ظاهرة الألوان… والعنصرية الأميركية!
فدى دبوس
منذ أيام شهدنا ظاهرة جديدة على «فايسبوك» ألا وهي توحيد صور بعض الناشطين وغزوها بألوان قوس القزح تضامناً مع قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما بالسماح بزواج المثليين وتشريعه في الولايات المتحدة الأميركية. بعض الناشطين اللبنانيين فرحوا بهذا الخبر لدرجة أنهم بدأوا بتداول الخبر فشعرنا بأنّ قرار زواج المثليين في أميركا بات من أعظم القرارات التي اتّخذها أوباما لتأكيد المساواة بين الجميع ورفضه العنصرية، خصوصاً أن عدم منحهم الحقّ بالزواج يعتبر انتهاكاً لضمانة المساواة الأساسية بحسب المحكمة العليا الأميركية.
إذا أردنا البحث في الأمر نلحظ نقاطاً عدّة ربّما لم يتنبّه إليها من ساندوا أوباما في قراره هذا وفرحوا فرحاً شديداً وما زالوا يحتفلون بقرار الحرية هذا حتى الآن وذلك من خلال صورة المكسوّة بالألوان التي تغيب عن سماء أوطاننا في ظلّ الحرب الدامية التي تفرضها الولايات المتحدة نفسها علينا اليوم.
النقطة الأولى التي لم يتنبّه إليها الناشطون أن هذه الدولة التي تشرّع زواج المثليين دفاعاً عن الحقوق والمساواة والإنسانية هي أكثر الدول ممارسة للعنصرية في العالم، وذلك يتضّح يومياً من الأخبار التي نقرأها ونسمعها عن العنصرية الممارسة ضد المواطنين ذوي الأصول الأفريقية من قبل «البيض»، وهو ما يؤكّد انتهاك الولايات المتحدة حقوق الإنسان وممارستها للعنصرية.
النقطة الثانية تكمن في أننا نهلل لأيّ قرار تتخذّه دول الغرب بل وسرعان ما نطالب بتشريع مثيل له، متناسين أننا علينا محاربتها وعدم المساهمة في نشر ثقافتها التي تجبرنا على اتّباعها، ويا ليت نصف من هللوا لهذا القرار يسعون إلى التفكير بحرية ومنطقية للتحرر من عفن التسلّط الذي يسيطر على عقول بعضهم.
النقطة الثالثة والأهمّ هي أننا اليوم في زمن نعاني فيه من الحروب و«الثورات» الدامية في مجتمعنا، ونعاني من أخطر عدوّ علينا محاربته ومحاربة من يدعمه بشتّى الطرق والوسائل، لا التهليل لقرارات لا تمتّ لنا بصلة ولا يمكن لها أن تخدمنا بأيّ طريقة من الطرق.
من يقرأ ما نكتب يعتقد أننا بصدد مهاجمة فئة معيّنة من الناس أو تحريم ما يتمنّون أن يحصل في بلادنا، لكن الحقيقة تكمن في خطورة التهليل لأيّ خطوة تتخذّها الولايات المتحدة، وعلى رغم أننا مع الحريّات ومع أن يعيش كلّ فرد كما يحلو له، لا سيما أن حياة كلّ فرد هي عبارة عن خيار شخصّي له، لكننا ضدّ أن تكون عقولنا مادّة رخيصة في يدّ الغربيين وسياساتهم. فما همّنا إن شرّعت الولايات المتحدّة زواج المثليين، وما همّنا إن عدّلت في اقتصادها وما همّنا إن باتت غالبية الشعب الأميركي تعيش في بحبوحة؟
من المؤكّد أن كلّ ذلك لن يعود علينا بأيّ منفعة أو فائدة، بل يجب أن يكون همّنا الأوّل والأخير هو محاربة أعدائنا، والسعي إلى تحقيق أبسط مطالبنا ألا وهي الماء والكهرباء والطبابة والراتب الذي يمكن له أن يؤمّن لنا حياة كريمة. وإن كان لا بدّ لنا من التلهيل والتضامن فلنتضامن مع المجاهدين الذين يقاتلون على حدودنا لنبقى نحن في البيوت، فلنتضامن مع من يموت من الأطفال على أبواب المستشفيات لعدم قدرتهم على علاجهم، فلنتضامن ونوحّد صورنا لمحاربة الإرهاب، ربّما يكون في ذلك تضامناً خيّراً قادراً على إنقاذنا وانتشالنا من البؤرة التي فُرض علينا الوقوع فيها.