إلى مَن يحاضرون تحت شعار: «قرار ضد الانتحار»
د. سلوى خليل الأمين
اجتمعوا وأعلوا الصوت وتنادوا لاتخاذ قرار، وإذ القرار هو ضدّ الانتحار، هنا على كلّ من تلقى الخبر أو شاهده عبر محطات التلفزة أو قرأ عنه في الصحف أن يسأل: أيّ قرار وضدّ أيّ انتحار؟ ومن هم سبب الانتحار؟ وكيف تتمّ معالجة القضايا الوطنية والاقتصادية والاجتماعية للحدّ من الانتحار؟
كلّ هذه الأسئلة لم نجد لها جواباً ونحن نستمع إلى المحاضرين الأشاوس، أركان الهيئات الاقتصادية في الوطن الذين ابتلعوا لقمة الفقير، ورواتب الموظفين، واحتكروا تعب العامل بوضع جوعه وحاجته المادية على رفّ مصالحهم ومصالح جيوبهم وعائلاتهم وولائمهم، بغضّ النظر عن انتحار الوطن الذي هم من نحروه بأيديهم وأطماعهم التي لا حدود لها.
فلبنان اليوم وبعد هذا المسار الطويل من عمليات غضّ النظر عن الفساد والإفساد المعطوفة على سياسة اقتصادية خاطئة، أغرقت لبنان في الدين العام، وأضعفت النمو الاقتصادي، وأفقرت المواطن، وهجرت الشباب والشابات، وزادت من تخمة الأموال لدى المصارف ومن ازدياد الطبقة الثرية Nouveaux Riches ، في الوقت الذي يفقد فيه البلد توازنه السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وفي ظلّ سيطرة رأس المال وجشع الهيئات الاقتصادية، وأعني بهم تجار الحروب وأغنياءها، الذين استغلوا الوضع السياسي المضطرب والمفكك والمتأرجح لزيادة أموالهم والعبّ من مقدرات الدولة، بحيث إلى تاريخه لم يتمّ إجراء الانتخابات النيابية، بل تمّ التمديد لأعضاء المجلس النيابي بطرق لا دستورية أو قانونية، أضف إلى ذلك عدم انتخاب رئيس للبلاد، بمعنى آخر استسهال التمديد والتمدّد خارج الأطر الدستورية والقانونية بحجج واهية لا يتقبّلها عقل مواطن تمكّن من وضع ضميره على درب الوفاء للوطن، حين مَن يتسلّم مقدّرات الحكم في الوطن، هم أنفسهم الذين يجترحون المعجزات من أجل مخالفة الدستور، وفرض طغيانهم على الشعب اللبناني المسكون بالغضب والنار التي هي تحت الرماد.
لقد كان منظرهم في قاعة «بيال» الفخمة مستفزاً، لا يوحي أبداً بأن الجالسين في الصفوف الأمامية يتحسّسون قهر الناس وغضبهم، فالبدل والأحذية غالية الثمن، حتى رئيس اتحاد العمال أصبح بقدرة قادر واحداً من هذه الطبقة المغولية، التي تستشرس من أجل إفراغ الخزينة والقضاء على البقية الباقية من القدرات الشبابية الكفوءة، التي لا تجد من يحضن قدراتها تحت سقف الوطن، لهذا تهاجر جاهزة إلى أوطان جديدة تعرف استغلال طاقاتها والاستفادة منها ووضعها في المكان المناسب، حيث تبدع وتنتج وتصبح محط الأنظار، حين كلّ ما يلحقها من الوطن الأم، حفلات تكريم فقط، هذا إنْ حصلت وتمّ تبنّيها من هذه المؤسسات المالية التي يفرض عليها أقله دعم تكريم طاقاتنا اللبنانية المبدعة في عالم الاغتراب بغضّ النظر عن المكاسب الخاصة، التي تعود بالنفع على مؤسساتهم، التي جنت من الأرباح ما لا يعدّ ويحصى.
ترى من يملك في هذا الوطن احتكار رأس المال، وريوع السلطة والمضاربات، ومن استولى على الشطوط البحرية، ومن هم أصحاب الرساميل الذين يفعلون فعلهم في الضغط على الحكومة ومجلس النواب كي لا يتمّ إقرار سلسلة الرتب والرواتب، أليس هم أولئك الذين اجتمعوا لإصدار قرار ضدّ الانتحار، هم أصلاً من سبّبه وخطط له وغضّ النظر عن مجرياته الخاطئة والخطيرة؟ ثم أليس هم رعاة الفساد والإفساد في الوطن وأصحاب الامتيازات التي تهدر حقوق المواطن الذي لا حول له ولا قوة؟ أليسوا هم المسيطرون على القرارات السياسية وبعضهم نواب ووزراء سابقون! وأليس هم من أسكت اتحاد العمال فبات رئيسه واحداً منهم بدل أن يكون داعية لاحتلال الشوارع والساحات بالاتفاق مع هيئة التنسيق النقابية، من أجل الحصول على حقوق العمال والموظفين؟ والغريب هو اتفاقهم على عدم إثارة المطالب القطاعية التي تخصّ معظم أبناء الشعب اللبناني وهي: تأمين سلسلة الرتب والرواتب وغضّ النظر عن» زيادة رواتب النواب واعتبارها أمراً ملزماً»، تعديل النظام الضريبي بحيث تصبح الضريبة تصاعدية يدفعها الغني قبل الفقير، كما هو متبع في الدول التي تتبع النظام الاقتصادي الحرّ كالولايات المتحدة الأميركية مثلاً، التأمين الصحي الذي يخفف موت الناس على أبواب المستشفيات ويخفف من غلاء الدواء، والأهمّ تأمين فرص العمل للخرّيجين الجدد، للحدّ من هجرة الطاقات الشبابية التي هي مستقبل لبنان وغده المشرق، والحدّ من العمالة الأجنبية والعربية التي أوقعت العديد من العمال اللبنانيين في دائرة البطالة التي تسبّب الأمراض العصبية التي تؤدّي إلى النزاعات الزوجية أو إلى الالتحاق بالمنظمات الخارجة على القانون، أمثال الدواعش والنصرة والقاعدة والعصابات التكفيرية المتطرفة ومن هم على شاكلتهم. والأهمّ خلوّ اجتماعهم من ممثلي النقابات والهيئات الثقافية والفنية والجمعيات المدنية الأهلية، التي أخذت على عاتقها العمل تطوّعاً من أجل فتح كوة في الجدار المسدود القائم في وزارات الدولة، والخاضع حكماً لذوي النفوذ ومن يلوذ بهم.
إنّ الوقوف إلى جانب البلد لمنعه من الانتحار لا يكون بهذا الشكل الخالي من الممثلين الحقيقيين للشعب اللبناني بكلّ أطيافه العاملة على مساحة الوطن، وعبر إضفاء الصبغة السياسية التي كانت واضحة جداً، من خلال الكلمات التي أتحفنا بها المتكلمون بمواعظ قديمة بعيدة كلّ البعد عن التفكير في وضع صيغة تجمع كلّ أطياف الشعب اللبناني بمن فيهم العمال والموظفون، من أجل خلق لجان دائمة تهتمّ بوضع الحلول المتوازنة، التي من شأنها أن تستنفر كلّ طاقات المجتمع اللبناني، من أجل العمل على إنقاذ الوطن من الانتحار.
بصريح العبارة هي صرخة بدت باهتة، كدوي حجر في واد عميق، لهذا نرجو أن لا يهوّل علينا هؤلاء بعد الآن بكشوفاتهم الوطنية الملتبسة، لأنّ الإيمان بقيامة الوطن يستدعي منهم التضحية والقضاء على الإفساد والفساد وتشجيع الحكومة على العمل بسرعة لضخّ النفط من مياهنا الإقليمية لعلّ وعسى نأمَن شرورهم بتسهيل سداد الدين العام، وتأمين الرواتب بالحدّ الذي يليق بكرامة اللبناني الموظف والعامل، أياً كانت رتبته او مقامه الوظيفي، وذلك من خلال عائدات ثروتنا النفطية التي هي الحلّ الأخير كي نعفي الوطن من الانتحار.
كلمة أخيرة لا بدّ منها لأولئك المحاضرين بقيامة الوطن عبر طرح الشعارات الطنانة ومنها «قرار ضد الانتحار»، احموا الوطن من أطماعكم وكفوا عن إرهاق المواطن بالفقر والجوع والمرض والرحيل إلى الأوطان الأخرى التي تمنحهم الرعاية وكرامة العيش والأمن والآمان.