رياضيات في الكلام

وراء كلّ رجل عظيم امرأة صامتة لا تستنزف وقته، وتواكبه بالدعاء والمشورة عندما يسأل. وامرأة تستهلك وقته بالكلام وطاقته بالانشغال، وتأخذ تفكيره إليها عن موارد العظمة وصناعتها. وفي نهاية الطريق تبقى واحدة وترحل الأخرى من حياته، حتى لو بقيتا قربها كلتاهما، فيكون قد قرر مسيرة حياته ومصيرها. قد تكون الأولى هي الأمّ والثانية هي الزوجة، وقد تكون الأولى هي الزوجة والثانية هي الصديقة أو الأخت أو الحبيبة، وقد تكون الأولى هي الإبنة والثانية هي الزوجة… لكن المهم أنهما موجودتان وعلى خياره يتوقف مساره.

لكل شيء أعمار وأمراض كما الأجساد، إلا الحق فلا يمرض ولا يفنى ولا يعتلّ ولا يموت، حتى لو مرض أصحابه وماتوا… وما عداه من عمل ومال وحبّ وصداقة وحزن وفرح ونجاح وفشل، فله مثل الأجساد عمر ومرض وفناء.

أصدق صدقة هي العلم الجاري كنهر جارٍ يزداد بالتدفق كلما امتلأت خزائنه. والخزائن هي الكتب، ومن لا يصادق كتاباً لا علم عنده ولو تكلم على مدار ساعات العمر بكل ميادين المعرفة. فهو ليس نهراً يجري بماء عذب، إنما بحر هائج بمشاعر وعواطف. ولا شُرِب ماؤه ولا يصلح للوضوء، وموجه خطر وتقلباته مميتة. وأخطر البحار المغلق منها والمكتفي بذاته، فيبقى يضيق حتى يصير البحر الميت ملحاً تذاب فيه الماء والملح هو المشاعر والماء هي المعارف.

إذا تباعد اثنان بعد طول لقاء، فقد افترقت العقول وكان اللقاء محض مشاعر في القلوب. ولكنهما إذا عادا ليلتقيا مجدّداً، فالعقول قد تتلاقى لكن القلوب تحجّرت ولو لم تتغير الابتسامات. وافتراق العقول نعمة إذا كان عن علم سقط بسببه أحدهما في ميزان الآخر، ونقمة إذا تمادى أحدهما في ادّعاء العلم على الآخر. أما افتراق القلوب فنقمة، كيفما كانت رياحه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى