أردوغان وعقدة حلب بقاء الدولة المركزية

عامر نعيم الياس

خسر الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان الرهان على الحكم الطويل المضمون المستقر. خسر الرهان على إدارة مواجهة طويلة الأمد مع سورية رهاناً على الاستنزاف الأميركي الذي كان أردوغان من مريديه، أو بالأحرى من المضطرّين إلى مسايرته، على رغم مطالباته المتكرّرة بالتدخل العسكري الأطلسي في سورية وإقامة مناطق عازلة على الحدود السورية ـ التركية. لكن، في ضوء التطورات الأخيرة في محافظة إدلب التي سبقت الانتخابات النيابية التركية، وفي ضوء نتائج الانتخابات وما تلاها من تقدّم مضطرد للأكراد السوريين، أثار شكوك بعض الداخل السوري قبل الأتراك في ضوء اندفاعة غربية غير متناهية للحديث عن «كردستان سورية». تحرّك الرئيس التركي مباشرةً للحديث عن الخطوط الحمراء لبلاده، مستغلاً القرار الدولي بإنهاء «داعش» الذي يعمل قرب الحدود التركية ـ السورية، ومستغلاً قضية الأكراد التي تشكل أكثر المحرّمات حساسيةً في العقل الجمعي التركي.

خمسُ ساعاتٍ ونصف الساعة احتاجها مجلس الأمن القومي التركي لوضع الأسس الأمنية السياسية للتدخل العسكري التركي المحتمل في سورية على جبهةٍ يبلغ طولها مئة كيلومتر وعمقها ثلاثون كيلومتراً. فلا تواصل جغرافياً للدولة الكردية الموعودة، ولا مجال للسيطرة سوى للتركمان والشيشان والجماعات المرتبطة بـ«النصرة» مباشرة تحت مسمى «جيش الفتح»، لتوفير الملاذات الآمنة للمعركة الأخيرة، والأهم وهي معركة حلب. لكن ردّ المتحدث بِاسم الخارجية الأميركية، وعدم تعليق حلف شمال الأطلسي على الأمر، يضعان كلام أردوغان وقرار مجلس الأمن القومي في مهبّ الريح، خصوصاً أن رئيس الأركان التركي لا يشجّع على الدخول العسكري المباشر في الأراضي السورية.

هنا جاء دور رئيس الوزراء المكلّف أحمد داود أوغلو ليهدئ بشكل غير مباشر أردوغان وينزع فتيل صدامٍ مع واشنطن أولاً، ومع الأطلسي ثانياً، ومع الجيش التركي ثالثاً الذي تلقى جرعة دعم قوية لموقف رئيس الأركان من الولايات المتّحدة الأميركية.

قرار تجميد التدخل العسكري البرّي المباشر في سورية ليس نهائياً، فالرئيس التركي أعاد والقوى تفعيل ما يمكن تسميته معركة الفرصة الأخيرة قبل الانتحار التركي في سورية. إذ أُعلِن عن «معركة تحرير حلب» في الثاني من تموز الجاري، وسقط على المدينة وأحيائها السكنية مئات القذائف والصواريخ. وفيما صمد محور الزهراء، تراجع الجيش السوري والقوات الرديفة عن محور البحوث العلمية في حلب الجديدة، والذي يعدّ أحد أهم مداخل الأجزاء الواقعة تحت سيطرة الجيش السوري، الأمر الذي من شأنه أن يمهّد إلى تراجع دراماتيكي لا تحمد عقباه، ومذبحة بأهالي المدينة العاصمة التي يتهم أهلها كما أهل دمشق بأنهم أحد أهم عوامل صمود الدولة السورية في وجه الحرب القذرة التي تخوضها البلاد منذ عام 2011، وهو ما تدركه الدولة السورية جيداً ولا يتوقع أن تسمح للميليشيات السلفية بالبقاء في البحوث العلمية، فالمعركة في حلب هي معركة تتسم بالتالي:

ـ تمنع حلب العاصمة الثانية للجمهورية السورية تحوّل مخطط تقسيم البلاد إلى حقيقة واقعة فهي ضمانة الدولة المركزية، ولا معنى لأي تقسيم لسورية، ما زالت العاصمتان السياسية والاقتصادية تحت سيطرة الدولة السورية ممثلةً بالجيش السوري والقوات الرديفة.

ـ حلب هي خط الدفاع الأول والأخير عن الجمهورية برمزيتها ووحدتها، والنظام بقوته وبحاضنته الشعبية التي تشكّل حلب الثقل الأهم فيها من كافة النواحي، خصوصاً تلك التي تحاول توصيف الصراع على أنه حرب أهلية، فالمحافظة تمثّل الثقل السكاني الأهم في البلاد وفقاً لإحصاء عام 2006.

ـ تتوقف النهضة في سورية في مرحلة ما بعد الحرب على مدينة حلب، أقله في الشق الصناعي الوطني، وبالتالي لا يمكن التفريط بالمدينة الوحيدة التي لا يهاجر سكانها إلى العاصمة شأنهم شأن سكان دمشق الذين لا يتجهون من العاصمة إلى أي محافظة أخرى في سورية، عكس المحافظات الأخرى.

في تفسير لما سبق، ظهر رئيس مجلس الوزراء السوري في مدينة حلب وقام بجولات شملت كافة الفاعليات حتى العسكرية منها، في رسالة تريد من خلالها الدولة السورية إثبات حساسية حلب والمضي في المواجهة هناك حتى النهاية، وهو أمرٌ لا يغيب عن صانع القرار التركي، ولا حتى عن صانع القرار الأطلسي. فحلب التي أفشلت رهان الأطلسي في سورية في البداية، هي ذاتها التي ستدفع أردوغان إما إلى التراجع نهائياً أو إلى الجنون والتدخل المباشر، وفي كلتا الحالتين سيخطّ السلطان الأعرج نقطة نهايته بيده.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى