في استعادته فعل إحياء
ڤيرا يمّين
كيف لوطن أن يجلد نفسه من خلال إعدام مَن استنهض العقل والوعي وأسّس لثقافة الانتماء إلى الأرض؟ كيف لوطن أن يكفر بالإنسانية ليعتنق التعصّب؟ كيف لوطن أن يخلع الإيمان ليرتدي عباءة الدين المشوّهة؟
أسئلة لطالما طرحناها وعبرت، إنما اليوم أضحت أمراً واقعاً بكلّ ما يحمله واقع اليوم من ظلم وظلامة، وهذا ما يدفعنا خائفين تائبين إلى فتح عنابر الفكر، فنستعيد أنطون سعاده ونعيد قراءته، كمن يتلو فعل ندامة على ما ارتكبناه من تقصير ومن ادّعاء.
اليوم نستعيده أقوالاً ومبادئ، نستعيده إيماناً وعلمانية، وفي استعادته فعل إحياء وتأكيد أن الذي أُعدِم هو الشخص، فيما الفكر نما وتنامى، واليوم يزهّر لينقذ حقول الوعي من يباس وتشقّق، وسهول الإيمان من تكفير وتعصّب زمن ضرب القومية والهوية تبعاً لما قاله سعاده عن «حركة التفكير الرجعي الذي يغذّيه عدد من المفكّرين الذين خلطوا الوطنية والقومية بالدين» في كتابه «الإسلام في رسالتيه المحمدية والمسيحية». ولأن ما يميّز المفكر قدرته على الاستشراف، يفاجئك سعاده ـ ويوجعك عدم القدرة على الاستدراك بما يشبه الندب والرثاء على ملك فقدته من جهلٍ قصدته ـ بقوله سنة 1937 «إن العصبية الوهابية تنذر الشعوب حول بلاد العرب بخطر حرب مداهمة».
وهكذا، نحن فرّطنا بفكرٍ يبني لنصل إلى تفكير يدمّر. اقتتلنا على السماء لنفقد الأرض. سلّمنا الهوية حين سلّمنا فلسطين. وعلى قول سعاده في مقال له سنة 1948 «كان إفلاس العروبة في فلسطين إفلاساً كاملاً، باهراً، نادر المثيل»، واستبدلنا القومية بالدين، فيما الصهيونية ليست ديناً، بل مشروع قوميّ تحميه دول طامعة ولا يمكن مواجهتها إلّا بقومية مؤمنة بأرضها، ولذا عانينا بالأمس من صهيونية مسيحية في بعض الغرب، ونعاني من صهيونية عربية هي الأخطر اليوم، وبلبوس آخر منسوج من فكر «القاعدة» ومسوخها.
ولذا، فإنّ تاريخ إعدام سعاده ذات تموز في 1949، أمرٌ بديهيّ، إذ إنّه جاء بعد سنة على اغتصاب الأرض، فكان لا بدّ من اقتلاع الفكر!
ويبقى، ليس بالضرورة أن تكون قومياً بالمعنى الحزبيّ لتغني فكرك وترفع منسوب الوعي لديك بأنطون سعاده. كما أنّ ليس كلّ قومي حزبي هو قارئ جيّد لسعاده، ففي ذكرى إعدامه نستعيده مفكّراً على مساحة العالم العربي، وعسانا نعتبر!
عضو المكتب السياسي في تيار المردة