ثلاث سنوات وخريطة طريق لم تتلمّس طريقها بعد…!
سعد الله الخليل
ثلاث سنوات مرّت بالتمام والكمال على إقرار بيان «جنيف 1» قاموس الأزمة السورية المنسيّ في تفاصيل السياسة والعسكر والأمن، حمّال الأوجه والتأويلات تارة والذي سرعان ما يتحوّل إلى دستور غير قابل للنقاش تارة أخرى، تتمسك به الأطراف السياسية ساعة تشاء وترميه في ساحات المعارك وأروقة السياسية حال تشعر بالقوة، وتتذكره ما أن تستشعر باهتزاز موقفها في السياسة وموقعها على الأرض حيث تدرك الأطراف السورية والقوى الإقليمية والدول الكبرى أنّ بيان جنيف ببنوده الخمسة لا يتعدّى كونه «مسمار جحا» الأزمة السورية في أروقة الأمم المتحدة ولا يتجاوز مفعوله تأثير قلق الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.
ثلاث سنوات على صدور بيان لا تتعدّى نقاطه عدد أصابع اليد الواحدة لم تستطع قرارات الأمم المتحدة، ولا حتى جولات المباحثات والمؤتمرات باختلاف مسمّياتها وأماكنها من جنيف إلى موسكو إلى كازاخستان ومروراً بدمشق، ولا زيارات مبعوثي الأمم المتحدة لعواصم القرار للوصول الى التوافق على آلية تنفيذه وكأنّ من كتب النقاط ومن وافق ومن شجع أدرك أنّ شياطين التفاصيل كفيلة بجعل محصلته على الأرض السورية وفي ميزان السياسة صفراً مكعباً.
منذ صدور بيان جنيف الذي وصف كخريطة طريق حلّ الأزمة السورية شهدت التطورات السورية تحوّلات دراماتيكية في السياسة لا تقلّ أهمية عما شهده الميدان والتي أرخت بثقلها على مجمل التطورات، فانعقاد «جنيف 2» بعد أشهر من نسخته الأولى أثبت وباعتراف أممي أن لا حلّ للأزمة السورية إلا بحضور الحكومة السورية، فالحضور الرسمي السوري وما رافقه من مواقف وتحذيرات سورية رسّخت دمشق كشريك يمتلك من الشرعية ما لا يمكن التشكيك به على أرض الواقع، بعيداً عن المواقف الاستهلاكية التي تطلق في الشرق والغرب، فيما ظهر الموقف الهزيل لوفد الائتلاف المعارض الذي يدار عبر روموت كونترول مشغله السفير الأميركي السابق في سورية روبيرت فورد، استقالة المبعوث الأممي إلى سورية الأخضر الإبراهيمي عراب الخطة نظرياً وحضور خلفه ستيفان دي ميستورا من المحطات البارزة في سنوات جنيف، فمحاولته تدوير الزوايا وفشله في محاولات الحلول الجزئية باختيار عينة من الجغرافيا السورية لوقف إطلاق النار فيها، بعيداً عن كلية المشهد، أسقط مشروع الحلول المجتزأة وفق أية معايير، وأثبت أنّ معالجة المسائل ومحاربة الإرهاب لا ترضى الانتقائية لتأتي الانتخابات الرئاسية في تموز 2014 لتنهي حملة استمرت لسنوات للنيل من شرعية الرئيس بشار الأسد، وأكدت أنّ أيّ مرحلة انتقالية كما ورد في بيان جنيف لا يمكنها أن تصل إلى مقام الرئاسة من دون استفتاء شعبي.
في الشأن الإقليمي خلطت تطورات الملف النووي أوراق جنيف، فإذا تمكنت واشنطن من إقصاء طهران من «جنيف 2» فها هي تعترف ولو على مضض بأنّ غيابها ساهم في إسقاط المؤتمر، وتدرك بأنه لا يمكنها أن تسير بالنسخة الثالثة من دون حضور إيران النووية باعتراف دولي على الطاولة السورية، ومن سوء حظ واشنطن أنّ حلفاءها الإقليميين في حال يرثى لها، فأردوغان سقط في الضربة القاضية الانتخابية، وبات خارج الحسابات المحلية، فكيف يمكنها الرهان عليه في الشأن السوري، فيما السعودي يستجدي من ينقذه من ورطته اليمنية، ولم يجد إلا المنقذ الروسي صاحب المعجزة في السياسة السورية، فيما المعجزة الحقيقية هي السياسة السورية التي عرفت كيف تدوّر الزوايا وتغتنم النقاط طوال سنوات الأزمة.
على الارض أنهت السنوات الثلاث بمعاركها من حلب إلى القلمون مروراُ بحمص وريف دمشق مسرحية «المعارضة المسلحة المعتدلة» بفصائلها المتعددة التسميات وظهرت بوجهها الأوحد تنظيم «داعش» الإرهابي كحصيلة الدعم الدولي والاقليمي لتلك التنظيمات، والذي بدا واضحاً بتمدّده الجغرافي خلال عام واحد من عمر التنظيم، حيث حقق ما تعجز عنه جيوش متطورة في العدة والعتاد والمقاتلين، ورغم كلّ الدعم لـ»داعش» وأخواتها صمد الجيش السوري ومحور المقاومة وحقق إنجازات كفيلة بضرب مخططات العدوان على سورية من الشمال إلى الجنوب ومن عين العرب إلى القنيطرة مروراً بالقلمون.
خريطة الطريق السورية الحقيقية يكتبها رجال الله في الميدان وأذكياء السياسة وصانعي معجزاتها فيما تبقى خريطة جنيف العرجاء تتلمّس طريقها بعد ثلاث سنوات من كتابتها.
«توب نيوز»