نداءات سورية… وتفجيرات تونس والكويت والشعب الذي صمت ليغتال نفسه

هشام الهبيشان

في البداية، أعزي أخوتي في الكويت وتونس، بالحدث الجلل الذي ألمّ بهم، فما أصابهم قد أصابنا جميعاً، وندعو بالرحمة للشهداء والشفاء العاجل للمصابين، وهنا أودّ أن أوجه هذه الرسالة للشعبين التونسي والكويتي تحديداً ولباقي الشعوب العربية التي ضربها الإرهاب، وأتمنى من أخوتي العرب أن يعذروني عليها لما بها وما عليها، ولكن يجب أن تقال ليسمعها الجميع.

هنا سأتحدث بصراحة ومكاشفة وبرسالة واضحة للجميع، وأقول: ألم يسمع الشعب الكويتي والتونسي والسعودي ووو إلخ… عن آلاف المقاتلين الإرهابيين الذين خرجوا من بلادهم وتوجهوا إلى سورية لذبح أهلها، ألم يسمع الكويتيون عن النائب السابق في مجلس الأمة الكويتي وليد الطبطبائي، الذي كان يشرف وبدعم من بعض الأنظمة الخليجية على تدريب وتسليح الآلاف من المقاتلين في حلب وغيرها، وهؤلاء الآن بمعظمهم هم جزء من هذه القوى التي بدأت تتمدد في العالم، بعد أن أكملت مهمتها بتدمير مساحة واسعة من شمال سورية وقتل وذبح وتشريد أهلها، ألم يقرأ الكويتيون التقرير الذي نشرته «القبس» الكويتية في مطلع شهر حزيران عام 2012، والذي تحدثت من خلاله عن عشرات المواطنين الكويتيين الذين عبروا الحدود التركية إلى سورية بقصد «الجهاد» إلى جانب «الجيش الحرّ» ضدّ قوات النظام السوري بحسب وصف الصحيفة حينها، والتي أضافت نقلاً عن أقارب هؤلاء، إنه بمجرد دخول المقاتلين إلى الأراضي السورية «يلتقون بممثلين عن الجيش الحر ويتمّ تزويدهم بالأسلحة على اعتبار «أنهم مدرّبون سابقاً، ويندمجون في وحدات قتالية توزع بطريقة معينة».

إنّ تقرير «القبس» هو واحد من عشرات بل مئات التقارير التي كانت تنشر وتتحدّث عن وجود عشرات بل مئات المقاتلين الكويتيين، الذين يذهبون لذبح الشعب السوري بحجة الجهاد، وللأسف كانت هذه العمليات تتمّ بدعم من بعض القوى الشعبية الكويتية، فكم حملة نظمت بالداخل الكويتي لدعم هؤلاء المتطرفين مالياً ولوجستياً! وكم حملة تمّت في الداخل الكويتي وسط صمت رسمي، تدعو الشباب الكويتي إلى التطرف والذهاب للقتال في سورية! وهنا وتحت عنوان «كويتيون ينظمون حملات تبرّع خاصة لتسليح المعارضة السورية»، نشرت صحيفة «القدس العربي» بتاريخ 23/06/2013 تقريراً شاملاً تحدثت فيه عن كيفية وطرق هذا الدعم وقالت: «على رغم أن تسليح المعارضة السورية يتعارض مع سياسة الحكومة الكويتية، الا أن الحكومة تسمح بقدر من النقاش العام أكثر من دول الخليج الأخرى وتتسامح مع الحملات التي تنظم في المنازل أو على مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت والتي يصعب السيطرة عليها»، وتنقل الصحيفة هنا عن فلاح الصواغ وهو عضو سابق عن المعارضة في مجلس الأمة الكويتي، قوله: «إنّ الدول الغربية والأمم المتحدة تخاذلت عن نصرة الشعب السوري والثورة السورية، ومع إعلان الجهاد بسورية من علماء المسلمين يجب التضحية بالمال والنفس ومن الطبيعي أن يتبرّع الناس للمقاتلين للدفاع عن أنفسهم»، وتتحدث الصحيفة بتقريرها عن كيفية هذا الدعم وتقول: «في اجتماع مسائي تقليدي يعرف باسم الديوانية وضع كويتيون أوراقاً نقدية في صندوق «مدشنين» حملة لتسليح ما يصل إلى 12 ألف من مقاتلي المعارضة السورية».

للأسف لقد صمتت غالبية الشعب الكويتي على هذه الممارسات التي كانت تمارسها هذه القوى في الكويت، وتستهدف سورية، وها هو الإرهاب الذي اصطنعته هذه يرتدّ اليوم وللأسف على الشعب الكويتي، وهذا ما كانت تحذر منه الدولة السورية، فلطالما حذرت سورية دول الإقليم تحديداً والعالم بشكل عام وكل الداعمين للحركات «الراديكالية»، من خطورة الإرهاب، ومن آثاره المستقبلية ليس على سورية فحسب بل على كل من دعم وساهم بتمدد هذا الإرهاب، ولطالما تحدثت الدولة السورية بالمنابر الدولية والعالمية وبمنبر الأمم المتحدة بالتحديد، من خطورة دعم الفكر المتطرف، ومن خطورة تتطور هذا التطرف وارتداده على صانعيه،وهو ما حصل بالفعل ويحصل هذه الأيام ويضرب السعودية وتونس والكويت وفرنسا وو…الخ، والمقبل من الأيام ينذر بمزيد من هذه الحوادث ليس فقط بهذه الدول، بل بكلّ دولة دعمت وساندت هذا الفكر «الراديكالي».

اليوم من الطبيعي أن تعيش بعض الأنظمة والشعوب الخليجية وبعض العربية في هذه المرحلة بين مطرقة أخطائها التاريخية وسندان سماحها وتساهلها أو حتى دعمها لممولي قوى التطرف في سورية، وهذا الأمر ينسحب كذلك على تونس التي ما زالت عواصف الإرهاب تعصف بها، وللأسف فقد كان لجزء من الشعب التونسي والنظام التونسي السابق، دور رئيسي بتمدد الفوضى والخراب والدمار بسورية، وقد صدرت تونس آلاف المقاتلين الراديكاليين إلى سورية، وما صرف على الكويت ينسحب كذلك على تونس، مع الجزم بأن تونس الرسمية حينها ساهمت بقدر أكبر بمسار دعم التطرف بسورية، وها هي اليوم بضاعتهم ترد إليهم، عشرات بل مئات المقاتلين الراديكاليين يعودون من سورية إلى تونس مشبعين بأفكار التطرف، وينفذون بين فترة وأخرى هجمات دامية تستهدف الداخل التونسي.

وهنا وبقراءة موضوعية، لمعظم ما جرى أخيراً في تونس والكويت وغيرها، نستطيع أن نستنتج أن المسؤول الرئيسي عما جرى في هذه الدول هي شعوبها، التي صمتت على القوى الراديكالية ببلادها والتي كانت تدعم الإرهاب في سورية، وإنْ كنت هنا أبرّئ الدولة الكويتية والنظام التونسي الجديد إلى حد ما من هذه المسؤولية، ولكن على هذه الحكومات أن تعترف وتقرّ بتقصيرها بالتصدي للقوى الراديكالية ببلادها وأنها سمحت وتساهلت مع هذه القوى التي كانت تدعم التطرف بسورية بما ساهم بتمدد التطرف داخل الكويت وتونس تحديداً، اليوم مطلوب من الدولة الكويتية والنظام التونسي الجديد، أن يتعاملوا بنهج مختلف مع كل القوى المتطرفة والأحزاب والشخصيات السياسية والدينية الداعمة للتطرف والموجودة على أراضي الدولتين، فهم المسؤولون الرئيسيون عن هذه التفجيرات، فحقدهم الطائفي والمذهبي والفكري الأعمى، قد يجر كل من تونس والكويت مستقبلاً إلى دوامة الفوضى.

ختاماً، يبدو أن نداءات الدولة السورية سابقاً لم تجد من يصغي لها، عندما كانت تحذر من تمدد الإرهاب على أراضيها المدعوم خارجياً، وحذرت بأكثر من مناسبة أن هذا الإرهاب سيرتد يوماً على صانعيه، وها هي أكثر من ساحة على امتداد الوطن العربي تعيش اليوم على وقع ارتداد الإرهاب على صانعيه، ومن هنا يبدو أن بعض هذه الدول المستهدفة بعواصف الإرهاب الذي يرتد عليها ستكون مضطرة اليوم وتحت وقع الإرهاب العائد إليها، لتصحيح أخطائها السابقة، والإنصات جيداً لنداءات سورية، بعد أن ذاقوا قليلاً مما ذاقه الشعب السوري جراء هذا الإرهاب المدعوم خارجياً، والسؤال هنا هل ستجد نداءات سورية صدى عربياً وإقليمياً ودولياً، لإنتاج منظومة واستراتيجية دولية واضحة المعالم لمحاربة هذا الإرهاب؟ الجواب ببساطة سنجده هنا بطريقة تعاطي كلتي الدولتين الكويتية والتونسية تحديداً مع ما جرى أخيراً ببلديهما، مع أن الرئيس التونسي السبسي «أعلن صراحة أنه مع إيجاد هذه المنظومة الدولية وتعهد مكافحة قوى التطرف داخل بلاده، ومع ذلك سننتظر الأيام القليلة المقبلة، لاستيضاح طريقة تعاطي دول المنطقة والعالم ككل مع ملف الإرهاب العالمي، وعن دور سورية والجيش العربي السوري في مكافحة هذا الإرهاب.

كاتب وناشط سياسي – الأردن

hesham.awamleh yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى