«الحب هو الحب»… الغرب يسوّق مثليته
سول مقدسي
ألف شكر على هذه المفاجأة التي حلت على عالمنا! وأخيراً أصبح قانون زواج للمثليين مطبّقاً في أميركا وقابلاً للتمدّد إلى العديد من الدول الغربية. ولكن الكارثة الكبرى تجلت في كيفية تقبّل شبابنا في وطننا لهذا الخبر «المفرح» كأنما تحرّرت القدس أو قُتل أبو بكر البغدادي واندحرت قوى «داعش» الظلامية التكفيرية.
من خلال كلّ ما عشناه ونعيشه، كانت للغرب طريقة عظيمة في تسويق ما يخلقه من منتج ثقافي، سياسي واجتماعي، وهو قادر تماماً على إيصاله إلينا باللغة المناسبة التي تترك الأثر المطلوب في عقول شبابنا وتحصين شبابه ومجتمعاته من هذه الرواسب التي لا يهمّه أن تنتشر فيها، حتى لو كان رجالاته يتشدّقون كلّ يوم بالتكلم عن حرية الرأي والإنسان وحقوقه.
اليوم تلوّنت مواقع التواصل الاجتماعي بألوان قوس قزح، معبّرة عن الفرحة العارمة بصدور مثل هذا القرار تحت عنوان «الحب هو الحب»، وتحت عناوين براقة وصور لمهرجانات اجتاحت العالم وقصص لحالات من حبّ المثليين الذي تكلل تعبهم وكفاحهم بصدور قرار يسمح لهم بـ»التطور»، وأخذ المرحلة المتطورة بعلاقتهم إلى الارتباط أو الزواج.
أكرّر، ليس من مهمتنا أن ننتقد ما يقوم به الغرب من حالات غريبة وقوانين لا تصبّ في حق الإنسان نفسه بالاستمرار والتطور، في حين أنّ هذه الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة لا تزال تعاني من حالات العنصرية التي أدّت في الفترة القريبة جداً وفق أحداث متتالية إلى اندلاع أحداث دموية وعنصرية لا تمتّ إلى التطور الذي تنشده أميركا وأصدقاؤها بصلة. هل يمكن لأصدقائنا في الغرب أن يشرحوا لنا كيف يمكن لهذا التطور أو القرار أن يصبّ في مصلحة المواطن والإنسان؟ وأن تقوم الدنيا ولا تقعد مهللة لهذا القرار؟ وأن تصرفَ مئات الملايين وأن تستخدم الشخصيات المشهورة عالمياً من أجل التأثير، بينما تعاني هذه البلاد والعديد من مناطق العالم من فقر وجهل وفساد وعنصرية وهجمات تكفيرية سوف لن تتوانى عن الإدلاء بدلوها في ساعة ما؟!
ولكن ما يذهل حقاً هو ردّ فعل شبابنا في هذا اليوم «المبارك»، حيث كانت الفرحة عارمة وتمّ تغيير صور البروفايلات، وكلّ منهم أدلى بتصريح عبّر فيه عن ارتياحه لمثل هذه القرار. صدقاً، لوهلة نحسّ بأنّ النصر في أمتنا لاحت تباشيره من خلال هذه الحركات والتجمعات الافتراضية ولكن سريعاً ما ندرك بأنه القرار المنتظر.
من الطبيعي أن نحترم اختلافاتنا الطبيعية، ولست مع محاربة المثليين ونبذهم أو إقصائهم عن المجتمع، ولن ندخل في التأويلات الطبية والعلمية التي تتحدث عن حالات هرمونية أو خلل فيزيولوجي في التركيبة البنيوية للجسم، أو حالات نفسية بحاجة إلى دعم نتيجة خلفية زمانية أو بيئية معينة. ولكن في الوقت نفسه، لا يجب أن نقوم بدعمهم ليعامَلوا كأشخاص كاملين في الحقوق والواجبات، إذ كيف من الممكن أن نستفيد نحن هذه المجتمعات التي تنهش بها الرواسب الفاسدة، من السماح لهم بالزواج والارتباط ومتابعة حياتهم كأيّ زوجين طبيعيين، في حين أنّ أهمّ سبب للزواج هو الإنجاب وخلق جيل جديد ينتمي إلى هذه العائلة أو إلى هذا المجتمع ويكون نسخة متطورة كفيلة باستمرار النوع البشري؟ كيف من الممكن أن نشجعهم على أن ينالوا هذا الحق «تكوين عائلة» الذي هو نواة مجتمعاتنا ونقطة ارتكاز مهمة، وأثبتت قوتها منذ وجود أول إنسان على هذه الأرض؟ ولنسلّم جدلاً بأننا سمحنا بهذه الظاهرة فلا أعتقد أنها ستقف عند هذا الحد، إذ سيطالبون بالتبني حتى يعيشوا حالة الأبوة أو الأمومة، وهذا سيكون مبرّراً إذ لا منطق في منع التبني طالما سُمح بزواج المثليين، وإذا قاموا بالتبنّي كيف ستكون حالة هذا الطفل المُتبنّى وهو يبصر النور وتتفتح مداركه على مشهد غريب وهو وجود أبوين أو أمّين بدلاً من أم وأب؟! وما هي المشاعر التي سيحصل عليها نتيجة وجود جنسين متشابهين؟! إذ سيكون نواة لتغيير نفسي في طبيعته قد تؤدّي لأن يبلغ بطريقة غير طبيعية، وبالتالي «فرطت المسبحة» وعلى الدنيا السلام.
هذه الحالة تذكرنا بالمدارس غير المختلطة إذ تنشأ شاباتنا أو شبابنا في هذه المدارس لفترة كبيرة وهم لا يعرفون بأنّ هناك جنساً آخر غيرهم ويكون مغيّباً عنهم أو عنهنّ تماماً، ولا يملكون أدنى معرفة عن ماهية تكوين الآخر، وعند الحياة العملية تكون الكارثة إذ سيكون عليهم اجتياز مراحل ضمن جامعاتهم أو أماكن عملهم أو حتى في الزواج، من أجل التعرّف إلى هذا الآخر وفي أغلب الحالات تكون النتائج مأسوية.
وبالعودة إلى موضوعنا، كيف من الممكن أن نفرح لهذا القرار بينما نحن في مجتمعاتنا، ما زلنا نكافح من أجل قانون مدني ومن أجل زواج «حقيقي» مدني يضمن للرجل وللمرأة الاستمرار بالحبّ والكفاح من أجل تكوين أسرة حقيقية وطبيعية لا يسودها سوى الحب بعيداً من الدين ومن العادات والتقاليد. كيف لنا أن نسمح ونشجع بينما يوجد هنا بيننا أشخاص لا يؤمنون بوجود الآخر؟ كيف من الممكن أن نشجع هذه الحالة ونحمل علماً ملوّناً يرمز لدلالات لا تعنينا في الوقت الحالي، بينما هناك لون واحد طاغ وهو اللون الأحمر، كيف من الممكن أن نفرح بينما هناك خطر حقيقي يحيط بدولنا وشبابنا ويهدّد أحلامنا ومستقبلنا وأرضنا وقيمنا؟ لا نستطيع حتى أن نقف صامتين ونقول إنّ هذه القضية لا تعنيني كشخص بينما هي قضية تهدّد مجتمعاتنا ووجودنا واستمراريتنا، ولا يجب أن نقف مكتوفي الأيدي فاسحين الطريق لشبابنا بأن ينجرّوا إلى قضايا ليست من قضايانا الوجودية، في حين أنّ أرضنا تستباح وأطفالنا وشبابنا ونساؤنا يغتصبون كلّ يوم وفي كلّ ثانية، ولم نر أيّ تحرك من هؤلاء الشباب أو من العالم المتشدّق بالإنسانية لنصرة هؤلاء الأشخاص الذين لا يعرفون منذ 5 سنوات أيّ حق من حقوق الإنسان.
كفانا انجراراً وراء أمور لا تعنينا كسوريين، ولنجد طريقة نحتوي من خلالها مثل هذه الحالات إذا كانت موجودة بيننا، ولكن وفق مبادئنا نحن وأفكارنا نحن وما يتناسب مع وجودنا وهويتنا.
عذراً، ولكن في هذا اليوم المشهود نفسه، استشهد العديد من الشبان والأبطال الذين يكافحون ويقاتلون متخلين عن حبيباتهم وزوجاتهم من أجل استمراريتنا ووجودنا، هم أهمّ في حال كنا نريد أن نثور افتراضياً أو الكترونياً، فعلينا أن نشكرهم ونقدّرهم لا أن نقدّر قراراً يمحو قوة شاب أو شابة بالمقاومة في ميدان الحب أو الحرب على هذه الأرض السورية من أجل استمرار النوع البشري.
نحن كسوريين لدينا أمور أهمّ نتداولها أو نطوّرها أو نناقشها من هذا القرار، لدينا قضية وطن، وقضية وجود، وفي حال خسرناهما، سوف نذهب والقرار ومشجعيه إلى صفحات النسيان.