عون يُخرج المعركة من «المسيحية» وحزب الله حليف حاضر

روزانا رمّال

نجح التيار الوطني الحر في اختبار الشارع الذي كان من المفترض أن يسجّل نقطة ضعف في تكتيك التيار وحساباته الموضوعة دائماً بصورة أنا أو لا أحد .

تصرف الشبّان باحترام لهالة المؤسسة العسكرية ولم تسجل حالات شاذة خرجت عن السلمية، بالرغم من تعرض البعض منهم للضرب ما جعل العماد عون يوجّه انتقاداً لاذعاً إلى قيادة الجيش الحالية وما أعطت من أوامر أولاً، وما صدر عن اليرزة كوثيقة مغلوطة كما وصفها ثانياً، في خصوص توصيف الحادث.

وبطريقة غير مباشرة ظهر موقف العماد عون من قائد الجيش العماد جان قهوجي وهو موقف سلبي يشرح خلفيات لم يتحدث عنها العماد عون لكنها ظهرت في طريقة انتقاده لما صدر عن اليرزة وكأنه يلمّح إلى عدم حيادية القيادة الحالية وكأنها ترى في المتظاهرين طرفاً خصماً وتصدر بيانات تدافع عن إجراءاتها في وجههم بدل كونها المؤسسة الحاضنة لهؤلاء الشبان الذين تعهدوا بألا يسمحوا لأحد أن يراهن على رسم شرخ بين الجيش وبينهم أو البناء على استثمار أي ثغرة مستقبلاً في أي حراك مقبل، وخصوصاً أنّ عون وصف ما جرى في بداية الطريق.

النزول إلى الشارع كان مسؤولية كبيرة جداً، فعند التيار يحضر مشهد السنوات السابقة في الأذهان حين نزل تيار المستقبل ومناصروه من حلفاء سياسيين وغيرهم إلى الشارع للمطالبة بإسقاط حكومة رئيس الوزراء حينذاك نجيب ميقاتي وتحضر أمامهم أيضاً استقالة الرئيس الراحل عمر كرامي إثر اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، فكانت المسؤولية على التيار الوطني الحر الذي يعرف أنه اليوم الطرف الآخر وليس الطرف الذي اعتاد هذا الأسلوب في التعاطي مع الحكومات، بغضّ النظر عن دعمه من أي جهة، خارجية كانت أم داخلية، بالإضافة إلى معرفة التيار الوطني الحر أنه يتظاهر في أماكن تعتبر بمعظمها منطقة مصالح الشارع المقابل أو الخصوم اللدودين.

يعرف العماد عون جيداً أنّ تيار المستقبل هوالذي يقف في وجه أي مطلب يسعى إليه، ويعرف أيضاً أنّ رئيس الحكومة تمام سلام هو لسان حال هذا التيار في الوقت الراهن بالنسبة للمواقف الأخيرة، ويبدو أنه تحضّر جيداً للمواجهة التي أظهرت أنّ هناك مديراً جيداً جداً يقف وراء هذا التنسيق الواضح، فبينما كان المتظاهرون على مقربة من السراي الحكومية، كان صوت الوزير جبران باسيل يصدح داخلها ولكن قبل بدايتها مع تقصد وجود الإعلام كي يؤكد الجاهزية للمواجهة وليعلن أنّ التيار ربما خرج عن أي قيد سيحرمه من استكمال الطريق نحو انتزاع حقه مهما كان هذا الطريق معبداً بالمصاعب.

تمكن التيار الوطني الحرّ من خلال هذه التظاهرة الشبابية من الحصول على اعتراف بحضوره ومكانته وقدرته على صناعة الحدث، فكشف عن شجاعة الإقدام والإصرار على استكمال المعركة حتى النهاية، وفي هذا رسالة سياسية واضحة وضعت برسم المعنيين في الداخل والخارج.

عملياً، نجح التحرك العوني في إيقاف مجلس الوزراء عن الانعقاد لمدة أسبوعين يتم خلالهما البحث في مطالبه وخصوصاً المطالب المتعلقة بصلاحيات رئيس الجمهورية على أن تُخصّص الجلسة المقبلة لهذا الأمر.

أما العماد عون الذي يعرف تماماً أنّ نزوله إلى الشارع بطلب مسيحي على وطنيته يعرف أيضاً أنه نزل إلى الشارع بدعم كبير ومطلق من حزب الله الذي كان حاضراً بقوة، هذه القوة أرادت التأكيد على أنّ حزب الله الذي لم ينزل إلى الشارع هو الحزب نفسه الذي يدعم عون حتى تحقيق كامل مطالبه، وتعرف قوى 14 آذار أبعاد دعم حزب الله الذي تعودت أنه لا يتراجع قبل أن يتمم ما يرى فيه حقاً وتعرف أيضاً أنّ الحزب هو حليف استراتيجي للعماد عون لا ينفع استغلال الشارع معه بلعبة أمنية عنوانها الظاهر عون والباطن حزب الله، وخصوصاً أنّ الحزب يعرف جيداً أنّ هجوم المستقبل على العماد عون جرى بإيعاز سعودي لقطع الطريق أمام عون للوصول إلى رئاسة الجمهورية، وكل ذلك خلفيته التحالف العوني مع حزب الله ، وبالتالي فإنّ 14 آذار تدرك تماماً أنّ الدين الذي وضعه حزب الله في عنقه بعد الوقفة الوطنية العونية مع حزب الله في حرب تموز ومواقف التيار الداعمة للحزب في عدة مكامن أبرزها مشاركته في القتال في سورية، ستصرف يوماً ما عند حزب الله دعماً غير مسبوق في المكان والزمان الذي يختاره عون.

أما ما يلفت، فهو نجاح عون في تحويل المشهد الذي بدا طائفياً للمصوبين إلى وطني بامتياز، فحوّل المعركة من معركة رئاسة جمهورية وتعيينات إلى معركة لقانون الانتخاب قبل أي شيء، فأصبح المطلب الأساس هو الشروع في تجهيز قانون انتخاب يصلح للمعركة النيابية المقبلة والتي لن يقبل التيار خوضها على ما أعلن من دون انتخابات نيابية، ما يشير إلى أنّ عون لا يريد الوصول إلى الرئاسة كيفما كان، إنما بأسس شرعية لا تؤكد سوى على يقينه من قدرة تياره على الفوز في أي قانون انتخاب يوضع.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى