في التعديل الوزاري وإقالة ياسر عبد ربه
رامز مصطفى
رئيس «الشاباك» الصهيوني يورام كوهين، يُصرّح بأنّ العمل الفلسطيني المنظم يواجه مصاعب، جراء عمليات الإحباط «الإسرائيلي». وإنْ كنا لا نسلم على الإطلاق بما يتحدث به أعداؤنا في الكيان، ولكن بين ثنايا كلامه ما هو صواب وحقيقة، وإنْ جاء كلامه من موقع التبجّح والتعالي والغطرسة. أليست الحال الفلسطينية في مجموعها تشير إلى هذا الاتجاه، والذي يتمثل في أنه لا يُبشر بالخير للقضية وعناوينها الوطنية، وبالتالي انعكاس تداعياتها يصل إلى جموع الشعب الفلسطيني أينما تواجد في الوطن والشتات.
آخر مشاهد السوء في إدارة المشهد الفلسطيني بكلّ عناوينه وتشعّباته وتفرّعاته السياسية والمؤسساتية والاقتصادية والأمنية، هو صبّ الزيت على نار الانقسام الذي يُطيح بكلّ شيء في الساحة الفلسطينية، والذي يذهب باتجاه الانقسام الجغرافي بعد السياسي للأسف. وهذا ما يسعى إليه قادة الكيان «الإسرائيلي» في تكريس هذا الانقسام، على اعتبار أنّ عينها الحقيقية على الضفة الغربية. وما يزيد من حدّة هذا الانقسام وصعوبة الخروج منه أقله في الأفق القريب، هو تشكيل حكومة السلطة الفلسطينية، والسجال الذي دار حولها بين طرفي الانقسام حركتي حماس وفتح.
وبغضّ النظر عن صوابية أي من موقفيهما حول الحكومة، من المؤكد أنّ تشكليها لم يكن من خلفية المساهمة في الخروج من المأزق، ومواجهة التحديات، بل من خلفيات تستجيب لما تسعى إليه السلطة الفلسطينية في ظلّ الحديث عن التهدئة الطويلة في القطاع، والسلطة من خارجها. وعلى ما انتهت إليه اجتماعات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية يوم الثلاثاء الماضي، والمضيّ في العناد السياسي بدل القول إنه الكيد السياسي، والذي خلص إلى تعديل وزاري، اعتبرته حركة حماس نسفاً للمصالحة وربما أنهى اتفاق مخيم الشاطئ في نيسان 2014.
هذا القرار الذي سيحرّر حماس من التزاماتها اتجاه المصالحة ومتطلباتها. وقد يؤدّي إلى المحظور في توجهات سياسية جديدة على وقع الحديث القويّ عن التهدئة، على الرغم من تأكيد أعلى المراجع القيادية في حركة حماس عدم الذهاب في هذا الاتجاه، ومن ثم إبداء الحرص على وحدة الموقف لقوى المقاومة من وطنية وإسلامية. ليأتي قرار إقالة ياسر عبد ربه بصفته أمين سرّ اللجنة التنفيذية للمنظمة، ليؤكد شدّة الارتباك في المشهد الفلسطيني الرسمي إذا ما جاز التعبير.
صحيح أنّ إقالة عبد ربه لن تترك أية تداعيات تُذكر، من خلفية أنّ المذكور ليس لديه أي حيثية تنظيمية أو شعبية تذكر، تستطيع أن تتحرك للضغط على اللجنة التنفيذية ورئيسها. والصحيح أكثر أنّ عبد ربه لعب خلال احتلاله هذا المنصب – الذي منحه إياه من استردّه من جديد، وأعني رئيس السلطة السيد محمود عباس، لعب دوراً سياسياً غير محمود، إنْ لن نقل مشبوهاً، فهو أساء إلى الكثير من الفصائل والشخصيات الوطنية، وحتى إلى دول بعينها، وهو بِاختصار وبحسب الكثيرين رجل المواقف المبتذلة والرخيصة واللاوطنية. ولكن هذا لا يُلغي حقيقة أنّ إقالة عبد ربه وإنْ أفرحت الكثيرين، وفتحت الباب أمام شهوة الكثير من الطامعين والطامحين في أن يحلوا محله، لم تأت من خلفية أنّ عبد ربه قد ارتكب أخطاء تنظيمية أو سياسية، وهو كذلك وأكثر. ولكن من خلفية تصفية للحسابات أقدم عليها رئيس السلطة، بحسب الكثير من المصادر ووسائل الإعلام، والتي أكدت ومنذ فترة طويلة أنّ السيد رئيس السلطة قد مهّد لخطوة الإقالة بسلسلة من الإجراءات التي كانت تشير بوضوح إلى ما وصلت إليه هذه الخاتمة التي أراها ويراها الكثيرون إيجابية فقط من خلفية أنّ ياسر عبد ربه «عبد سيدو» كما يحلو للكثيرين مخاطبته به، غير مأسوف عليه. اما الحديث عن قانونية هذا الإجراء من عدمه فهذا شيء آخر، على اعتبار أن جميع المؤسسات في السلطة والمنظمة فاقدة لمشروعيتها القانونية بحسب القوانين والأنظمة لهذه المؤسسات، وعليه فإنّ النقاش على أساس مشروعية هذا القرار من عدمه غير مجد. وخطوة الإقالة هذه، إذا ما افترضنا أنها تصبّ في المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، إنما تستلزم بالضرورة إعادة النظر في مجمل السياسات التنظيمية والمؤسساتية، وإصلاح هياكلها وبناها وما اعتراها من فساد وإفساد إداري ومالي وسياسي، من شأن السكوت عليه، والهروب نحو سياسة الترقيع، من شأنه أن يُطيح بكلّ شيء، ويُسهّل على الغاصب الصهيوني وقيادات كيانه أن يفرضوا المزيد من وقائعه الميدانية في التهويد والاستيطان والاعتقال والاغتيال والإبقاء على حصار قطاع غزة. وقولهم، أيّ قادة الكيان، «إنّ ما يبقينا على السلطة هو تنسيقها الأمني معنا».
إنّ المنسوب المرتفع في حجم الإرتباك الذي تعيشه الساحة الفلسطينية بمشهديها المتمثل في السلطة والمنظمة، إنما يُدلل على الحاجة في البدء بمراجعة تقييمية لما وصلت إليه الأوضاع المتردّية على غير صعيد في ساحتنا، والذي يعكس نفسه على الأداء السياسي والوطني، في ظلّ منطقة ملتهبة، وحروب تنهش دولها، والخاسر في نهاية المطاف هو قضيتنا وعناوينها الوطنية. والمؤسف أنّ أفق ما نتحدث عنه بعيد المنال في ظلّ قيادة مرتبكة يعتريها العجز والوهن.