صباحات
قال الصباح: الشام ممرّ يحتاجه كل من أراد العبور من نقطة الجغرافيا الأهمّ إلى نقطة التاريخ الأهمّ. وكذلك كل من يريد الانتقام من التاريخ والجغرافيا. لذلك يتلقي في الشام كل أهل الخير وكل أهل الشر وكل المنازلات الفاصلة بينهما. ما لم تكن في الشام فهي مناورة لمنازلة أشد قسوة منها، لا بدّ أن تجري في الشام وعبر مسار الحروب. نعلم أن الامبراطوريات التي زالت كان زوالها من نقطة انطلاق حرب في الشام، وكل امبراطورية صعدت كانت نقطة بدايتها حرب في الشام… لذلك يخطئ السوريون عندما يردّدون كلام غسان تويني عن حروب الآخرين على أرضنا، فهي حرب الشر الطامع واستنفار الخير رادع الشرّ الطامع بالشام ليسود والخير يستنفر لها، لأنها قلب الوجود. فالفخر للشام أنها نقطة الخير الأزلية يطمع بها كل الأشرار ويتسنفر لها كل الأخيار… صباحكم شام وياسمين وخير.
بيّنة الخير 27/6/2015
قال الصباح: إن معيار انتماء الإنسان إلى جماعة، هو مقدار الخير الذي يجلبه لهم. ومن ليس منه بيّنة الخير، لا خير فيه مهما كان ادّعاؤه. ومقدار الخير علم يستفاد منه، أو قتال يحمي ثغوراً وأرضاً وعرضاً وكرامات. أو عرقاً يبذل لبناء وعمران، أو مال ينفق للأخذ بيد المحتاج والسائل، وشرطه كله عدم الإفادة مجداً وجاهاً بالتباهي. فالمجد والجاه الآتيان تحت قبة التواضع والخجل عرفاناً من الناس وحدهما يقبلان كعلامة خير الناس للناس. ويتقدم الناس مقاماً ليس من يرفع بينهم سقفه كلاماً، بل من تسبقه أفعاله في الحديث عنه… راقبوا من حولكم ووزّعوا علامات امتحان الخير تحسنون الاختيار لصباحاتكم… ولو فعلتموها كل صباح لما وقعتم في الوهم والخداع، لأن الناس أمام غموض الحياة والموت والغاز. النفس الإنسانية تأنس لمن يحدثها عن نفسها لا عمّا يهم الناس… لا تنشغلوا بما كان فإن لنا بما سيكون شغلاً… أن نستعد له لا أن نتحدث عنه وننتظر… وما كان عموماً يخصّنا وحدنا وما سيكون يخصّ الناس كلهم… صباحكم خير.
البوصلة 28/6/2015
قال الصباح: قريب تراه بعيداً وبعيد تراه قريباً. تلك هي معادلات دوران الليل والنهار والسفر كما هي معادلات الفكر والسياسة والقربى والحبّ والصداقة وتبدلات الناس. المهم أن تحددوا بوصلة واحدة لا تحيدوا عنها في رسم المسافات. فتشعرون بالإنصاف والرضى. ووحدهم الذين يملكون لكل مزاج وطبع وحالة وخصوصية معياراً وحساباً وبوصلة يرتاحون إذا حكمهم الغرور أو المصلحة لهذا يبدو الغرور مرضاً شبيهاً بالوصولية، ويبدو التواضع فضيلة شبيهة بالتنسك. ومن يسأل نفسه كل يوم هل يبني علاقاته ومواقفه على قياس افتراض أنه محور الكون أم على أساس أنه خادم لمن يحيطون به، أو أين هو بين الحالتين، يعرف كيف يضع قدميه على أي أرض، وأين يضع رأسه على أي وسادة… طوبى لمن ينامون وهم يتوقعون أن إغماضة العين هي آخر علمهم بالحياة، لأنهم لن يخطئوا بحق وطن أو قضية أو أهل أو أصدقاء وأحبة… يعلم الناس أن الصباح سيبقى يطلع وسيكون بين الصباحات ما لا يشهده الناس أنفسهم. فمنهم من يغادر ومنهم من يدخل الحياة جديداً… فهل يمكن أن يخطئ من يتعامل كل صباح أنه الأخير؟ هذه بداية الحقيقة وطريق الحق… تواضعوا إنكم زائلون… صباحكم خير.
حلقة مفرغة 29/6/2015
قال الصباح: نصف مكانة الناس عند الناس ظنونهم بهم. ونصفها الآخر لغتهم معهم. فمن كان سهل الشك والظن بالسوء بالآخر، وسهل الانتقال في التخاطب معه بلغة ملؤها القسوة مهما كان محباً ومتعلقاً بهذا الآخر، لا يفعل سوى تدميره. ويعرف الآباء والأمهات كم يترتب على ميلهم نحو تصديق ما يتهم به أحد ابنائهم واستسهال توبيخه من نتيجة مدمرة يصعب ترميم آثارها كما يصعب عليهم التخلص من هذه العادة، خشية أن يكونوا مخطئين في حسن الظن، فيزيد الإبن في الثقة بفعالية تذاكيه. ويخشون أن يؤدي تساهلهم في التخاطب بلغة لينة إلى مردود عكسيّ في تسهيل التكرار لسهولة النتيجة. وتستسمر الحلقة المفرغة خصوصاً مع أطفال نوابغ تكون بعض تصرفاتهم الشقية التي أسّست لهذا السلوك الظالم من الأهل تعبيراً عن فرادتهم وبراءتهم، ولكنها تصاحبهم بشعور بالظلم وهم لا يحملون لأهلهم إلا الحبّ. فيكبر هؤلاء الأولاد وحيدين، وبينهم وبين العائلة جدار جليد على رغم حرارة الابتسامات. ويشعرون أن أيّاً من أخوتهم يسهل عليه بأقل من صدقهم وأضعف من جهدهم حصاد الرضى، ويراقبون بدقة خطاب الأهل مع أخوتهم ويستغربون نعومة الكلام وهم واثقون أن أخوتهم أقل منهم استحقاقاً له. ويلمسون حسن الظن وبين أيديهم ما يؤكد كم هو في غير مكانه. فينمو الشعور بلا جدوى السعي لكسب الثقة. ويصمد قليل منهم على الطريق السويّ وينحرف الكثيرون تحت عنوان أنا الغريق فما خوفي من البلل، أو لا فائدة ترجى من حسن السلوك وبذل الجهود لنيل الرضى… فهل تنتبهون لخطورة ما تفعلون بسوء الظن من حسن الفطن؟ والكلمة القاسية هي تعبير عن قوة الشخصية. وعدم التسامح مع الخطأ… نظريتان بائستان تافهتان في التربية خصوصاً، والسلوك الاجتماعي عموماً… يكفي الانصاف معياراً… يصحّ هذا في السياسة كثيراً لكنه لا يعبّر إلا عن شخصيات مريضة بالانتهازية والمعايير المزدوجة والنفاق… صباحكم خير مدخله الإنصاف.
ابتهال 30/6/2015
قال الصباح: اللهم لم يصم لساني عن أذية من لا يستحق ومجاملة من لا يستحق. ولم أنجح بالصيام عن الغضب ولا بكظم الغيظ. ولا نجحت بإجابة لهفة من كان ينتظر منّي حسن المعاملة وأنا قادر عليها، أو تلبية حاجة محتاج وكانت بيدي. ولا بادرت لكسر جليد مع من أعلم فيهم طيب النفس والسيرة ولا لسدّ النوافذ مع من وما يأخذني عن العمل الجاد والتفكير المنتج. فاستطيبت إضاعة الوقت ووجدت لكل وقت ضائع تبريراً، ولكل انصراف عذراً. لكنني صادق في نيّتي لطلب مرضاتك، ومصمم على فهم غاياتك ونيل ما استطيع منها وأقترب أكثر من طريق التمييز بين الصحّ والخطأ، بعدما كنت أدعي أنني لا أحتاج إلى بحث لأعرف ولا إلى اختبار لأتعلم. وكنت أنصرف في شهر الصيام لمغادرة موائد الطعام فصرت أعلم أن الطعام رمز لكل اندفاع نسمّيه عفوية. وهو غريزة التملك والتباهي والتسلية والفوضى والكسل والنوم والغرور والتعالي والتسلّط. و بين غريزة لا تؤذي أحداً وهي إشباع البطون وغريزة الإنسان للتسلط والتعالي والغرور والتملك والمصلحة حتى الجنون، وما فيها من أذى للغير، قررت مواصلة شهرك بصيام الطعام لكنه مشفوع بالصيام الذي يتعب الجسد ويقلق الروح ولا ينال الا بعضه وقد أمضينا العمر في رفضه. وهو الصيام الذي يطهّر النفس ويجعلها منذورة للعطاء توزّع الحب والابتسامة والفرح على الناس بعدل وإنصاف وسخاء … لمن يستحق ولو أذاني ولمن يحتاج أتذكره ولو نسيني، ولمن يسألني وأعلم سؤاله ولو كان لا يريد أن يسمعني أو يراني، وأن أعلم أن البيوت المقفلة دار سكينة وأن السكينة الكبرى في الدار الأكبر هي حماية أوطاني، فأعلم أن أمانها هو أماني…. وأن أرى الناس لا نفسي وهموم الناس ويأس المتعبين وآمالهم لا أملي ولا يأسي في يقظتي ومنامي… اللهم تقبل صيامي… فليكن هذا دعاؤكم هذا الصباح.
وضوح وسطوع 1/7/2015
قال الصباح: من رأى الضوء واتّبعه، قاده إلى الصباح. ومن أراد أن يراه فهو بسيط واضح ساطع يبان عن بعد من دون حاجة إلى التدقيق. فإن سألت الناس ما هذا قالوا إنه الصباح. ودم الشهداء ساطع واضح بسيط كضوء الصباح. ودفء حضن الأم بسيط وواضح مثلهما. والوطن إحساس لا يحتاج شرحاً في العقل إلا لزوم التدوين والظلم شعور قبل أن يشرح في كتب الثوار. والحرب فعل نار يحاول المؤرخون وصفها ولا يقدرون، لكنهم يريدون جعل الكلمات أقرب ما تكون إليها. الحقائق الساطعة لا يختلف عليها الناس بالفطرة. ومن أراد إيجاد الاختلاف بالعقل فلأن لديه حقيقته المشوّهة التي يريد فرضها لضعف رؤيا، على رغم ادّعاء العقل أو لمصلحة على رغم نذور العفة. ويمين القَسَم كفواصل للكلام، أو كبحث عن مجد زائف أو تمسك بنبض قلب راجف أو تزيين لبعض المواقف. فلا تنصتوا لهم ولا تضيعوا وقتاً في جدالهم، لكن لا تدعوا فرصة مجادلتكم واستهلاك صدق اليقين بما يقوله الضوء الساطع لكم. وثقوا أنهم عندما يأتون إلى حقيقتكم سيكونون قد رأوها بالعين المشوّهة ذاتها التي رأوا بها من قبل. فافتحوا لهم باب الدار لكن دعوا أبواب القلوب تتحقق من أن الداخلين لا ينقلبون مع كل نسمة هواء وتبدل في ريح أهوائهم، يجعلون حياتكم سقماً ويهلك وقتكم وتموت روحكم لأنهم لا يدعون لها لحظة صفاء لا يفسدونها بجدال عقيم… قولوا لهم اتبعوا نور قلوبكم ولا تقفوا معنا يكفي أن تكونوا بما أنتم مؤمنين، وكما أنتم مؤمنين فبئس الجدال في ضوء الصباح عندما يختلف عليه الناس، والوطن عندما يحتاج إلى إثبات.
أزمان 2/7/2015
قال الصباح: «داعش» والمقاومة خياران يختصران الإسلام. وليس أحدهما بغريب عنه ولا دخيل عليه. وتناوب عصور الإسلام كان بينهما زمن لـ«داعش» وزمن للمقاومة. فزمن عمر بن الخطاب كزمن علي بن أبي طالب كان للمقاومة. وزمن يزيد كزمن من قبله ومن بعده كان لـ«داعش». والقضية ليست سنّة وشيعة. وزمن عمر بن عبد العزيز كذلك كان للمقاومة وزمن الأئمة كان للمقاومة بلا نقاش. وزمن بني سعود «داعشيّ» بامتياز. وزمن السيد حسن نصر الله للمقاومة بلا ريب. وفي الإسلام لكل منهما نصيب… نصيب للغزوات وتقاسم المغانم والسبايا، ونصيب للعزة بالقوة، وأعدوا لهم لكنه زمن للمودة والرحمة والإنسان… نصيب لما طاب لكم ونصيب للإنسان ليطغى أن رآه استغنى… نصيب للتكفير وأولئك هم المشركون. ونصيب للتفكير وللا إكراه في الدين… وسينتصر في نهاية الطريق أحدهما لتكتمل للإسلام صورة لم تكتمل من قبل، وليس صحيحاً القول إنها اكتملت.