سورية في الانتخابات… معركة سيادة وكسر للإرادة الأجنبية
العميد د. أمين محمد حطيط
من يتابع الحركة الدولية ذات الصلة بالانتخابات الرئاسية السورية يجد نفسه مجدداً أمام معركة شرسة تنفذ في سياق الحرب الكونية التي يشنها الاستعمار الحديث ضد سورية بذاتها، وضد محور المقاومة الذي تشكل سورية قلعته الوسطى، إذ لم يحدث في التاريخ أن حظيت انتخابات داخلية في بلد من دول المعمورة كلها بمثل هذا الاهتمام الذي يتقدم على الانتخابات الأميركية ذاتها، ولا بمثل هذا الحجم من التدخل ومحاولات التعطيل الذي يمارسه أعداء سورية سلاحاً يشحذونه في مواجهة الشعب السوري التواق إلى الحرية والمتمسك بسيادته وقراره المستقل، ومع هذا المشهد الاستثنائي جداً بكامل جزئياته وما يتصل به تطرح أسئلة عديدة من قبيل: لماذا هذا الاهتمام وهذا التدخل؟ والى أين يمكن أن يقود هذا السلوك، وهل سيؤثر في الانتخابات بذاتها لناحية الإجراء، أو في الانتخابات لناحية النتائج والمفاعيل؟
في البدء نرى من المفيد أن نتوقف عند ما قام ويقوم به من قرر العدوان على سورية ويستمر في عدوانه عليها منذ نيف و39 شهراً اتسمت بتقلبات ومتغيرات شتى قادت في ميدانها الأخير ومن خلال المواجهات العسكرية التي حفلت بها الى رسم صورة واضحة للمسرح ينبئ بشكل قاطع بأن الحرب الأساسية التي شنت على سورية فشلت في تحقيق أهدافها وانفرط عقد جبهتها الرئيسية، من دون أن يتخلى المخطط عن سلوك انتقامي تدميري يريد ممارسته في سورية انتقاماً لفشله في حربه عليها. وهنا نتوقف فحسب عند الممارسات السياسة ذات الصلة بالرئيس والنظام والحكومة السورية التي تمسسك بمقاليد السلطة وفقاً لدستور اعتمده الشعب عبر استفتاء عام. وفي سياق تلك المواقف الأجنبية العدوانية نذكر:
أ ــ مسارعة الجامعة العربية في الأشهر الأولى لما سمي زوراً بـ»ثورة سورية « الى اتخاذ الموقف العدواني من الرئيس بشار الأسد ومطالبته بالتنحي ومغادرة السلطة التي قاده إليها انتخاب وقرار شعبي اعتمد وفقاً لدستور نافذ في سورية، وهذه المطالبة على ما يعلم الجميع انتهاك لميثاق الجامعة العربية، وتدخل فظّ في الشؤون الداخلية لدولة عضو مؤسس للجامعة، وتعدّ على سيادة دولة مستقلة، ما حمّل سورية المتمسكة بسيادتها واستقلالها على رفض الموقف العدوان على القيم والحقوق الوطنية السورية.
ب ـ إقدام مجموعة من دول أجنبية وعربية على دعم أو مساعدة أو تشكيل هيئات سورية تحت تسميات متعدّدة مجلس وطني ائتلاف وطني معارضة وتنسيقات، إلخ ثم إضفاء «شرعية تمثيل الشعب السوري» على هذه الدمى المصنّعة من غير اكتراث بإرادة الشعب السوري الحقيقي ومن غير العودة إليه أو الوقوف على رأيه استئناساً به، بل العكس هو ما حصل، فهذه الدول كانت تجري عبر أجهزتها الأمنية والاستخبارية الظاهرة أو المقنعة بأقنعة إعلامية أو وجوه مراكز الأبحاث، كانت تُجرى استطلاعات للرأي وتتوصل الى نتيجة مفادها أن الشعب السوري متمسك بحكومته الشرعية، وأكثر دقة أنه متمسك بالرئيس بشار الأسد نفسه الذي كانت تؤكد الاستطلاعات الغربية المذكورة حيازته ثقة وتأييد لا تقل عن 70 من الشعب السوري، ورغم ذلك كان الإصرار على المواقف العدوانية المناهضة لإرادة الشعب الذي يدّعون العمل لمصلحته ويفرضون عليه من يمثله.
ت ـ الإعلان الوقح من قبل رؤساء دول غربية أو عربية أن الرئيس بشار الأسد فقد شرعيته، أو أن شرعيته سقطت، والتصرف كما لو كانت شرعية الرئيس تمنح أو تسقط بقرار أجنبي يصدر عبر الحدود دون أن تكون قراراً شعبياً سورياً داخلياً ينتج داخل الحدود السورية ويظهر في الخارج عملاً بقواعد السيادة الشعبية والوطنية سيادة الدول على إقليمها وشؤونها. ثم لا ننسى محاولات أو اشتراطات أعداء سورية للسير في الحل السلمي أن يصدر تعهد من الرئيس الأسد بعدم خوض الانتخابات الرئاسية.
ث ـ إقدام دول عربية وأجنبية منضوية في جبهة العدوان على سورية على إقفال سفارات سورية وقنصلياتها لديها أو سحب سفرائها المعتمدين لدى سورية والذين سبق أن تقدموا بأوراق اعتمادهم للرئيس الأسد بصفته رئيساً شرعياً للدولة السورية، ممارسات يراد منها التأكيد على عدم اعترافهم بشرعية الرئيس أو عدم رغبتهم في التعامل أو التعاطي معه أو مع أجهزته الرسمية التي يقودها، وتطور الموقف لدى البعض الى حد طرد السفير السوري المعتمد لديه مثلما فعل الأردن حديثاً مع السفير بهجت سليمان أو تقييد حركة السفير السوري على أرضه مثلما فعلت الولايات المتحدة الأميركية مع السفير بشار الجعفري سفير سورية لدى الأمم المتحدة إذ منع من الخروج من منطقة نيويورك حيث مقر المنظمة الدولية المعتمد لديها .
ج ـ ثم كانت القرارات المستهجنة من قبل بعض الدول أعداء سورية بمنع السوريين على أراضيها من ممارسة حقهم في الانتخابات عبر صناديق اقتراع تقام مراكزها داخل السفارات السورية، وهو موقف مخالف لأبسط قواعد القانون الدولي الناظمة للعلاقات الدبلوماسية وتنقل الأجانب على أرض دولة تستضيفهم، فبمجرّد منح الدولة تأشيرة الدخول يعطي صاحب التأشيرة الحق في التنقل، وإن وجود السفارة يعني قيام سيادة سورية على الحيز الجغرافي الذي تشغله السفارة.
في اختصار، التركيز على شخص الرئيس كان هدفاً رئيسياً للعدوان، بل اعتبره المعتدي الإنجاز الرئيسي الذي لا بد من تحقيقه حتى يقول إن المهاجم انتصر، ومن غير ذلك لا انتصار ولا نجاح في العدوان، وهنا برزت وبوضوح تام أهمية استمرار الرئيس الأسد في موقعه طوال الحرب، ثم التأكيد الآن على أهمية الانتخابات الرئاسية التي يشارك فيها الرئيس، إذ باتت تشكل معيار الانتصار والهزيمة، فالأسد يشكل ضمانة لاستمرار سورية في موقعها الاستراتيجي الحالي، وغيابه يعني تمكن العدوان من نقل سورية الى الضفة المعاكسة.
ـ أما في الجانب الآخر من الأسئلة المطروحة فنجد:
أ ـ ان الغرب يدرك أن إجراء الانتخابات الرئاسية بذاتها ولمجرد إجرائها هو تأكيد على قدرة الدولة السورية على الإمساك بزمام الأمور والسيطرة على إقليمها، ما يكذب جميع التخرصات والأكاذيب الغربية العدوانية.
ب ـ أن الانتخابات ستعيد تأكيد شرعية الرئيس التي لم تخدش يوماً في الواقع وهم يعلمون أنها قائمة وإن إنكارهم لها لا يعني أنها سقطت، بل إن الانتخابات تسقط ادعاءاتهم وأكاذيبهم وتبقى شرعية الرئيس قائمة لا تمس.
ت ـ أنهم يخشون صناديق الاقتراع لأنها تأتي الى الحكم بمن يريده الشعب السوري، وبمن يحاكي نبض الشارع السوري العاشق للحرية والمتمسك بالحقوق الوطنية وهم لا يتقبلون ذلك كلّه ويريدون أن يلغوا الإرادة الشعبية وينصبوا على سورية حفنة من الدمى العملاء التي تفرط بالسيادة وتهدر الحقوق، ومثلهم الأعلى اللبواني الذي صرّح علانية وبوقاحة تامة عن استعداده لبيع الجولان والاستسلام لـ«إسرائيل».
ث ـ أن الانتخابات ستعني مجدداً وعلى رؤوس الأشهاد أن سورية انتصرت في حربها الدفاعية وأن العدوان هزم، ولهذا يريدون تأخير إعلان هزيمتهم أو منع إعلانها إذا أمكن. خاصة أن الانتخابات التي ستأتي برئيس يمثل الإرادة الشعبية ستقضي نهائياً على حلمهم بحكومة انتقالية تجرد الرئيس من صلاحياته كما يتوهمون.
ج ـ أنهم يعلمون أن اعترافهم بنتائج الانتخابات أو عدمه سيان، إذ لن يؤثر على شرعيتها وشرعية الرئيس الذي ستؤكد عليه صناديق الاقتراع، فالعالم اليوم منقسم بين معسكرين على الأقل، أحدهما مع الحق السوري ويدعم المعركة الدفاعية السورية في وجه العدوان وهو جاهز للاعتراف بنتائج الانتخابات، حتى أن بعض دوله جاهزة لتلبية الطلب السوري في المشاركة في مواكبتها والاطلاع على كيفية إجرائها ودستوريتها، وبالتالي لن يكون لرفضهم قيمة قانونية طالما ان الانتخابات تُجرى بموجب القانون والدستور وتنظمها سلطة شرعية.
يرفض أعداء سورية الانتخابات الرئاسية السورية لأنها ستشكل معركة أخرى من معارك صراع الإرادات والصراع على سورية ومنها على المنطقة، وإجراء الانتخابات والتأكيد عبرها على رئاسة بشار الأسد لسورية سيكون صفعة مدوية يتلقاها جمع المعتدين على سورية، ولذلك نرى أن دور المواطن السوري المتجه الى مراكز الاقتراع للإدلاء بصوته واختيار من يريد رئيساً لسورية، سيكون مماثلاً لدور الجندي السوري الذي يواجه في الميدان الجماعات الإرهابية المسلحة، والدوران متكاملان. ونرى أن الاستطلاعات الغربية التي تؤكد على شعبية الرئيس الأسد هي استطلاعات دقيقة ستكرسه صناديق الاقتراع التي لن تحدد الرئيس السوري فحسب بل ستكرّس موقع قائد مميز يواجه الاستعمار لأجل وطنه ومنطقته والحرية في العالم.
أستاذ في كليات الحقوق اللبنانية