع مع الرئيس بوتين وتسرب يومها انه حاول شراء الموقف الروسي المؤيد لسورية والرئيس بشار الأسد وسعى لثني موسكو عن استخدام الفيتو في مجلس الأمن الدولي لكي يتاح للناتو استخدام القوة ضدها وتكرار السيناريو الليبي في سورية من خلال إغراءات نفطية وعسكرية بعشرات المليارات من الدولارات، ولكنه عاد من الزيارتين بخفي حنين… فهل ينجح محمد بن سلمان فيما فشل به بندر؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها وأن هذه التسريبات تأتي في إطار الحرب النفسية على سورية التي أصبح عمادها تخلي روسيا وباقي حلفاء سورية عنها بعد التصعيد الإرهابي في مختلف الجبهات؟
على أية حال اللافت أن التقارب قد جاء وسط مرحلة من الفتور في العلاقة بين الدولتين، ووسط توتر بين موسكو والرياض، حول الملفات الإقليمية وعلى رأسها سورية وإيران وكذلك على رغم التوتر الشديد بين موسكو وواشنطن مؤخراً وكأن الرياض تغرد خارج السرب الأميركي وهذا ما لا يقره الكثيرون كما يستبعدون أن يؤدي التقارب إلى فتح صفحة جديدة بين البلدين لا سيما في ما يتعلق بالأزمة في سورية، لكن هل يمكن أن يشكل طوق نجاة للرياض على مستوى المأزق اليمني؟ يبدو أن همّ السعودية الأول هو الخروج بماء الوجه من حربها الفاشلة في اليمن، ويبدو أنها مصدومة من موقف أوباما الضعيف من هذه الحرب ومصدومة أكثر من تأييده لأن يكون أنصار الله جزءاً من الحل السياسي اليمني، وهذا ما دفعها للجوء إلى موسكو متحملة غضب واشنطن.
ويعتقد محللون أن موسكو اليوم هي المستفيدة الرئيسية من سياسة إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الخارجية التي تتميز بالابتعاد بشكل أو بآخر عن حلفائها التقليديين في المنطقة، وعلى رأسهم الرياض والقاهرة لمصلحة التقارب مع طهران، وأن أوباما يعتبر التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران بمثابة ذروة إنجازاته في مجال السياسة الخارجية والخلاصة أن العلاقات السعودية الأميركية متوترة حول ملفين رئيسيين، الأول معارضة الرياض للاتفاق النووي مع طهران، والثاني أن السعودية مع فكرة إسقاط النظام في سورية واستبعاد الرئيس بشار الأسد خلافاً للموقف الأميركي الذي لا يزال متردداً بعد أربع سنوات من الحرب الإرهابية القذرة.
يحاول الإعلام السعودي أن يوحي أن بوتين بحاجة إلى الرياض لإنقاذ الاقتصاد الروسي الذي ضربته العقوبات الغربية والأميركية في الصميم بعد أحداث أوكرانيا، إلا أن الواقع يشير بوضوح إلى أن حكام السعودية في مأزق كبير ولا بديل أمامهم سوى اللهاث وراء موسكو وأن محمد بن سلمان في روسيا للتوسّل لبوتين لاستخدام نفوذه في إقناع الإيرانيين والحوثيين بالموافقة على إيقاف الحرب في اليمن من دون اعتذار سعودي، ومن حق موسكو ألا تفعل ذلك مجاناً وأن يكون ذلك مقابل رفع أسعار النفط وإمضاء صفقة سلاح سبق إيقافها للسعودية، وصفقة أخرى لمصر بأموال سعودية سبق تجميدها أيضاً والصفقة الروسية السعودية تتضمّن دبابات تي90 وعربات مصفحة وطائرات عمودية مقاتلة ومنظومة «أس400» دفاع الجوي بعيد المدى سيجري تضخيمها لتتجاوز 10 مليارات دولار، والمطلب الأصعب على ما يبدو هو رفع أسعار النفط بتخفيض إنتاج السعودية الذي زادته قصداً للضغط على إيران، وإرغام روسيا على الخروج من أوكرانيا. والصعوبة تأتي من أن الاقتصاد السعودي لا يتحمّل تخفيض الإنتاج بسبب ارتفاع الإنفاق الذي بلغ ربع تريليون ريال خلال الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، كما أن الأسواق تشبّعت بالنفط بعد زيادة الإنتاج السعودي ولا يمكن عودة الأسعار لما كانت عليه إلا بتخفيض سعودي هائل يقل ثلاثة ملايين برميل عن الحالي، معتبراً أن العارفين بهذا الشأن لا يتوقّعون أن الترتيب مع روسيا سيصل لنتيجة بل أن المواجهة في اليمن ستستمر بنتائج ليست لمصلحة السعودية ما دام الأمر بيد بن سلمان.
من الصعب أن تكون واشنطن راضية عن توجه السعودية نحو موسكو وأن ينتهي الأمر بدخول روسيا بقوة على خط التعاون الفضائي والنووي والعسكري مع السعودية وهذا بحد ذاته يعتبر نجاحاً لسياسة بوتين وفشلاً لسياسة أوباما وربما لن تدع الأوساط الأميركية المطالبة بإدخال تغييرات في النظام السعودي هذه الفرصة تمر مرور الكرام وهذا يعجل من تفعيل الخطط النائمة في الأدراج لزعزعة الأوضاع الداخلية هناك وخلق متاعب لعرقلة تنفيذ الاتفاقيات مع موسكو، خصوصاً في ظل احتدام الصراع داخل البيت السعودي وتفرد الملك سلمان وابنه محمد بالقرارات.
وبالنسبة لسورية يحاول الإعلام المعادي تعميق الحرب النفسية التي تتصاعد ضدها مؤخراً وأنّ ما يجري بين الرياض وموسكو يتمّ على حسابها وأنّ مسألة التخلي عن سورية أصبحت واقعاً. ويربطون بين زيارة ولي ولي العهد وزيارة الحريري سابقاً إلى موسكو وكلام مسرّب على لسان بوغدانوف برفض روسي لترشح العماد عون وتخلي روسيا التدريجي عن حلف المقاومة باعتبار العماد عون مرشح حزب الله، وفيما كانت وسائل الإعلام المعادية لمحور المقاومة ترقص طرباً على أنغام كلام بوغدانوف صدر نفي قاطع بأنّ موسكو لا تدخل في لعبة أسماء المرشحين للرئاسة اللبنانية، وأنّ ما جرى تداوله لم يكن دقيقاً ولم تكتمل فرحتها بالترويج من خلال زيارة الأمير محمد إلى موسكو لمقولات إنّ بوتين سرعان ما يستبدل حلفاءه ويتخلى عنهم أمام رائحة النفط والغاز وتصدير الأسلحة الروسية حيث خرج وقبل أن يجف حبر الاتفاقيات الست الموقعة مع السعودية ليؤكد للملأ تمسك روسيا بالرئيس الأسد واستمرار دعمه ما دفع بعض الصحافيين السعوديين إلى المطالبة بإلغاء الدعوة الموجهة إلى بوتين لزيارة السعودية ورفض دعوة بوتين للملك سلمان بزيارة روسيا وبذلك ظهرت سطحية هؤلاء وحجم غبائهم السياسي وعدم إدراكهم حقائق عالم اليوم الذي تشير إلى تقدم روسيا بوتين وتراجع أميركا أوباما وأن محور المقاومة لم ولن يهزم لتعلن موسكو استسلامه أمام مملكة مرعوبة وتنتظر هزيمتها المؤكدة في اليمن.
tu.saqr gmal.com