لهذه الأسباب قضّت معركة الزبداني مضاجع شركاء الحرب على سورية

هشام الهبيشان

اليوم يراقب العالم ككلّ مسار معركة الزبداني التي تعتبر في توقيتها ونتائجها المستقبلية عنواناً لمرحلة جديدة من عمر الحرب على الدولة السورية، فاليوم بات لا خيار أمام الدولة السورية إلا الاستمرار بالحسم العسكري لتطهير الأرض سورية من رجس الإرهاب ومتزعّميه وداعميه ومموّليه، وأن تقرّر مصيرها بنفسها بعيداً من تقاطع مصالح المشروع الأميركي الصهيوني وأدواته من الأنظمة الرجعية العربية والمتأسلمة في الإقليم، وجزء من هذا الحسم هو حسم معركة الزبداني التي بدأت قبل أيام داخل المدينة السورية القريبة من الحدود اللبنانية، وتحتلّ أهمية استراتيجية باعتبارها مفتاحاً لسلسلة جبال القلمون التي تمتدّ على طول السلسلة الشرقية بين سورية ولبنان.

في سورية اليوم يساوي تحرير الزبداني للدولة السورية مكسباً كبيراً وورقة رابحة جديدة في مفاوضاتها مع كبار اللاعبين الدوليين المنخرطين بالحرب على الدولة السورية ومن خلال ورقة الزبداني وما بعدها، ستفرض الدولة السورية شروطها هي على الجميع، وعندها لا يمكن ان تحصل أي تسوية إلا بموافقة الدولة ونظامها الرسمي، ووفق ما يراه من مصلحة لسورية الشعب والدولة، بعد كل ما لحق بهذا الشعب من أذى من قبل أطراف الحرب على سورية، وهنا لا يمكن لأي متابع أن ينكر حجم الأهمية الاستراتيجية للزبداني عسكرياً والمتموضعة بموقعها الاستراتيجي بشمال غربي العاصمة دمشق، فهي تشكل أهمية استراتيجية بخريطة العمليات العسكرية السورية، باعتبارها مفتاحاً لسلسلة مناطق تمتد على طول الجغرافيا السورية، فهي نقطة وصل بين مناطق القلمون الممتدّة من وسط سورية حمص، امتداداً على طول شريط مناطق القلمون وصولاً إلى الحدود اللبنانية غرباً، وهي تعتبر تقريباً من آخر معاقل المجاميع المسلحة الموجودة على طول السلسلة المذكورة، إضافة إلى كونها تشكل نقطة ربط بين المناطق الجغرافية السورية المرتبطة بالجولان العربي السوري وسلسلة جبال وتلال الحرمون ومناطق الحدود اللبنانية السورية من جهة القلمون الشمالي الغربي، وهذا ما يعكس حجم الأهمية الاستراتيجية الكبرى لهذه البلدة، بخريطة المعارك بالعاصمة دمشق بشكل عام، وريفيها الشمالي والغربي بشكل خاص، مروراً بمناطق الجنوب السوري بشكل عام ومحافظة القنيطرة بشكل خاص.

اليوم بدأت تأثيرات هذه المعركة تظهر على أرض الواقع خارج حدود سورية وفي تصريحات وتحليلات واهتمامات من قبل الأطراف الدولية المنخرطة بالأزمة بسورية، اليوم نرى ونسمع عن استعدادات «إسرائيلية» بالخفاء والعلن للتدخل بأي وقت بمجريات المعركة وعلى الأغلب سيكون التدخل خارج الحدود السورية وأقصد هنا ضربة استباقية لحزب الله داخل قواعده في لبنان، ولا أستبعد هنا أن يتدخل الكيان الصهيوني بشكل مباشر بمعركة الزبداني من خلال تحريك عمليات مبشرة بالجنوب السوري لدعم وإسناد المتطرفين الذين تدعمهم «إسرائيل» بدء من سلسلة جبال الحرمون انتهاء بسلسلة جبال القلمون، الذين راهنت عليهم «إسرائيل» طويلاً على أمل أن يشكلوا للكيان الصهيوني حزاماً أمنياً «جدار طيب» يعزل الجولان العربي السوري المحتل عن عمقه الجغرافي السوري.

وعلى المحور الآخر، بدأت الخشية الصهيونية تظهر بشكل واضح من تطور القدرات العسكرية والعملياتية والتخطيطية والتسليحية والتنسيقية بين مقاتلي حزب الله والجيش العربي السوري، فاليوم عندما يخرج جنرالات «إسرائيل» ويتحدثون بالعلن أنّ تحرير أجزاء واسعة من بلدة الزبداني المحصنة بشكل كامل من المجاميع المسلحة بساعات معدودة، والتي قد تكون تحصيناتها العسكرية أكثر من تحصينات الكثير من المدن «الإسرائيلية» بل يقول بعضهم إنها قد تكون أكثر تحصيناً من تل أبيب بحد ذاتها، وهذا يعني بحسابات القادة العسكريين والسياسيين في تل أبيب أن تحرير الجيش العربي السوري وقوى المقاومة اللبنانية لبلدة مثل الزبداني يعني بالعرف العسكري أن مقاتلين حزب الله بالذات والجيش العربي السوري قادرون بأي وقت على إسقاط وتحرير أي مدينه فلسطينية محتلة وضرب خطوط دفاعها وتحصيناتها في أي حرب مستقبلية متوقعة مع الكيان الصهيوني.

ويقول هنا جنرالات الكيان الصهيوني، إن القوة العسكرية والعملياتية لحزب الله تحديداً باتت قادرة على القيام بأي عملية نوعية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وتحرير أراضي، في أي حرب مستقبلية متوقعة مع الكيان الصهيوني، فجنرالات الكيان يقولون: إنه كما حرر حزب الله والجيش العربي السوري وضربوا تحصينات المجاميع المسلحة في مساحات واسعة من الزبداني والقلمون هم قادرون على إسقاط وتحرير مدن فلسطينية محتلة بالمستقبل القريب في أي حرب مستقبلية متوقعة، وهذا شيء جد خطير بالسياسة العسكرية والأمنية «الإسرائيلية»، وهنا ينبع الخوف «الإسرائيلي»، ومن هنا بدأنا نحسّ بارتجاف ورعشات «الإسرائيليين»، ومن هنا سمعنا وقرأنا في تحليلات «الإسرائيليين» عن احتمالات شن عدوان «إسرائيلي» على قواعد حزب الله في لبنان أو حتى التدخل بشكل مباشر في المعركة لتحويل مسار المعركة وبنفس الوقت التخفيف من حجم الضغط على المجاميع المسلحة وبنفس الوقت ضرب حزب الله وشل قدراته اللوجستية والعسكرية.

معركة الزبداني بشكل خاص والقلمون بشكل عام لا تعني الكيان الصهيوني فقط، فهناك أطراف عدة تعنيها هذه المعركة، فالنظام السعودي المنغمس بالحرب على سورية لا يريد أن يتلقى هزيمة جديدة، وقد تكررت هزائمه بالقلمون وبعموم مناطق الجنوب السوري تحديداً، فتحرير الزبداني يعني للنظام السعودي سقوط كل ما يليها كأحجار الدومينو، وبالتالي خسارة جديدة وكبيرة للنظام السعودي وخصوصاً بمناطق الغوطة الشرقية وخصوصاً بلدة دوما التي تعتبر معقل ميليشيا جيش الإسلام المدعومة من النظام السعودي، والتي من المتوقع أن تنتقل عمليات الجيش العربي السوري لها قريباً وقريباً جداً، وهذا ما لا يريده النظام السعودي ولذلك اليوم نرى هناك حالة من الترقب والعجز عن التحرك في أركان النظام السعودي المعنية بمسار الحرب على سورية لمجريات معركة الزبداني وما بعد الزبداني.

أما بالنسبة لواشنطن فهي الآن كما تتحدث الكثير من التقارير والتحليلات بدأت فعلياً بمراجعة موقفها ورؤيتها من تطورات الأحداث بسورية، وهي بدأت بمراجعة فعلية لموقفها من الحرب على سورية، وخصوصاً بعد فشل مجموعة عواصف دعمتها واشنطن من جنوب سورية إلى شمالها عن تحقيق أهدافها، وهي تراقب عن كثب تطورات الأحداث بالميدان السوري، من دون أن تحسم موقفها بشكل واضح من هذه التطورات، فاليوم الصحافة ووسائل الإعلام ومراكز الأبحاث الأميركية بدأت تتحدث عن فشل الرؤية والاستراتيجية الأميركية بخصوص موقفها من الحرب على سورية، بعد فشل أميركا وحلفاؤها عن تحقيق أي إنجاز فعلي على الأرض بسورية، وتؤكد مراكز الأبحاث هذه أن صمود سورية يهيئ الأرضية لانتصارها مستقبلاً مدعومة بحلفائها، وهذا ما يستدعي من واشنطن أن تحسم خياراتها سريعاً، وأن تعلن موقفاً صريحاً من رؤيتها لتطور أحداث الحرب على سورية، واشنطن بدورها بدأت تخشى من مسارات المغامرات المنفردة التركية السعودية «الإسرائيلية» في سورية، والتي تخشى واشنطن أن تكون لها تداعيات كارثية على المنطقة والعالم ككل، ولهذا فهي تراقب عن كثب هذه التطورات وتوصل رسائلها للجميع «مرحلياً» إنها ليست معنية بتطور هذه الأحداث وأنه على وشك حسم خياراتها الاستراتيجية بما يخص مسارات الحرب على سورية.

أما بالنسبة لفرنسا وبريطانيا وغيرها من الدول المنخرطة بالحرب على سورية، فقد تحدثت وسائل إعلام هذه الدول بمجموعة تقارير بما يخص معركة الزبداني بشكل خاص، وتقول هذه التقارير إن تحرير الزبداني على أيدي الجيش العربي السوري ومقاتلي حزب الله من شأنه إحداث تغيير جذري في الخريطة العسكرية لأطراف الصراع وتقول هذه التقارير أيضاً أن الزبداني تعتبر آخر معقل لقوات المعارضة في المنطقة أي منطقة القلمون، وتحريرها ستكون له تداعيات كبرى على الأرض، وهذا ما لا تريده هذه الدول على أقل تقدير بالوقت الراهن، ويبدو واضحاً أن لندن هي الأخرى بدأت كما واشنطن بترتيب ملفاتها من جديد بما يخص موقفها من الحرب على سورية بعد تمدد رقعة الإرهاب الذي بات فعلياً يهدد بريطانيا بشكل صريح، أما النظام الفرنسي فيبدوا أنه سيبقى منخرطاً بالحرب على سورية، لحين خوض الانتخابات الجديدة بفرنسا، والتي من المتوقع أن تشكل وفق نتائجها المنتظرة انعطافة كبيرة من الدولة الفرنسية تجاه وضع حلول للحرب على سورية.

ختاماً، على الجميع أن يدرك أن معركة القلمون بشكل عام والزبداني بشكل خاص ستكون لها الكلمة الفصل وفق نتائجها المنتظرة بأي حديث مقبل يتحدث عن تسويات بمسارات الحرب على الدولة السورية وتغيير كامل ومطلق بشروط التفاوض المقبلة بين جميع الأطراف فالمعركة لن تتوقف عند حدود بلدة «الزبداني» وستكون لها تداعيات كبيرة على عموم ملفات الميدان العسكري السوري.

كاتب وناشط سياسي الاردن

hesham.awamleh yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى