سورية ـ روسيا… تحالف استراتيجي بعيد الأفق

مع ما أفرزته الأزمة السورية من شكل جديد ألغى بمفاعيله القطبية الأحادية الاميركية وبلور اقطاباً دولية جديدة تمركزت مقابل ضفة الهيمنة لتعيد الدبلوماسية والسياسية إلى واجهة الحلول مع ما يتم هندسته من حلول عسكرية، فموسكو التي تستعد لتفعيل مسار الملف السوري استكمالاً لما تم تسجيله من نقاط في هذا السياق الذي أعلنت فيه موسكو مرات عدة عن موافقة أميركية بأن الحل سياسي في سورية وان الأولوية هي للحرب على الإرهاب، فهذا سياق جسدته تصريحات ستيفان دي ميستورا الذي لا ينطق عن هواه وفكره بعد لقائه الرئيس بشار الأسد في دمشق في 11 أيلول الماضي بأن هناك ضرورة لمواجهة المجموعات الإرهابية مع أن يترافق ذلك مع حلول سياسية جامعة للأزمة السورية، ليتحد مع كلام ثانٍ لـديمستورا في 13 شباط الماضي بأن الرئيس الأسد «جزء من الحل في سورية»، وهذا ما أكد عليه الرئيس بوتين في 19 حزيران الجاري أمام المؤتمر الاقتصادي في سان بطرسبورغ بأن روسيا تدعم الرئيس الأسد منعاً لانزلاق سورية إلى مزيد من الفوضى مع تأكيده تسهيل الحوار بين الدولة السورية والمعارضة البناءة، فهذا بمشهده الحضوري هو انتظار روسي لما حُسم أمره من اتفاق دولي مع إيران ليبدأ الركب الروسي السير في مشروع متكامل يثبت الحضور الروسي القوي في صناعة التسويات والتوافقات التي ترتبط حلقاتها مع توسيع حلقات إنجاز التفاهم النووي وتتصل بالحلقات المتينة مع سورية كحلقة ربط أساسية على وقع «زفير التعب» السعودي ـ التركي ـ «الإسرائيلي» من عدم القدرة على فعل شيء مع نية واشنطن حفظ ماء وجهها دولياً ليبدأ صرير الأسنان السعودي المنغمس في حرب يمنية تسير أشرعتها بعكس الريح «الحازمة» التي أضاعت «أملها» في إيجاد ميناء الرسوب، والتلبك التركي مع خسارة أرهابييه في القلمون وما تتداعى له المشهد البرلماني بعد انتخابات 7 حزيران المنصرم، والاستعصاء «الإسرائيلي» الذي بدأ خريفه بالظهور مع خسارته «الحزام الطيب النصراوي في الجنوب الحدودي مع سورية وفقدان عدة غرف عمليات عسكرية آخرها غرفة 27 حزيران الجاري المسماة «عاصفة الجنوب» بيد الجيش السوري الذي أحال المشهد مع المقاومة إلى عدم قدرة «إسرائيلية» على التغيير منذ اعتداء الكيان «الإسرائيلي» في 18 كانون الثاني الماضي في القنيطرة على موكب المقاومين وتغيير قواعد الاشتباك بعد كلمة سيد المقاومة في 28 من الشهر نفسه، ليصبح الفشل العسكري «الإسرائيلي» ـ التكفيري عامل تشجيع وفشل لخطة تخريب سورية بالملف «الدرزي» في السويداء أو إحكام السيطرة على درعا «وهابياً» ليكون العامل الثاني هو في فشل البديل عن الحل بالمفهوم الروسي ـ السوري الذي أوضحته زيارة الوزير وليد المعلم إلى موسكو في 29 حزيران المنصرم لإبراز موافقة سورية رسمية على بدء جولة جديدة من الحوار مع المعارضة لحل الأزمة، بالتزامن مع دعم اقتصادي وسياسي وعسكري روسي وضع دفة الدعم للحكومة السورية في نصابها المؤكد بتوقيت مدروس من الحليفين لجهة أن مستقبل الحل السياسي يقع على يقين أن العملية السياسية تتسع في محيطها لكل الذين يقفون بصورة حازمة ضد الارهاب، الذي بدأ يتلمس بعيون الأعمى طريقاً للخروج من المأزق، خصوصاً بعد تبلور سعي روسي بعد التوقيع على التفاهم النووي للدعوة إلى اجتماع بدول جوار سورية والعراق بمشاركة الدول الخمس الكبرى مع حكومتي سورية والعراق وكلٍ من إيران وتركيا والأردن ولبنان والسعودية والكويت لوضع إطر لضبط الحدود، وهو ما يتماثل في تصوره مع مؤتمرات دول جوار العراق سابقاً بمشاركة إيرانية وسورية في أيار 2007 في شرم الشيخ وفي إسطنبول في تشرين الثاني من العام نفسه ليلاقي اجتماع الكويت في 22 نيسان من العام 2008 بحضور ومشاركة أميركية على واقع علاقات سيء بين إيران والولايات المتحدة ونسخة طبق الأصل عنه بعلاقات سورية ـ سعودية وسورية ـ اميركية غير جيدة ايضاً، فهي فكرة تصور أكد عليها وزير الخارجية الايرانية جواد ظريف من العاصمة العراقية في 24 شباط الماضي من نية طهران تعزيز علاقاتها بدول الجوار العربي وتركيا في ترسيخ للمشاريع السياسية المبطنة بمصالح اقتصادية والتي أصبحت مهددة بفعل الإرهاب الدولي المتجذر في المنطقة، لتكون الرؤى الروسية لهذا الواقع هي بإمساك موسكو بملف الحوار السياسي السوري الذي هو بيضة القبان للمنطقة والعالم تمهيداً لـ«جنيف- 3» وفقاً لوثيقة موسكو التي أنبثقت في 10 نيسان الماضي والتي وصفها منسق المؤتمر فيتالي نعومكن بأنها تمكن الطرفان الحكومي والمعارضة وللمرة الأولى من تبني وثيقة سياسية يمكن تسميتها «منصة موسكو»، وهي قاعدة للقاءات المقبلة اينما ستعقد، فهذا تحالف استراتيجي وسياسي يقف في وجه من لا يزال يراهن على كسر حلقاته التي أكد قوتها الجانب الإيراني مرات عدة من تواصل مع موسكو في الدعم المؤثر لسورية ضد الإرهاب، وهو ما كان أكد عليه الرئيس الروسي في 28 تشرين الثاني 2014 والذي لم يستطع أحد التأثير عليه لأنه تعامل صادق بين حلفاء صادقين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى