ثلاثية الإرهاب الدموي
راسم عبيدات
هز المشهد الدموي الذي نظمه إرهابيو «داعش» العابر للقارات، وجدان وضمير وقيم كل من هو مؤمن بالإنسانية والحياة، حيث جرى التفجير والانتحار في ثلاث قارات أوروبا وأفريقيا وآسيا، والحصيلة في الهجمات الثلاث على منشأة الغاز الفرنسية والفندقين في تونس ومسجد الإمام الصادق في الكويت عشرات القتلى وأكثر بذلك بكثير من الجرحى.
ثلاثية الإرهاب الدموي، ضربت أهدافاً متنوّعة، ودولاً متعدّدة، مؤكدة حقيقة واحدة ودامغة هي أنّ الإرهاب خطر داهم على الإنسان والمجتمعات الإنسانية قاطبة، والضربات الثلاث التي حدثت، ليست في الإطار ولا في السياق العفوي، فالإرهاب في فرنسا وتونس يريد أن يسجل نقاطاً، ولكن الأخطر في الكويت يريد أن يرسم استراتيجية، فالتفجير إعلان عن بدء نشاط التنظيم في الكويت في خطة أكبر من حجم الضربة، فـ«داعش» يدرك أن خساراتها المتتالية في العراق وسورية وخروجها من هذين البلدين، يحتاج إلى أن يكون لها قاعدة ومقر رئيسي تقود من خلاله إرهابها وعملياتها، ورسو الخيار على الكويت ليس اعتباطاً، فالكويت دولة صغيرة وقدرات التنظيم قادرة على السيطرة عليها، وهناك النفط والإطلالة على الخليج العربي والاتصال مع السعودية والعراق وإيران، وهذا يجعل الكويت ذات مكانة استراتيجية لـ«داعش» من أجل قيادة التطرف المذهبي والفكر القاعدي الوهابي ضد «الشيعة» من جهة، وضد النظام الأميري من جهة أخرى.
لقد عرض «داعش» آخر مبتكراته في عمليات القتل والإجرام، والتي لم تضاهيه فيها لا نازية ولا فاشية من حيث ربط ضحايا مجتمعين بالمتفجرات وتفجيرهم مرة واحدة، أو إغراقهم بالمياه وهم في أقفاص، أو حرقهم أحياء في أقفاص كما حدث مع الطيار الأردني الكساسبة، وسبق ذلك جرائم قتل بشعة في سورية والعراق وليبيا تراوحت بين جز الرؤوس بالسيوف وقطعها بالسواطير وبقر البطون وسلخ الجلود وشق الصدور وأكل الأكباد والأحشاء، وتلك الجرائم والمشاهد الوحشية والمقززة لم تحظ باستنكار وإدانة حقيقية ومواقف وقرارات حازمة، ضد مرتكبيها ومنفذيها والقائمين عليها من ممولين وداعمين وموفرين له الحضانة والرعاية والبيئة.
أميركا والغرب الاستعماري و«إسرائيل» وتركيا ومشيخات النفط والغاز الخليجية، استثمرت في هذا الإرهاب من أجل تحقيق أهدافها وحماية مصالحها ونفوذها ووجودها في المنطقة، في تزاوج مصالح، جمع أصحاب مشروع الفوضى الخلاقة والفتن والحروب المذهبية والطائفية، وأصحاب فقه البداوة والبترودولار من أجل حماية عروشهم وكراسيهم، والحالمين باستعادة أمجاد إمبراطوريتهم المريضة على حساب الدم والجغرافيا العربية و«إسرائيل» الراغبة في أن تبقى المتسيدة في المنطقة، بعد تدمير الدول والجيوش المركزية العربية الثلاث العراق وسورية ومصر.
الاستثمار في الإرهاب من قبل هذه الدول وتوظيفه لخدمة مصالحها وأهدافها يجعل من الصعب القضاء عليه والتخلص منه.
ولكن في ظل ما يحدث ويجري وانتقال نشاط تلك الجماعات الإرهابية وتنفيذها عملياتها في قلب العواصم الغربية، وحتى في عقر دار من استولدوها واحتضنوها من مشيخات النفط والكاز، فإن هؤلاء الداعمين والمستخدمين لهذه الجماعات من القتلة والمتطرفين من «قاعدة» ومتفرعاتها من «داعش» و«نصرة» و«جند الشام» و«السلفية الجهادية» وغيرها، لم يعودوا قادرين على تبرير جرائم تلك الجماعات أمام شعوبهم، بأن ما يجري هو حراك سلمي مسلح بشعارات الحرية والديمقراطية وقيم العدالة والتعددية والإنسانية وغيرها.
نحن ندرك تماماً على رغم الثلاثية الدموية، ومع عودة الكثير من الإرهابيين الذين زج بهم في القتال في الشام والعراق وليبيا واليمن إلى دولهم، فإن خطر هؤلاء سيكون كبيراً على الدول التي جاؤوا منها، ولكن في هذه المرحلة وفي الأفق القريب لا نرى فكاكاً وتخلياً عن هذه الجماعات الإرهابية من قبل أميركا والغرب الاستعماري ومشغليه من مشيخات النفط والكاز وجماعة التتريك، فهم يدركون بأن التخلي في هذه المرحلة بالذات، والتي يقترب فيها التوقيع مع طهران حول ملفها النووي، وما يحدث في سورية والعراق واليمن من هزيمة للمشروع المعادي، فإن هذا التخلي، يعني السماح لحلف طهران ـ دمشق الضاحية الجنوبية وصنعاء برسم معادلات وتحالفات المنطقة بالتعاون مع روسيا والصين، وهذا لا يمكن لأميركا وحلفائها التسليم به حالياً.
لكن الأكيد أنّه بعد ثلاثية الإرهاب الدموي فإن خطر الإرهاب يدقّ أبواب العواصم كلها من دون استثناء، بما فيها أبواب واشنطن، ولذلك تبدو مواجهة الإرهاب والتطرف أولوية على أجندة جميع الدول، بما فيها الولايات المتحدة، وجماعة التتريك ومشيخات النفط والكاز لن تنجو من هذا الخطر الذي احتضنته ومولته وأمدته بكل المقومات للبقاء والتمدد من مال وسلاح ورجال. فالهجمات الإرهابية الثلاث التي حصلت في الكويت وتونس وفرنسا، مثيرة للقلق والخوف وهي سترغم دولاً عدة على اتخاذ خطوات جادّة وفاعلة لحماية أمنها واستقرارها، ومع هذه الخطوات ربما يبدأ العدّ العكسي، لمرحلة التماهي والدعم والاحتضان الغربي والإقليمي والعربي للمجموعات الإرهابية، عدّ عكسي تبدأ معه مرحلة وقف الاستثمار في الإرهاب.
وحتى يتبلور موقف دولي واضح بوقف الاستثمار في الإرهاب وضرورة محاربته، المطلوب رفع الصوت عالياً بإدانة الإرهاب والدعوة إلى قتاله واجتثاثه، وقد بدأت ترتفع وتيرة المواقف الدولية المندّدة بالإرهاب الدموي الذي ضرب الجمعة الماضي، وعلى الحكومات العربية المتورطة والداعمة لتلك الجماعات الإرهابية التوقف عن دعمها، وعليها أن تعي بأن حروب التدمير الذاتي وتفكيك المشروع القومي والعربي، والتفتيت والتذرير للجغرافيا العربية وإعادة تركيبها من جديد ضمن تخوم خطوط التقسيم المذهبي والطائفي، لن يجعل بلدانها بمنأى أو محصنة من هذا الخطر.
خطر جدي وداهم علينا كعرب ومسلمين مواجهته من خلال العمل على إغلاق كل قنوات ووسائل إعلام الفتنة المذهبية والتي تدعو إلى الفرقة والخلاف، وكذلك المؤسسات الدينية، بما فيها الجوامع والمساجد المجندة والمسخرة للتحريض المذهبي، فنحن إمام خطر جدي وحقيقي، يتهدد ليس جغرافية وهوية وثقافة شبابنا، بل الأخطر احتلال عقولهم، وتحويلهم إلى جماعات من القتلة. Quds.45 gmail.com