عرس الديمقراطية السورية ـ مراوحة مغلقة لبنانياً ـ مصر الدولة تنتصر وليست الناصرية

ناصر قنديل

العرس الذي أقامه السوريون أمس أمام سفارتهم في بيروت والطرق المؤدية إليها أدهش العالم وحسم أشياء كثيرة، أولها أن ما يجري في لبنان المتعدد الأمزجة والمواقف تجاه ما يجري في سورية ليس حاضنة خالصة لخيار الوقوف مع سورية الدولة والجيش والرئيس، وهو لبنان الذي تتشكل حكومته ومجلسه النيابي وأجهزته الأمنية ووسائل إعلامه من الإتجاهين المتناقضين، اللذين يتقاسمان ولاءات السوريين، والأكيد أن ما جرى لا يصلح قياساً لما سيجري في سورية، بل لما كان سيجري في سورية لو كانت الانتخابات تجري في سورية بعد عودة جميع المغتربين والنازحين والمسلحين والمعارضين، الذين يتواجد منهم مكون معبر ووزان في لبنان يتناسب مع حجم الحاضنة التي يشكلها بعض لبنان السياسي والإعلامي والأمني للمعارضة بكل صنوفها، فلبنان هو سورية المتعددة بكل ما في تعددها من مشاهد نافرة، والتعبير السياسي السوري في لبنان هو نموذج عن توزع الرأي العام السوري بأمانة كأنه تحت سلطة محايدة بكل ما توفره السلطة المحايدة من ضمانات لحرية التعبير، فما حمله مشهد السوريين في لبنان يكفي ليقول ماذا ومن يريد السوريون إذا أتيحت لهم الفرصة، وما هي نسب توزعهم حول خياري الدولة والمعارضة، وعلى كل حال بيانات ومواقف قوى الرابع عشر من آذار كافية للدلالة أين هم السوريون؟

النموذج الذي نراه أمامنا في لبنان من تناوب المراوحة في المكان بين جلسات انتخابية رئاسية تنتهي بتحديد موعد لاحق، وجلسات تشريعية لا تكتمل لإقرار سلسلة الرتب والرواتب، سيكون مكرراً لأجل غير مسمى، حتى يعترف الذين وقفوا وراء ترشيح سمير جعجع أن هذا الترشيح فقد وظيفته بسقوط التمديد كمشروع سياسي دولي وإقليمي في إطار الحرب على سورية والمقاومة، ويعودوا للبننة الرئاسة بالبحث مع الشريك الذي من دونه لا رئاسة، للبحث بالخيارات التي اعترفوا أنها قابلة للبحث تحت مسمى التوافق وجعجع هو من نقل عن الرئيس سعد الحريري قوله إن العماد ميشال عون أحد الخيارات الرئاسية التوافقية، والمعني هنا أن لا سبب لاستبعاده كمرشح يحمل هذه الصفة، بل يعني أن القضية ليست شخصه ولا هويته السياسية بل بالبحث بمضمون التسوية المتاحة معه ليتحول من مرشح توافقي محتمل إلى مرشح توافقي فعلي، وهنا السؤال هل التسوية التي لا تنضج مع العماد عون كمرشح يمكن أن تنضج معه كناخب، أم أن المنطق يقول العكس تماماً حيث يمكن للعماد عون ومن ورائه حلفاؤه قبول تسوية أقل مردوداً إذا كان الرئيس من صفهم بل أقوى من في صفهم، بينما عندما يصبح التوافق على اسم أقل انتماء وقوة، فالتسوية ستكون شروطها تعوض هذا الفارق منطقياً، فالمشكلة بحالة عون كانت لو قال الحريري إنه لا يصح كمشروع رئاسي توافقي لشخصه أو لهويته السياسية، أما وأن لا مشكل بطرحه تحت هذا العنوان، فالخلاصة المنطقية هي أن التسوية التي يستعصي التوصل إليها لتسهيل وصول المرشح التوافقي ميشال عون لا يمكن التوصل إليها مطلقاً تحت اسم مرشح آخر مع عون الناخب، إلا إذا كانت تجري عملية البحث عن التسوية تحت فرضية أن عون المرشح يجب أن يدفع ثمن القبول به بتنازلات يقدمها من حساب ثوابت عون الناخب وتحالفاته، وفي هذه الحالة يصبح مستعصياً التفاهم مع ميشال عون بصفتيه مرشحاً وناخباً.

النتائج المعلومة للانتخابات المصرية بقوة اندفاعات مزاج الشارع المصري وليس بأي اعتبار آخر، تعني أن المشير عبد الفتاح السيسي سيكون خلال الأيام المقبلة بنسبة تأييد تفوق التسعين في المئة من أصوات الناخبين المصريين رئيساً لجمهورية مصر العربية، وهذا يعني أن مصر بعيداً عن حلم ناصرية جدية يتشبه بها كل من المرشحين، تنتصر لفكرة الدولة بوجه الفوضى التي يمثلها مشروع التصادم مع الإخوان المسلمين ومخاطره، التي لا نقاش على كونها التحدي الرئيسي الذي يتعامل من خلاله المصريون الذين خرجوا قبل أحد عشر شهراً إلى الميادين لحسمه، وهم يقولون في صناديق الاقتراع أن خير من يتولى هذه المهمة هو الجيش الذي محضوه ثقتهم منذ الثلاثين من حزيران الماضي، وهم يجددونها بشخص رجل الجيش القوي من دون أن ينتقصوا من مؤهلات مواقف المرشح المنافس حمدين صباحي، بقدر كونه عنواناً لحل سياسي لا يريده المصريون مع الإخوان، لكون المرشح صباحي يملك أداة وحيدة هي المبادرات السياسية، ويخشى أن يؤدي إحباط المؤسسة العسكرية بفشل مرشحها إلى إضعاف حماستها الضرورية للفوز بهذه المعركة التاريخية في حياة مصر والمصريين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى