أردوغان: سياسة الهروب إلى الأمام

حميدي العبدالله

يعتقد خبير تركي أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان «يسعى إلى مغامرة خطيرة في سورية، ليكون ذلك مبرّره الرئيس لعرقلة تشكيل الحكومة الائتلافية الجديدة» جاءت أقوال هذا الخبير في سياق تعليقه على الأنباء عن إقامة حزام أمني على الحدود السورية التركية، يقول أيضاً: «سيعرقل أردوغان تشكيل الحكومة الجديدة خلال مدّتها الدستورية، أي 45 يوماً» مستخلصاً أنّ «هذه المدة ستكون كافية لإلهاء الرأي العام الداخلي بقضية قومية ساخنة حتى الإعلان عن انتخابات مبكرة بعد 3 أشهر يستغلها لكسب تأييد الشارع بانتصارات سيحققها ضدّ الأكراد وداعش والرئيس السوري».

هذه السياسة تسمّى سياسة الهروب إلى الأمام، أيّ أنّ أردوغان يهرب من الأزمات التي تسبّبت سياسته في صنعها عبر توريط تركيا في حروب لا يستطيع أحد التنبّؤ بنتائجها وحصر تداعياتها على استقرار تركيا وحتى وحدة أراضيها. فالجيش التركي مدعوماً من كلّ الأحزاب التركية خاض حرباً منذ ثمانينات القرن الماضي ضدّ خمسة آلاف مقاتل كردي في تركيا، وفشل في القضاء عليهم على الرغم من مرور حوالى 30 عاماً على هذه الحرب، وعندما كان الأكراد قلة محاصرة من قبل كلّ دول المنطقة، علماً أنّ وضع الأكراد الآن يختلف عما كان عليه في الماضي، فأكراد العراق يكادون أن يبنوا دولتهم المستقلة، وأكراد سورية يحوزون اليوم على السلاح ويقاتلون على امتداد مناطق تواجدهم، وأيّ مغامرة ضدّ الأكراد ستكون عبارة عن حرب شاملة ستتعرّض خلالها تركيا لتحديات أمنية بل عسكرية لا يمكن مقارنتها إطلاقاً بالتحديات التي مثّلها قتال حزب العمال الكردستاني.

لكن بمعزل عما سيواجه تركيا في حال سمحت لأردوغان بحلّ أزمته على حساب أمنها القومي عبر توريطها في حرب لا طائل منها، وليس لها ما يبرّرها، فهل أردوغان قادر على تمرير مثل هذه السياسة والحصول على دعم الجيش لها؟

لا شك أنّ حزب العدالة والتنمية خلال فترة حكمه التي امتدت حوالى 12 عاماً استطاع الهيمنة على غالبية مؤسسات الدولة، ولا سيما الأجهزة الأمنية، و«طهّر» الجيش من الضباط الذين لا يؤيدون سياساته، ولكن من الصعب الاعتقاد أنّ تركيا قد سلّمت قيادتها لأردوغان وحزبه سمحت له بالتصرف على هواه، ولعلّ المعارضة الدائمة والمستمرّة لسياسة أردوغان في سورية من قبل أحزاب المعارضة، ومن قبل غالبية الشعب التركي، والتي تجلت في نتائج الانتخابات الأخيرة دليل قاطع على مستوى المقاومة لمحاولات أردوغان دفع تركيا إلى مواجهة قد لا تكون نتائجها مختلفة كثيراً عن نتائج الحرب العالمية الأولى على السلطة العثمانية.

لا شك أنّ المغامرة الجديدة هي امتحان، أولاً لتوازن القوى داخل تركيا، وثانياً لفعالية المعارضة بكلّ أشكالها، بما في ذلك عدم حماس الجيش التركي لزجّه في مغامرة عسكرية لا تتوفر شروط النجاح فيها.

لكن الأمر الأكيد أنّ سياسات أردوغان وحزبه باتت تشكل تهديداً لأمن واستقرار تركيا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى