رحلة «داعش» من الزرقاوي إلى البغدادي وما بينهما…

انبثق تنظيم «داعش» في العراق من مجموعات تحمل الفكر الجهادي كـ»تنظيم القاعدة». بدأ هذا التنظيم عمله مع دخول الأميركيين إلى العراق. شكل أبو مصعب الزرقاوي الذي قاد معسكرات تدريب لمسلحين في أفغانستان قبل انتقاله الى العراق، تنظيم «جماعة التوحيد والجهاد» عام 2003 ، وهو عبارة عن جماعة مسلحة توصف بالإرهابية وتكفّر أدبياتها عموم الشيعة وتدعو إلى إبادتهم.

أعلن الزرقاوي مبايعته لتنظيم «القاعدة» بزعامة أسامة بن لادن في حينه، ليصبح ممثلاً في ما سماه «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين».

انطلق الزرقاوي من فكرة محاربة المحتلّ الأميركي، وأخد يسيطر على المشهد العراقي، واستقطب الى تنظيمه ضباطاً من جيش صدام مع دباباتهم ومدافعهم وطائراتهم، إضافة إلى بعض كبار الضباط المتقاعدين، ما أدّى إلى بروزه كقوة لا يُستهان بها. غير انّ الزرقاوي لأسباب غير واضحة حتى اليوم، حوّل الصراع من استهداف للمصالح الأميركية إلى فئات أخرى كان يعتبرها تتعامل في العراق مع الاحتلال الأميركي، في إشارته الى الشيعة الذين أطلق عليهم اسم الروافض على رغم أنّ الشيعة الذين استفادوا من الإطاحة بنظام صدام حسين، لم يتعاملوا مع الاحتلال الأميركي في العراق.

حظي «داعش» في تلك الفترة بدعم من صدام. وتتحدّث وثائق سنجار التي عثر عليها الجيش الأميركي عن أنّ الرئيس العراقي يومذاك أقام معسكرات تدريب سرية لهم في الموصل وجبالها وسنجار وفي جزء من محافظة الأنبار لمحاربة الأميركيين.

قام الزرقاوي الذي يحمل الجنسية الأردنية في عام 2004 بذبح أحد الرهائن الأميركيين في العراق ويدعى يوجين أرمسترونغ، وذلك بقطع رأسه بسكين في فيديو مصور قامت جماعة التوحيد والجهاد بنشره على الإنترنت، أعلنت لاحقاً الحكومة الأردنية سحب الجنسية منه، على رغم أنّ الملك الاردني عبد الله الثاني هو من أصدر عفواً عن الزرقاوي عام 1999 الذي حكم عليه في عهد الملك حسين في عام 1996 بالسجن مدة 15 عاماً، بتهمة التخطيط لمهاجمة «إسرائيل».

التقى الزرقاوي في السجن بأبي محمد المقدسي الذي اتجه للتنظير والعمل الدعوي الذي انتهى به إلى السجن مجدّداً نهاية 1999 في قضية «تفجيرات الألفية» التي بُرّئ منها بعد سنة من الاعتقال، فيما اتجه الزرقاوي إلى أفغانستان، ووجهت اليه التهمة نفسها التي وجهت إلى المقدسي في سلسلة تفجيرات نفذت ليلة رأس السنة وامتدّت من الدار البيضاء في المغرب إلى اسطنبول في تركيا ومحاولة تفجير فندق راديسون في عمان واغتيال مسؤول المساعدات الأميركي لورين فولي في عمان، ومقتل أكثر من 60 مدنياً في الأردن.

ظلّ الزرقاوي عرضة للمطاردة العسكرية والاستخبارية من جانب القوات الأميركية بمساعدة الاستخبارات الأردنية. ونفذت القوات الأميركية عمليات عسكرية عدة ضدّ الزرقاوي، سواء في الفلوجة أو في مناطق حدودية مع سورية وفي محافظة الأنبار، لكنه كان ينجو في اللحظة الاخيرة، ففي إحدى المرات أصيب بجروح وتمكن من الفرار من المستشفى الذي آوى إليه، الى أن قتل في عام 2006 في غارة جوية أميركية على منطقة هبهب على بعد نحو ثمانية كيلومترات شمال بعقوبة، حيث ألقت طائرتا أف 16 أميركيتان قنبلتين وزن كلّ منهما 500 رطلاً على المنزل الذي كان يلتقي فيه الزرقاوي بكبار مساعديه.

في تشرين الأول عام 2006 اختار مجلس شورى المجاهدين في العراق أبو عمر البغدادي أميراً لتنظيم «دولة العراق الإسلامية» الذي ضمّ الأنبار وديالي وكركوك وصلاح الدين ونينوى، وأجزاء من محافظتي بابل وواسط. وفي 30 ايلول عام 2007 دعا بن لادن، من لم يبايع البغدادي أميراً لها، الى الوحدة ومبايعته حفاظاً على جماعة المسلمين.

استمرّ اعتماد اسم هذا التنظيم حتى عام 2013. وبقي البغدادي أميراً له إلى حين اغتياله مع ابو ايوب المصري في عام 2010، ليتمّ تعيين ابو بكر البغدادي الذي كان مسؤولاً عن النشاطات العسكرية كافة لتنظيم» القاعدة» في العراق، أميراً على «الدولة الاسلامية في العراق». وأتى تعيينه نتيجة وصية ابو عمر بأن يكون أبو بكر خليفته في زعامتها.

في 29 حزيران 2014، أعلن تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، قيام الدولة الإسلامية ونصّب ابراهيم بن عواد بن إبراهيم البدري المولود عام 1971 في مدينة سامراء العراقية والذي يُعرف بـ أبو بكر البغدادي، خليفة لها.

بدأ البغدادي الذي تتلمذ على يدي أبو مصعب الزرقاوي، بدرس الساحة السورية عام 2011، كان هدفه الاستيلاء على أراض سورية ملتصقة بالعراق، أرسل لهذه الغاية لجنة من الخبراء بينهم أبو محمد الجولاني الذي خرج من سجن في دمشق بالعفو الرئاسي الأول مع بداية الأزمة السورية أو ما يُسمى «الثورة السورية»، وغادر يومذاك الى العراق، مبايعاً البغدادي على السمع والطاعة في المنشط والمكره، ليعود في شهر آب من عام 2011 ويشكل «جبهة النصرة» لأهل الشام ومعه سبعة من كوادر «الدولة الإسلامية».

وقعت الخلافات بين الجولاني والبغدادي. أعلن البغدادي حلّ «جبهة النصرة لأهل الشام» وضمّها الى «الدولة الإسلامية» في العراق مطلقاً عليها « تنظيم داعش». رفض الجولاني الضمّ، وقرّر مبايعة أيمن الظواهري الذي قبل البيعة، وحكم أن تبقى الشام لأهل الشام، وأن يعود «داعش» إلى العراق.

رفض البغدادي حكم الظواهري وأصرّ على البقاء في سورية، معلناً قيام «الدولة الإسلامية في العراق والشام». احتلّ مناطق واسعة من العراق وضعته عند تخوم بغداد وقرب الحدود مع تركيا والأردن، أمسك بزمام الفلوجة وبجزء من الرمادي في العراق، ومحافظتَي دير الزور والرقّة في سورية. كما نشط في اللاذقية وحلب وإدلب وحماة، ليعلن في 28 حزيران 2014 «دولة الخلافة في سورية والعراق».

اشتعلت الجبهات بين «داعش» الذي هو امتداد لـ الزرقاوي و«النصرة» التي هي فصيل من فصائل تنظيم «القاعدة». وقعت اشتباكات كبيرة بين التنظيمين الإرهابيين في سورية، وصولاً إلى تصفية قيادات وأمراء من طريق الاغتيال بينهما.

يؤكد خبراء إسلاميون أنّ الاختلاف بين «النصرة» و«داعش» ليس عقائدياً، كلّ منهما تفرّع مما يسمّى الجهادية السلفية، والخلافات بين التنظيمن الارهابيّين تقتصر على السياسات الشرعية أو الأولويات. يرى «داعش» أنّ الأولوية تتمثل بقتل «الروافض»، وترى النصرة «أنّ الإولوية في سورية لإسقاط النظام».

استقطبت الدولة الاسلامية مقاتلين من شتى بقاع الأرض، منهم الآلاف من العراق وليبيا والسعودية والمغرب العربي ومصر وأوروبا والقوقاز. حاول «داعش» نقل تجربته التي قامت على استقطاب زعماء العشائر والضباط المتضرّرين من نظام صدام في العراق، إلى سورية، واعتمد في بداية توسعه الى سورية على قيادات إرهابية عراقية، ونقل الكوادر العاملة في بلاد الرافدين إلى الداخل الشامي، لكن هذا الأداء انعكس سلباً، ما استدعى محاولة جديدة منه لاستمالة بعض العشائر السورية والضباط الذين انشقوا عن الجيش السوري.

يتألف التنظيم من مجلس قيادة يضمّ عدداً من المستشارين الذين يتواصلون بشكل مباشر معه، ومجلس وزراء يشرف على الأقسام المالية والأمن والإعلام والأسرى والتوظيف، إضافة إلى 25 مسؤولاً في العراق وسورية. ويُعتبر الأغنى بين الجماعات التكفيرية الإرهابية كونه يتواجد في المناطق الغنية بالنفط والغاز والآثار، فهو يسيطر على حقول النفط والمصافي في سورية والعراق، ويملك شبكة علاقات يمكنه من خلالها تسويق هذا النفط بعائد مالي كبير.

ولّدت الحرب في العراق لديه خبرات واسعة في تكتيك القتال وأساليب الدفاع الجوي وتقنية العبوات المتفجرة واللاصقة، وانتشر في المناطق السورية الحدودية مع العراق وتركيا: جرابلس ومنبج، والباب، وأعزاز شمال حلب، دير الزور، والرقة، شمال إدلب قرب الحدود التركية، وجعل من الرقة عاصمة له.

ويؤكد مراقبون أنّ «داعش» يعتمد في انتشاره استراتيجية المناطق المتعدّدة الطوائف والمذاهب التي لا تملك مقدرة عالية للدفاع عن وجودها، بعكس المناطق ذات اللون الواحد التي تملك مقدرة عالية في القتال والدفاع.

«داعش» ينفذ خلال عام 3027 عملية إعدام في سورية

نفذ تنظيم «داعش» خلال سنة من عمر خلافته التي أعلنها في 29 حزيران 2014، 3027 عملية إعدام في سورية وحدها، طاولت مدنيين وعناصر في الجيش السوري ومقاتلين، بينما خسر التنظيم المتطرف وحده أكثر من 8 آلاف عنصر. وبلغ عدد المدنيين الذين أعدموا 1787 بينهم 74 طفلاً و86 امرأة، وبين هؤلاء 930 مواطناً من العرب السنة المنتمين إلى عشيرة الشعيطات التي وقف أفرادها في مواجهة التنظيم لدى بدء توسّعه في محافظة دير الزور، و223 مدنياً كردياً قتلوا في 48 ساعة الأسبوع الفائت في بلدة عين العرب كوباني في محافظة حلب. كما أعدم 216 عنصراً من الكتائب المقاتلة المعارضة للدولة السورية، و881 عنصراً من الجيش السوري، وبين هؤلاء أكثر من 300 جندي أعدموا بعد أسرهم في حقل شاعر النفطي في محافظة حمص، في صيف 2014. وأعدم داعش أيضاً 143 عنصراً من عناصره بتهمة الغلو والتجسّس لصالح دول أجنبية .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى