تكثيف الهجمات الإرهابية: الضرورة والتوقيت…
أحمد علي العبدالله
فقط من ينظر إلى الجسم الإرهابي الموجود على أرض سورية بعين شنآن، تلك العين التي تقلب الحق لباطل والأخير لحق، يعتقد أن هذا الجسم سيد نفسه، على رغم أن الحقيقة نقيض ذلك، ولسنا من بحاجة لاجترار التصريحات التي تؤكد أن الولايات المتحدة الأميركية هي القابلة التي ولَّدته وولَدْته ليكون ذراعها العسكري في المناطق التي لا تستطيع أن تتدخل فيها مباشرة لتنفيذ أجندتها، بدءاً من التصريح الشهير لهيلري كلينتون.
فلا يجب أن يساور مجرد الظن أحداً أن «داعش وأخواته» منظمات ذاتية المنشأ وذاتية التفكير والتخطيط والتحرك وذاتية ابتكار أساليب الذبح، كطريقة إعدام الطيار الأردني الكساسبة، بل إنها مسيرة من قبل المشغلين الإقليميين والدوليين الذين يرسمون لها مسارها واتجاهها ويدعمونها كما أثبتت التجارب، وإن ادعوا محاربتها، فهم يستثمرونها مرتين، حين يسخرونها لتنفيذ مشاريعهم على الأرض أو على الأقل كجماعات ضغط مسلحة أولاً، وحين يقصفون أطرافها أو بعض تحركاتها ليقدموا أنفسهم للرأي العام أنهم يقاتلونها ثانياً، وتالياً فهذا الجسم هو حطب معركتهم في كلتي الحالتين.
بناءً على ما سبق، أي لجهة التقدم الاستراتيجي الذي ينجزه الجيش العربي السوري كل يوم، وفي المقابل الهزائم التي كانت دائماً من نصيب الجسم الإرهابي، إضافة إلى حالة الاقتتال التي كانت دائماً تنشب بين فصائل ذلك الجسم إثر كل هزيمة كما حدث في جبل الزاوية مرات وفي القلمون أخيراً، ولجهة الوقت الذي بات ينفذ أمام القوى الإقليمية الداعمة للإرهابيين كون المشغل الأصيل بات على مشارف نهاية ولايته، يمكن أن تدرك دلالات وضرورة وتوقيت تصعيد وتيرة وكثافة هجمات «داعش والنصرة» على ضوء عوامل عدة منها:
1- لا بد أن تدرك هذه الهجمات على اعتبار أنها ردود فعل يقوم بها الإرهابيون بأن من المشغلين السعودية، تركيا، قطر، الكيان الصهيوني بعد أن هزموا في أكثر جبهة ومعركة وعلى وجه الخصوص في ميدان القلمون حيث تلقوا الهزائم الاستراتيجية التاريخية، وفي مقدمهما السعودية والكيان الاستيطاني، فبالنسبة للأخير من حيث كونه كان يعتمد على «النصرة» كعناصر رصد واستخبارات لكل طرق وممرات القلمون التي يمكن أن يمرر عبرها أسلحة وذخائر للمقاومة في الجنوب اللبناني، وكذلك كعناصر يمكن أن تقاتل الجيش السوري والمقاومة في آن واحد وتالياً يمكن أن يضعفا عبر الاستنزاف، أما بالنسبة للسعودية فإن «نصرة» القلمون كانت رأس حربة لعنوان جديد «جيش الفتح» يمكن أن يحاصر ويهدد العاصمة بعد تسويقه وتصويره للغرب السياسي وأوباما على أنه قوة «معتدلة» يمكن أن تهزم داعش والدولة السورية على السواء.
2- تحاول القوى الإقليمية الداعمة للإرهاب أن تستعيد ثقة المشغل الأصيل سيد البيت الأبيض فيها، بعد أن فشل الرهان الذي لطالما قدموه له، وهو أن «المعارضة السورية» قادرة على إسقاط الدولة السورية، بل الوقائع أثبتت عكس ذلك، أي كانت تلك المعارضة المزعومة لا تتلقى الهزائم فحسب، وإنما كانت تقاتل نفسها لعشرات المرات وفي أكثر من منطقة سورية، لدرجة أن الأميركي أدرك عجز هذه الفصائل المتعارضة في ما بينها عن تحقيق الهدف، بشهادة جوبايدن وجون هدسون في مجلة فورين بوليسي وبريت ماكورك المسؤول في الخارجية الأميركية وكذلك الصحافي الشهير الذي يدرك المزاج السائد في كواليس البيت الأبيض وهو سيمور هرش في لقائه مع شبكة أريج الإعلامية في عمان.
3- نتيجة إدراك هذه القوى التي أعلنت الحرب على سورية عبر الإرهاب بأن لا حل عسكرياً في سورية منذ تصريح فورد في مؤتمر جينيف حين أعلن على الملأ: «لا حل عسكرياً في سورية «واللي موعاجبو ياكل»…»! ومن ثم أخيراً في قمة كامب ديفيد حين أنهى الرئيس أوباما حلم هذه القوى بإمكان «التدخل المباشر» بأن لا يوجد أي حل عسكري بالنسبة للأزمة السورية، فوجدت القوى نفسها أمام أمر واقع عنوانه صمود الشعب والجيش والدولة السورية، وثبات حلفاء دمشق على مواقفهم تماماً كما صرح الرئيس الروسي أخيراً مؤكداًَ التزام روسيا بمساندتها للشعب والدولة السورية، بات عليها أن تعتمد على إرهابييها بالدرجة الأولى وتكثف الهجمات.
4- كذلك نتيجة إدراك هذه الأطراف المعادية للشعب السوري أن الوقت بات ينفذ أمام الأميركي كونه سيبدأ قريباً جداً بإيجاد الحلول مع الروسي والإيراني قبيل مغادرته سدة الرئاسة مطلع عام 2017، لا بد من احتلال أكبر قدر ممكن من المواقع والأراضي لتقوية الصوت التفاوضي في المؤتمرات واللقاءات والمشاورات لذلك المشغل الأصيل، ومن هنا يمكن أن ندرك أيضاً هجوم داعش على تدمر، ذلك لجر الجيش العربي السوري لمشاغلته عن المعركة مع تلك الأدوات الإقليمية عبر تشكيلها الإرهابي الجديد «جيش الفتح» الذي تراهن عليه «بالحاق الهزيمة بالدولة السورية».
5 – لأن حلف أعداء الشعب السوري كان يدرك مسبقاً هزيمة أردوغان في الانتخابات كان عليه أن يزج بآلاف الإرهابيين من جهة الحدود الشمالية قبل أن تتغير السياسة الخارجية التركية إثر فوره بالقدر الذي لا يسمح له أن يتفرد بتشكيل وتسيير الحكومة وقرارتها وتوجهاتها، لتكون «النصرة» وغيرها من التشكيلات وجدت على الأرض.
6 – وفي جنوب دمشق يمكن لأي مراقب أن يكون قد أدرك تكثيف هجمات النصرة وشقيقاتها جاءت بأمر غرفة «موك»، وبخاصة على مدينة السويداء ذلك لتكريس خطاب الأعداء «الطائفي» الذي أعلنوه منذ بدء الحرب على سورية من أجل توجيه مجرى أحداث الحرب نحو التقسيم الذي يحلمون به، و«لشرعنة» أي خطوة حمقاء يمكن أن يقوم بها الكيان الصهيوني بذريعة «حماية» السكان المنطقة بحسب منطقهم.