الحرب الباردة التي يقودها البنتاغون و «وول ستريت» وشركات النفط الكبرى ضد روسيا
بيل دوريس
على رغم غياب الاتحادان الروسي والسوفياتي عن الساحة، إلا أن المؤسسة السياسية والعسكرية في الولايات المتحدة تسعيان لتدمير الوجود الروسي في المنطقة، وهذا هو الهدف من الأزمة التي خلقها البنتاغون ووزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية في أوكرانيا.
هو الموضوع عينه الذي دفع نظام جورج بوش لغزو العراق في عام 2003، الحاجة المالية والحسابات الاقتصادية قادت الخطاب المناهض للصين عبر البنتاغون والبيت الأبيض.
الحاجة المالية ليست فقط للجياع والمشردين بل لأصحاب الوظائف ولأولئك الذين لا يستطيعون دفع الإيجار أو الرهون العقارية، أو الذين يجب ان يختاروا بين التدفئة والأكل.
إنها مسؤولية المصرفيين في وول ستريت والرؤساء التنفيذيين في الشركات الكبرى لضخ الارباح من عائدات الاستثمارات في ظل تباطؤ الاقتصاد العالمي الناجم عن الإفراط في الإنتاج الرأسمالي.
إدارة الطاقة الأميركية تقول إن الولايات المتحدة سوف تحل محل روسيا هذا العام كأكبر منتج للطاقة الهيدروكربونية في العالم. وتقول الولايات المتحدة إنها سوف تحل محل المملكة العربية السعودية -الرقم 1 في انتاج النفط في العالم بحلول عام 2015».
هذه هي نتيجة الرأسمالية الأميركية التي استثمرت مئات المليارات من الدولارات على مدى السنوات الـ 10 الماضية في – التكسير الهيدروليكي للنفط والغاز الطبيعي من الصخر الزيتي-. إكسون موبيل الشركة الأكثر ربحية في العالم، قضت 41 مليار دولار في عام 2010 لشراء XTO -طاقة التكسير العملاقة-. إكسون موبيل هي أكبر منتج للغاز الطبيعي في الولايات المتحدة.
شيفرون، فيليبس 66، فاليرو، بيركشاير هاثاواي وجنرال الكتريك هي من أكبر 10 شركات، وهي تراهن على ريع 500 شركة لجلب التكسير، وصعد بعضهم إلى المراكز العشرة الاولى على أساس هذه الاستثمارات.
ولكن هذه الاستثمارات تدمر البيئة ولن تكون مربحة، أسعار النفط، وإنتاج الطاقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يحدد الاسعار القياسية.
«حرب العراق» منجم شركات النفط الكبرى
الغزو الأميركي للعراق دمر البلاد، وضرر بشدة الطبقة العاملة والمجتمعات المضطهدة، وشركات النفط الكبرى في وول ستريت شعرت أن الباب فتح أمامها.
في عام 2002، قبل أن يدمر الغزاة الأميركيون صناعة النفط المملوكة من الدولة العراقية، كان سعر خام غرب تكساس، -المعيار المستخدم في صناعة النفط- يحوم حول 20 دولاراً للبرميل. وبحلول نيسان عام 2003، عندما توجهت الدبابات الأميركية إلى بغداد، وصل خام غرب تكساس لأكثر من 40 دولاراً للبرميل. وارتفعت ارباح إكسون موبيل وشيفرون، -أكبر شركات النفط في الولايات المتحدة-، إلى ما يقرب من 300 في المئة.
بحلول منتصف عام 2008، تهديدات الحرب والعقوبات ضد إيران مع استمرار الحروب في العراق وأفغانستان جنباً إلى جنب رفعت سعر النفط إلى 147 دولار للبرميل. وكان هذا العام هو الأكثر ربحية لإكسون موبيل منذ أي وقت مضى.
الحرب في الشرق الأوسط أدت إلى نهب رمال القطران في كندا، ومشاريع إزالة قمة الجبل في أبالاتشيا.
لكن الرأسماليين سوف يفعلون كل ما في وسعهم، لزيادة الأرباح، وسوف ينتجون أكثر مما قد تتحمل الأسواق، وقد شهد الربع الثالث من عام 2008 على انخفاض أسعار النفط على رغم الأزمة الاقتصادية الرأسمالية العالمية.
بعض المحللين يتوقعون انخفاض الأسعار إلى 50 دولاراً للبرميل بحلول عام 2015، وتميل أسعار النفط والغاز الطبيعي للتحرك جنباً إلى جنب، وهناك حاجة لأن تصبح أسعار النفط بين 60 إلى 80 دولاراً للبرميل. احتياطيات الصخر الزيتي التي تبلغ 26 تريليون دولار قد يصبح لا قيمة لها اليوم .
ومن شأن الأزمة أن تعطل تدفق الطاقة الروسية إلى أوروبا وتغير الصورة جذرياً، في 14 نيسان، أعلنت CNBC أن النفط يحوم حول 108 دولارات مع تفاقم الأزمة الأوكرانية».
«الحرب الباردة» من أوروبا إلى أميركا
في عام 1970 كان الاتحاد السوفياتي أكبر منتج للطاقة في العالم، وكان يستهلك الكثير من إنتاجه محلياً والجزء الاخر يقدمه إلى البلدان الاشتراكية الأخرى بحسب ترتيبات المقايضة. اعتمدت أوروبا الغربية على النفط العربي والإيراني والغاز المباع من الولايات المتحدة وبريطانية .
في وقت مبكر من عام 1980، مولت البنوك الألمانية والفرنسية مشروع خط أنابيب سوفياتي ضخم، ودعت لنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا الغربية. وشن نظام ريغان حملة علنية وسرية لتخريب المشروع. واشنطن تريد أن تؤذي الاقتصاد السوفياتي، بطبيعة الحال. وهي تريد أيضاً الحفاظ على سيطرة أوروبا الغربية على احتكارات الطاقة في الولايات المتحدة، وقد تم الانتهاء من المشروع وسكب الغاز الطبيعي السوفياتي في أوروبا.
في عام 1998، روسيا الرأسمالية، ردت على المضاربة من خلال تخفيض قيمة الروبل، وخفضت سعر النفط دون 11 دولاراً للبرميل، ووقعت صناعة النفط الغربية بحالة من الذعر.
وردت الولايات المتحدة بالصواريخ والقنابل، وكان الهدف ليس روسيا ولكن العراق. في غضون ثلاثة أشهر استطاع نظام كلينتون إيجاد ذريعة لقصف العراق، -الذي كان يعاني بالفعل من العقوبات التي ساهمت الولايات المتحدة في فرضها-. قبل عامين، كانت وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت قد اعترفت بأن العقوبات أدت إلى مقتل 567 ألف طفل عراقي، وقالت: «كان الثمن يستحق ذلك».
ومع إمطار العراق بالقنابل، كان وليام ريتشاردسون وزير الطاقة يتوسل مسؤولي شركات النفط الأميركية لبناء خطوط أنابيب نفط وغاز إلى مناطق آسيا الوسطى التي كانت تحت النفوذ السوفياتي السابق لتعزيز دور الولايات المتحدة هناك.
الحرب تقيد الإنتاج
الطاقة هي السلعة الأكثر ربحية في العالم. البنتاغون يحتاج إلى حماية وتوسيع موازنته المتضخمة التي ستواجه تخفيضات «إلزامية» في عام 2016، الجنرالات تسعى إلى توسيع دور الناتو شرقاً، ونشر القوات الأميركية في الاتحاد السوفياتي السابق، المجمع الصناعي العسكري يريد مزيداً من مبيعات الأسلحة لدول أوروبا الشرقية.
المصرفيون والسياسيون يدركون أن الأزمة قد تدفع برؤوس الأموال إلى الخارج نحو الولايات المتحدة مما يساعد على إبقاء البنوك الأميركية في مركز بارز في الاقتصاد العالمي. توقع المحللون في وول ستريت هروب رؤوس الأموال من روسيا وحدها بحدود الـ 150 مليار دولار هذا العام، أي أكثر من ضعف ما كان عليه في عام 2013 .
السوق الرأسمالية العالمية هو في معركة دائمة بسبب أزمة: الإفراط في الإنتاج. المصرفيون يجلسون على تريليونات من الدولارات التي لا يمكن استثمارها بمعدل «مقبول» من الربح.
النظام الإمبريالي العالمي لا يمكن أن يستوعب القدرة الإنتاجية للتكنولوجية العلمية الصناعية التي وجدت في الاتحاد السوفياتي السابق.
سوق الإمبريالية لم يعد يتسع للاتحاد الأوراسي، وكومنولث الدول المستقلة، ومنظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي أو الكتلة المتزايدة من دول البريكس البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا ، والتي تسعى إيران للانضمام اليها. لا مكان للاتحاد الأفريقي أو التحالف البوليفاري لشعوب قارتنا الأميركية.
«الحرب الباردة» لم تنته مع سقوط الاتحاد السوفياتي، لأن العداء ليس مقتصراً على الاشتراكية ولكن على التناقضات الداخلية للرأسمالية نفسها.
الطبقة الرأسمالية الاحتكارية في الولايات المتحدة وجهاز الدولة التابع لها يجب أن يدمر من أجل البقاء على قيد الحياة.
ترجمة: وكالة أخبار الشرق الجديد