المسيحيون والخيارات الصعبة… المقاومة أم الترانسفير؟

د. نسيب حطيط

لم يهدأ الصراع اليهودي ـ المسيحي منذ بدء رسالة السيد المسيح وطرده لصوص الهيكل وتحريره الناس من الأحكام المتشدّدة للحاخامات اليهود اللاويين مدراش والذين أصدروا فتاوى القتل للناس عقاباً لأيّ فعل، كما يفعل أتباعهم التكفيريون الآن الذين يتبعون «نبيّهم» ابن تيمية. وقد تنامى الصراع، بالمعطى السياسي بعد العقائدي، مع ظهور الصهيونية وامتزاجها باليهودية الدينية واستمرت الحرب ضدّ المسيحيين، سياسياً وسلوكياً وعقائدياً وعسكرياً، وتنوّعت أساليبها بين الترهيب والترغيب، فيما الهدف الأساس طرد المسيحيين من الشرق واقتلاع جذور المسيحية الأصيلة في عملية ثأر تاريخية لطرد المسيح لليهود من الهيكل وعقول المؤمنين.

منذ احتلال فلسطين والصهيونية اليهودية تحاصر وتهجّر المسيحيين والمسلمين لتسهيل ولادة «الدولة اليهودية» من رحم الصهيونية المسلحة، فتهجّر المسيحيين كما المسلمين ولكن في شكل فاضح بسبب قلة العدد وتسهيل الهجرة إلى أوروبا وضعف الكنيسة وغياب القائد أو الجهة الراعية وتآمر بعض القيادات المسيحية، وخصوصاً اللبنانية، حتى كاد المسيحيون ينقرضون ووصل عددهم في فلسطين إلى حوالى 150 ألفاً فقط.

تحالف بعض المسيحيين اللبنانيين مع العدو «الإسرائيلي»، وفق نظرية اتحاد الأقليات النخبوية في العالم العربي، وكانت المارونية السياسية تحكم لبنان فتورّط بعض زعمائها بالتعامل مع «إسرائيل» التي استغلت أخطاء المقاومة الفلسطينية في لبنان، والتي شعر المسيحيون بأنها تهدّد الكيان الذي يحكمونه ويعتبرونه لهم ويستضيفون المسلمين فيه، حتى أنّ الشيعة ظلوا خارج منظومة السلطة الفاعلة حتى الثمانينات.

ورّطت «إسرائيل» المسيحيين في الحرب الأهلية ضدّ الفلسطينيين، وقاتلت بهم للقضاء على المقاومة الفلسطينية، وقدّمت السلاح، وكان جنرالات «إسرائيل» يتجوّلون في لبنان وكأنه أرض «إسرائيلية»، وحصد المسيحيون الخراب وقتل شبابهم وتهجير عائلاتهم، وكاد الوزير الأميركي يقطف ورقة تهجيرهم بالبواخر الأميركية المنتظرة. لقد قتل المسيحيون أنفسهم ومواطنيهم وكادوا يهجّرون في عملية ترانسفير جماعية!

لم يتعظ المسيحيون وكرّر بعض قادتهم خطيئة التعاون مع «إسرائيل» التي وعدتهم بالتعويض عن أحداث 1975، وتعهّدت بطرد المقاومة الفلسطينية وإعادة الحكم إلى المسيحيين المتعاملين معها، فكان اجتياح عام 1982 وشاركت «القوات اللبنانية» في المجازر والقتال مع الجيش «الإسرائيلي»، وكانت النتيجة تهجير من تبقى من المسيحيين في الشوف والجبل وشرق صيدا وتصحّر الوجود المسيحي.

تابع المسيحيون قتل بعضهم بعضاً وتشتيت جمعهم، فكانت حرب الإلغاء بين جعجع وعون فهجر الأول وسجن الثاني، ولم يتعظ المسيحيون!

رحّب بعض قادتهم الذي أنهك المسيحيين وقتل قادتهم وزعماءهم بحكم «الإخوان»، وساوى بين «داعش» وبين حزب الله، واستمر بالهجوم على سورية، ولم يرشق العدو «الإسرائيلي» بحجر. نفى أن تكون «النصرة» قد أحرقت كنائس معلولا وصيدنايا، كما نفى خطف الرهبان والراهبات من قبل التكفيريين…

لم يعترف بتهجير وقتل المسيحيين في العراق وسورية، ورفض حمل المسيحيين السلاح للدفاع عن أنفسهم، معتبراً أنّ في ذلك دعماً للنظام، حتى لا يغضب الولي السعودي الذي يشتريه بالأموال والعطايا والوعد بالرئاسة في لبنان!

لقد بدأ العد العكسي لتهجير وإلغاء المسيحيين في لبنان عندما سكتوا عن جرائم التكفيريين ضدّ المسيحيين في العراق وسورية ومصر، نكاية بالنظام السوري والمقاومة، وإرضاء للسعودية، لقد قتلوا عندما قتل إخوانهم في العراق وسورية.

سيلغى الوجود المسيحي بقرار «إسرائيلي» وبأيدي التكفيريين حلفاء بعض المسيحيين، وبتعهّد بعض العرب، وخصوصاً السعودية التي تعتبر المسيحيين كفّاراً، وفق المذهب الوهّابي، وتمنعهم من دخول المدينة ومكة، والأسوأ من ذلك مشاركة المسيحيين أنفسهم في تهجير أهلهم وإلغاء وجودهم، بعضهم بقصد أو غير قصد وبعضهم متورّط في المؤامرة كما هو تاريخه، ما سيؤدّي إلى تهجير المسيحيين بالجملة الآن!

أميركا والعالم الغربي، وخصوصاً فرنسا، يتآمران على المسيحيين في الشرق بضغط صهيوني وتمويل عربي، وخصوصاً من لبنان لتحقيق الأهداف التالية:

ـ توطين اللاجئين الفلسطينيين وإلغاء حقّ العودة عبر استكمال تدمير المخيمات ذاتياً كما حصل في نهر البارد واليرموك وما يحضّر لمخيم عين الحلوة.

ـ توطين بعض النازحين السوريين غير المسيحيين من رجال الأعمال والأغنياء لإعادة التفوّق المالي الذاتي لتيار المستقبل أو التيارات التابعة للخليج.

زيادة العدد السكاني للمسلمين السنة وتغلّبهم على الشيعة وتأمين قوى مقاتلة من الفلسطينيين والسوريين تحضيراً للمعركة المقبلة مع المقاومة وإنهائها في لبنان لحفظ الأمن «الإسرائيلي».

يعتبر المشروع الأميركي الوجود المسيحي في لبنان إحراجاً لأوروبا في حال عدم حمايته، وتهجيره أفضل، وتعتبره «إسرائيل» حجر عثرة أمام الاتفاق الفلسطيني ـ الإسرائيلي» وإلغاء حقّ العودة وتراه بعض القوى السياسية اللبنانية شريكاً مضارباً يمكن أن تأخذ حصته في الحكم والإدارة.

لذا فالتهديد حقيقي، ويمكن أن يكون قريباً، بهمّة القيادات المسيحية المتصارعة وتآمر بعضها على تحقيق شعار: «حتى لا يبقى مسيحي واحد في لبنان»!

هل يستيقظ الرأي العام المسيحي وبعض قياداته وكنيسته وينقذ وجوده وتاريخه؟ أم يحزم حقائبه ويسافر قبل وصول «داعش» حتى لا يقع فريسة أفخاخ بعض قياداته من أحفاد يهوذا!

سياسي لبناني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى