من روسيا… هنا سورية: تأكيد على ثبات المواقف وصوابية الرؤية في ارتداد ا رهاب على مشغّليه
محمد نادر العمري
حملت زيارة رئيس هرم الديبلوماسية السورية وليد المعلم إلى روسيا الاتحادية ولقائه مع المسؤولين الروس وفي مقدّمتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أهمية في توقيتها ومضمونها، فالمنطقة اليوم تعيش مرحلة على درجة بالغة من الدقة وحبس ا نفاس مع إمكانية الوصول إلى اتفاق نهائي بين إيران ودول 5+1 وما لذلك من انعكاسات إيجابية وانفراجات في عدد من ملفات المنطقة في حال التوصل إلى هذا الاتفاق، أو التشابك والتعقيد والتصعيد الذي قد يميّز العلاقات في المنطقة في حال عدم التوصل إلى توقيع نهائي ونجاح المحافظين الجدد والكيان الصهيوني والسعودية في عرقلة إنجاز هذا ااتفاق.
وفي المقلب الآخر ورغم أنّ هذه الزيارة تمّ ا علان عنها قبل أسبوع تقريباً، إلا أنها جاءت بعد عدد من الهجمات ا رهابية التي ارتدت على الدول التي أوجدت إرهاب «داعش» و«النصرة» وأخواتهما، وقامت بدعمه لوجستياً ومادياً وعسكرياً وأعطته غطاء سياسياً سهّل من انتشاره وحوّله من أداة تؤدّي دورها الوظيفي لخدمة مصالح هذه الدول إلى ثعبان يرمي سمّه في أحضانهم.
أما الناحية ا همّ من حيث توقيت هذه الزيارة كونها أتت بعد فشل التصعيد الميداني العسكري الذي قامت به المجموعات المسلحة بتخطيط وتوجيه من غرف ااستخبارات المتواجدة على الحدود الشمالية والجنوبية مع سورية وقدرة الجيش العربي السوري على التصدّي لهذه المجموعات بالتعاون مع المواطنيين السوريين الذين أسقطوا بتضامنهم وتماسكهم الاجتماعي وتعاونهم مع الجيش العربي السوري ما كان يحاك من قبل هذه الغرف في تحويل المشهد في سورية من حرب وإرهاب خارجي موجه يستهدف الدولة والشعب معاً، إلى مشهد اقتتال طائفي داخلي يبرّر تدخل استخبارات هذه الدول لتحقيق مصالحها وفي مقدّمتها استخبارات الكيان الغاصب.
ويمكن قراءة ما تضمّنته الزيارة بمضمونها في نقاط عديدة، ولا سيما بعد بقاء العلاقات بين الدولتين على طبيعتها وثبات الموقف الروسي في الدفاع عن سورية واستمرار دعمها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً لتأمين مقومات الصمود ضدّ الحرب المفتوحة التي يواجهها الشعب والدولة السورية منذ خمس سنوات، وفشل وإسقاط كافة المحاولات والرهانات من قبل بعض الفاعلين الإقليميين والدوليين في إحراج روسيا في المحافل الدولية والضغط عليها من خلال العقوبات التي وضعتها واشنطن وأجبرت دول الاتحاد الأوروبي على تنفيذها، فضلاً عن إخفاق محاولات ا غراء في شراء الموقف الروسي وتغييره في ما يتعلق با زمة السورية، وبالتالي فإنّ التأكيد على أنّ طبيعة العلاقات الروسية السورية هي علاقات متينة وثابتة ولا تخضع اعتبار تحقيق المصالح مقابل التخلي عن التحالف عن طرف ا خر، بل قائمة على علاقة استراتيجية واضحة المعالم وثابتة المواقف وتبادل المصالح نتيجة دراك السلوك السياسي لكلّ من الدولتين بالتهديدات الحيوية بزعزعة العلاقة اارتباطية بينهما، وأثر ذلك على استقرار المنطقة والعالم في حال تخلي روسيا عن دعم سورية والسماح بإسقاطها لحساب ا رهاب والدول الداعمة له، أو تغيّر موقف الدولة السورية وتغيّر موقفها واصطفافها السياسي وأثر ذلك من الناحية الجيوسياسية الذي سيزيد من أسهم الحلف الغربي في مواجهة النفوذ الروسي.
فيما تمّت ا شارة إلى وضع ملامح تشكيل تحالف إقليمي لمكافحة الإرهاب، يعتمد على وجود إرادة حقيقية من قبل الدول التي بدأت تستشعر خطر ارتداد ا رهاب الذي أوجدته ودعمته، وبالتالي إيصال رسائل إلى مَن يهمّه ا مر في البدء في إعادة علاقات هذه الدول مع الحكومة السورية ووقف دعم كافة المجموعات المسلحة وبكافة تسمياتها.
وبالتالي فإنّ العرض الروسي في دعم هذا التحالف من شأنه الإقرار بفشل التحالف الستيني الذي أنشأته الولايات المتحدة اأميركية لتحقق مصالحها في ادّعائها محاربة ا رهاب الذي تقوم باستثماره وتوظيفه لخدمة أهدافها ونواياها، وايّ تحالف لمكافحة ا رهاب يتطلب التنسيق مع الحكومة الشرعية في سورية والعراق وضرورة رفع التنسيق ما بين حكومتي البلدين في هذا المجال.
وبالتالي فإنّ اللاعب الروسي يسعى لكي يكون له الدور ا كبر في معالجة ملفات المنطقة بشكل عام والمساهمة بحلّ ا زمة السورية بشكل خاص من خلال دعمه لمشروع المصالحات المحلية وإطلاقه لجلسات الحوار التي ستتوّج في النهاية بحوار وطني سوري سوري يكون بداية نضاج عملية سياسية تحدّ من التدخل الخارجي وتساهم في تحصين سورية من ا رهاب وتحدّ من نزيف الدماء السورية ويخرج سورية من أزمتها بمواقف وإرادة حقيقية، وليس بكلام سياسي غربي عن حلّ سياسي يناقضه سلوك منافٍ أخلاقياً من خلال الدعم للإرهاب، فسورية اليوم ليست بحاجة إلى مجرد تصريحات رنانة بل هي بحاجة إلى سلوك وموقف وإرادة دولية في مساندتها لمحاربة ا رهاب.
مختصّ في العلاقات دولية