قمة أوفا إعادة ثنائية القطب ببطولة جماعية متكاملة

سعد الله الخليل

من مدينة أوفا عاصمة جمهورية بشكورتوستان الروسية تستكمل موسكو رسم خطوط سياستها العالمية وتتقدّم بهدوء لحجز مكانها الطبيعي على مسرح الأحداث الدائرة بعيداً عن الضجيج والجلبة التي تركت مهمة إثارتها لمنافسيها الذين فشلوا في جرّ المارد الروسي إلى زواريب السياسة والأمن، ومحاولة تعويمه بعلاقات مارقة تلبّي مصالح سياسة آنية ومكاسب تكتيكية لا تؤثر في مسار السياسة العالمية، ولا تحفر في عمق التاريخ السياسي، فيما نجحت واشنطن في جرّ دول أوروبا إلى هكذا نهج أفقد هذه الدول تاريخها السياسي العريق وحوّلها إلى تابع للأميركي.

جمعت روسيا وللمرة الأولى في تاريخ «منظمة شنغهاي للتعاون» ودول مجموعة «بريكس» التجمّعين في قمة واحدة لا بقصد الاستعراض بجمع أكبر عدد من قادة الدول في قاعة واحدة، أو كسب فرصة الرئاسة الروسية للمجموعتين بضرب عصفورين بحجر واحد وسلق القمم على طريقة جامعة الدول العربية أو الأمم المتحدة التي قلما تأتي بقرارات تحدث انقلابات وتغيّرات في مسار الأحداث السياسية، إنما جمعت روسيا عوامل القوى الكبرى في السياسة والاقتصاد والأمن ثالوث العلاقات الدولية والقواعد الأساسية لبنيان الدول، فـ«منظمة شنغهاي للتعاون» التي أنشئت بهدف مكافحة الشرور الثلاثة الإرهاب والتطرف والنزعة الانفصالية ورغم ما شهده تطور المنظمة وأهدافها من نقلات نوعية بدأت بحلّ الخلافات الحدودية بين الصين وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق المحاذية لها، إلى توقيع معاهدة خفض القوات العسكرية في المناطق الحدودية وبناء الثقة العسكرية ولعلّ السياسات العالمية جعلت أحد أهمّ أهداف تكتل شنغهاي إيجاد موازن للقوة الأميركية وتجنّب النزاعات التي تسمح لواشنطن بالتدخل في مناطق قريبة من حدود الصين وروسيا، وكردّ مباشر على تهديد القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة ومشاريع أنظمة الدفاع الصاروخي الأميركي ومشروع حرب النجوم في أوروبا، ومن هنا تأتي أهمية القمة الحالية في التنسيق لمواجهة مشاريع واشنطن الأمنية في منطقة الشرق الأوسط، والتي وإنْ بدت بعيدة عن حدود دول المنظمة إنما تداعياتها ترتدّ عليها مباشرة، عدا عمّا شهدته القمة من إطلاق حوار هندي ـ باكستاني يفتح الباب أمام مصالحة بين قوتين أمنيتين وازنتين قبل انضمامهما إلى المجموعة، وهو ما ستنعكس نتائجه في المطلق على المنظمة ككلّ، وبما أنّ عين الاقتصاد لا تغيب عن عالم الأمن فإنّ التشبيك مع مجموعة «بريكس» والتي تشهد أسرع نمو اقتصادي في العالم يتمثل بالبرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا يمنح هذا التحالف بعداً اقتصادياً ستظهر نتائجه بقوننة هكذا تحالفات عبر بنك التنمية الجديد وإطلاق صندوق الاحتياطات النقدية برأسمال 100 مليار دولار لكلّ منهما، بما يمكن الدول المتحالفة من إطلاق تنمية اقتصادية وبشرية حقيقية في مواجهة سيطرة واشنطن ودول الغرب على سياسات البنك الدولي ومشاريعه الإغراقية للدول المدينة كمقدمة للسيطرة على قراراتها السياسية… ولبنان واليونان يمثلان نموذجين صارخين لنتائج تلك السياسات.

بين السياسة والأمن والاقتصاد تكتب موسكو سياسات مواجهة تحديات العقود المقبلة وتنسج تحالفات تعيد ثنائية القطب العالمية الجديدة والتي تصرّ موسكو على تغليب البطولة الجماعية لدول لها وزنها العالمي، كلّ هذا وواشنطن تراقب ما يدور بقلق وحذر شديدين خروج مراكز القوة عن سيطرتها وبناء عالم تعدّدي جديد يمسك خصومها بمنظمة معاهدة شنغهاي التي تشكل ربع سكان الأرض، وقد تضمّ نصف البشرية مع دخول الهند وباكستان ومنغوليا، ومجموعة «بريكس» أكبر تجمع لنمور الاقتصاد العالمي المقبل، في الوقت الذي يواجه فيها حلفاؤها الأوربيؤن خطر انفراط عقدهم السياسي والاقتصادي والأمني.

من مدينة أوفا تطلق موسكو قاطرة النظام العالمي الجديد بتكامل ذكي بين الاقتصاد والسياسة والأمن، فهل من قادر على إيقافها؟

«توب نيوز»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى