هل طمس خامنئي الخطوط الحمراء الخاصة بالعقوبات؟.. وأيّ «داعش» تُحارب واشنطن ومعها العالم
إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق
تحتلّ المفاوضات في شأن النووي الإيراني حيّزاً كبيراً من اهتمام الصحف الغربية والإعلام الغربي، لا بل الحكومات على مدى العالم. فثمّة أطراف تؤمن بجدّية هذه المفاوضات وبجدوى الوصول إلى اتفاق. وثمّة أطراف أخرى، تضع العراقيل أمام أيّ سبل للتوصل إلى اتفاق، ومن أبرز هذه الأطراف، «إسرائيل».
التقرير التالي، المترجم عن صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأميركية، يسلّط الضوء على تأثير آية الله خامنئي، على هذه المفاوضات. وعلى رؤيته في خصوص العقوبات المفروضة على إيران، وهو الذي قال ـ بحسب الصحيفة ـ إن لرفع العقوبات عدداً من مراحل التنفيذ المختلفة ونحن نقبل هذا. مضيفاً أن رفع العقوبات يجب أن يسير متوازياً مع تنفيذ التزامات حول الاتفاقيات الإيرانية.
وتضيف الصحيفة أنّ خامنئي أبدى في ملاحظاته دعماً واضحاً لكلّ أولئك المفاوضين في الفريق التفاوضي الإيراني، مشيراً اليهم على أنهم «أصدقاء» يقدمون المشورة في حين أنهم «ليسوا معصومين… ونحن نؤكد ثقتنا بهم وبجدارتهم وتقواهم وحماستهم وشجاعتهم». وأضاف خامنئي: «إذا كنتُم على بيّنة من مضمون المفاوضات وتفاصيلها وما يحدث هناك، إذاً، ستؤكدون الكثير مما أقوله».
كما يسلّط تقريرنا التالي الضوء على «إمكانيات داعش»، بحسب «Monsters, Inc»، إذ أبدى كاتب المقال جون ب. ألترمان، «إعجابه» بهذا التنظيم الإرهابي، معدّداً ما «يكتنزه» من مواصفات تميّزه عن سواه من المنظمات لا سيما «القاعدة». ومن أبرز هذه المواصفات، أنه يشكّل علامة تجارية فريدة.
كتبت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأميركية:
خامنئي والعقوبات
أخبر الزعيم الإيراني آية الله علي خامنئي في اجتماع مع مسؤولين حكوميين في 23 حزيران، أن العقوبات الاقتصادية، المالية والمصرفية ـ سواء تلك فرضها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أو الكونغرس الأميركي، أو حتى الإدارة الأميركية ـ يجب أن تُرفع فور توقيع الاتفاقية، جنباً إلى جنب مع غيرها من العقوبات المتبقية على فترات معقولة.
لا يزال توقيت وتيرة العقوبات، أحد أهم القضايا الشائكة مع المفاوضين المجتمعين في فيينا، والهادفين إلى توقيع اتفاق نووي في الأيام القليلة المقبلة. وفيما يستغرق مسؤولون أميركيون في تحليل تصريحات خامنئي، يصرّح أحدهم للصحافية لورا روزن التي تغطي المحادثات النووية في فيينا: «أكثر ما يهمنا ما يحدث داخل غرفة المفاوضات، وما إذا كانت إيران ستتمسك بالتزاماتها… كما كانت تفعل دوماً».
ويكتب محمد علي شعباني ما لم ينقل عن تصريحات خامنئي، والذي بدا أنها خطوط حمراء أكثر صرامة قد لا توصل إلى اتفاق، «إنه لمن السهل أن نخطئ في قراءة ما قيل». وفي السياق عينه، وفي معرض تعليقاته على العقوبات الغربية، يؤكد خامنئي أن لرفع العقوبات عدداً من مراحل التنفيذ المختلفة ونحن نقبل هذا. مضيفاً أن رفع العقوبات يجب أن يسير متوازياً مع تنفيذ التزامات حول الاتفاقيات الإيرانية.
كذلك كتب شعباني، «الغريب في هذه الحالة أن المكتب الإعلامي الخاص بخامنئي يحرّض على مثل هذا النوع من التصريحات. يمتلك خامنئي موقعين إلكترونيين: القائد دوت إيران، وخامنئي دوت إيران. كذلك، فإن تعليقه الأكثر أهمية حول رفع العقوبات والذي نُشر باللغتين الإنكليزية والفارسية نُشرت على هذه المواقع المذكورة آنفاً.
ويوضح شيباني في معرض تصريحاته أنه سيُحدّد موعد مبدأي لبدء التوقيع على الاتفاقية: «وتؤكد مصادر إيرانية رفيعة المستوى لمونيتور عدم توقيع أيّ شيء في فيينا، حتى لو تمّ التوصل إلى اتفاق. وتشير إلى أنه للولايات المتحدة مسارها الخاص للتصديق على الصفقة، وإذا فعلت ذلك، فإن السداسية الدولية الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا وإيران، ستبدآن تنفيذ الالتزامات، لكن مثل هذه الإجراءات تستغرق وقتاً طويلاً. فالحدّ من عدد أجهزة الطرد المركزي، على سبيل المثال، لا يمكن القيام به خلال في غضون أيام.
علاوةً على ذلك، وفيما يبدأ الجانبان باتخاذ التدابير اللازمة، ستوضع آلية لضمان التنفيذ في الموعد المتفق عليه، وعندما تنفذ الصفقة، سيفي كلا الجانبين بالتزاماتهما. وقالت هذه المصادر الإيرانية أن خامنئي كان يشير إلى تاريخ التنفيذ في خطابه، وأضاف أن إيران لا تزال تسعى إلى أن يصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قراراً يؤيد هذا الاتفاق.
أبدى خامنئي في ملاحظاته دعماً واضحاً لكلّ أولئك المفاوضين في الفريق التفاوضي الإيراني، مشيراً اليهم على أنهم «أصدقاء» يقدمون المشورة في حين أنهم «ليسوا معصومين… ونحن نؤكد ثقتنا بهم وبجدارتهم وتقواهم وحماستهم وشجاعتهم». وأضاف خامنئي: «إذا كنتُم على بيّنة من مضمون المفاوضات وتفاصيلها وما يحدث هناك، إذاً، ستؤكدون الكثير مما أقوله».
الأسد يختار معاركه في حلب
ينقل محمد الخطيب تقاريره من حلب، ويؤكد أن الحكومة السورية تسعى إلى كسر معاقل «المتمرّدين» في الشمال السوري، وذلك من خلال الاستفادة من معارك «داعش» ضدّ هؤلاء «المتمردين» هناك.
وقد لاحظ الخطيب أن الضربات الجوية الأخيرة للحكومة السورية، ألقت بثقلها على الأراضي التي تسيطر عليها «المعارضة السورية» المدعومة من الولايات المتحدة وحلفائها، في حين تتجنب ضرب المناطق التي يسيطر عليها «داعش». ومن هنا، تبرز تلك العلاقة الغامضة المزعومة والمشوّشة في أذهاننا بين الرئيس السوري بشار الأسد و«داعش». وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري قد قال في تشرين الثاني عام 2014: «إن نظام الأسد وداعش يعتمد كلّ منهما على الآخر في الواقع. لهذا، يقصف الأسد مناطق المعارضة بلا هوادة، بينما لا يفعل شيئاً تقريباً لعرقلة خطوات داعش ووقف تقدمه».
ويتابع الخطيب في معرض وصفه العلاقة المزعزمة بين الأسد و«داعش»: «على رغم حقيقة أن داعش يجب أن يكون مستفيداً من هذه الضربات الجوية، غير أنه لا يمكننا القول أنهما حليفان. فالنظام قد قاتل من قبل بشراسة ضدّ داعش، وتكبّد خسائر فادحة في الجنود والعتاد في آب وأيلول الماضيين، وذلك عندما هاجمت قوات تنظيم داعش مطار الطبقة العسكري وحقل نفط الشاعر. فما الذي سيدفع الأسد إلى مساعدة داعش بعد كلّ ما جرى؟».
يقول الخطيب: «هناك سببان رئيسان. يكمن الأول في أهمية المنطقة بالنسبة إلى القوات المتمردة المسلّحة. فالريف الشمالي في حلب يعدّ أحد أكبر معاقل المتمردين الوافدين من تركيا، وبوابة المتمردين الوحيدة إلى حلب».
كذلك يؤكد الخطيب أن للدعم الدولي للجماعات السورية «المعارضة» حساباته الدقيقة عند الأسد: «إن السبب الثاني للضربات الجوية الحديثة على مناطق المتمردين، تعني أن النظام يواجه اثنين من خصوم سورية: داعش، ضدّ التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، والمتمرّدين المدعومين بمجموعة من القوى في المنطقة، وتحديداً تركيا، قطر والسعودية. ومن هذا المنطلق، فإنه لمن المنطقي أن يعمل النظام على التخلص من العدوّ الذي يتلقى الدعم المالي والأسلحة من المصادر الإقليمية، وترك مهمة إضعاف العدوّ الرئيس للتحالف الدولي… داعش. ونتيجة لذلك، فإن القضاء على النظام المفترض للمتمردين السوريين يجبر المجتمع الدولي والفصائل التي تدعم هؤلاء المتمردين في التحالف هم أنفسهم مع النظام للقضاء على داعش».
«إسرائيل»… هدف «المتمرّدين» التالي
في 22 حزيران، هاجمت عصابة في مكان قريب من قرية مجدل شمس الدرزية سيارة إسعاف كانت تقلّ اثنين من المقاتلين السوريين إلى مستشفى «إسرائيلي»، قتلت أحدهما، لتتصاعد وتيرة الأسئلة ـ في ما بعد ـ حول مسؤولية «إسرائيل» ودورها في ما يحدث في سورية.
ويكتب بن كاسبيت أنه ومنذ وقوع ذلك الحادث، تكثف «إسرائيل» حملاتها الإعلامية بين الدروز محاوِلةً إقناعهم بأنها لا تتعاون مع، ولا تساعد القوات المتمردة أو جبهة النصرة، علماً أن عدداً من الدروز هناك مقتنعون بأن الجرحى السوريين الذين يتلقون علاجهم في مستشفيات «إسرائيل» هم من «جبهة النصرة». وفي 11 حزيران، ارتكبت هذه المجموعة نفسها مجزرة بحقّ الدروز في الشمال السوري، حيث تعيش هذه المجموعات على طول الحدود مع تركيا.
وقد أخبر نائب وزير الخارجية «الإسرائيلي» السابق مجلي وهبي، وهو نائب درزيّ في «الكنيست الإسرائيلي»، أنه بينما يميل إلى التصديق بأن بعض الدروز قد شاركوا في حادثة مجدل شمس، إلا أن لهذا الحادث صلاته بالحكومة السورية. فـ«إسرائيل» بحاجة إلى المزيد من التأهب ضدّ تهديد الجماعات الإرهابية كـ«جبهة النصرة»، و«داعش» واستمرار سيطرتهم على المزيد من الأراضي في سورية.
ويؤكد وهبي أن «القيادة الإسرائيلية استغرقت وقتاً لتعي هذا التهديد… ففي البداية كانوا يستمتعون برؤية نظام الأسد ينهار غير أنهم لم يتوقعوا من الذي كان سيحلّ مكانه. ومن الواضح بالنسبة إليّ أن إسرائيل هي الهدف التالي للإرهاب بعد سورية. وبهذا المعطى، فإن ما حدث للأيزيديين والمسيحيين لا يجوز أن يحصل مع الدروز. يدّعي البعض أن الحرب في سورية ستمتدّ لسنوات طويلة، وفي حال حدوث ذلك، فإن على إسرائيل اتخاذ أنفاس عميقة وإبقاء قواتها متأهبة. فإذا سقط نظام بشار الأسد قريباً في سورية، فإن على قوات الدفاع الإسرائيلية الاستعداد لاتخاذ تدابير دفاعية أوسع من ذلك بكثير على طول الحدود».
ارتفاع أسهم مصر
وكتبت آية أمان: «على رغم التحالف التركي الجديد مع المملكة العربية السعودية في سورية، ودعم الحركات الجهادية هناك، تتجه الجهود الدبلوماسية في القاهرة نحو التقليل من فعالية الدور التركي في الصراع الدائر في المنطقة. وفي الوقت عينه، فإن مصر تحثّ الخطى نحو تقارب مع روسيا، قد يعرّض نظام الأسد إلى أن يكون جزءاً من حلّ محتمل».
إن مؤتمر المعارضة الذي عُقد في القاهرة ـ والذي استضاف الفصائل الجديدة واستبعد «الائتلاف الوطني للثورة السورية» والقوات «المعارضة» المدعومة من أنقرة، أعلن عن خريطة جديدة لحلّ الأزمة. لا تلغي هذه الخطة حكومة الأسد، لكنها تنصّ على أن السبيل الوحيد لإنقاذ سورية، يكمن في إيجاد حلّ سياسي تفاوضي بين الأطراف المعارضة والنظام تحت إشراف الأمم المتحدة.
ملاحظات حول الشرق الأوسط
كتب جون ب. ألترمان لـ«Monsters, Inc»: ليس من الصعب العثور على بعض الأميركيين ممن يريدون سحق «داعش». إنما تكمن الصعوبة في إيجاد توجه جيد حول شكل هذا النصر. وقد وصف القاضي الشهير المرحوم بوتر ستيورات المواد الإباحية للمتشدّدين الإسلاميين: «سأعرفها عندما أراها»، ولم يبدُ هذا وصفاً مفيداً على الإطلاق.
هناك عدد من اللحظات العصيبة مرّت خلال السنوات الـ15 الأخيرة، عندما بدا أن الحال أشبه بمعركة ضدّ التطرف الديني قد بلغت أهدافها في العالم العربي. وبعد سقوط نظام صدّام حسين عام 2003، ساد واشنطن شعور بالرضا عن النفس، وبنسائم الحرية تلوح في أفق الشرق الأوسط، وأن الليبرالية بالمعنى التقليدي وبالتأكيد ليس بالمعنى السياسي الأميركي ستأتي في ما بعد. وعندما عمّت الانتفاضات الشرق الأوسط عام 2011، اقترح المعلّقون أن مثل هذه الأحداث ستهمّش المتطرّفين الذين أكدوا أن التغييرات لا يمكن أن تتمّ في نهاية المطاف من دون إلى اللجوء إلى قوة السلاح. كما حصل عندما قتلت قوات البحرية الأميركية أسامة بن لادن في أيار 2011، إذ بدأت مرحلة جديدة من التغيير بالظهور.
وكما يبدو حتى الآن في العالم العربي، أن الحركات المتطرفة قد تمّ تنشيطها. فتنظيم «داعش»، أحد أكثر المجموعات تطرفاً ووحشية، آخذ في التوسع واكتساب الأنصار. وبعد مرور أكثر من سنة على هجوم أكثر من 60 دولة غنيّة ومسلّحة تسليحاً جيداً يتماشى مع الولايات المتحدة، قد لا يربح «داعش»، لكن من الصعب التأكد من أنهم سيخسرون.
المشكلة الأساسية التي نشأت من طريقة التعاطي مع هذه الحركة، تكمن في مطالبتها بأن تكون دولة. فهي ليست دولة، ولا تسعى أن تكون كذلك في عالم الدول القومية. بل هي مشروع إجرامي، وأكثر، إنها مشروع تجاري. وفهمنا لتنظيم «داعش» من هذا المنظور، يعطينا معلومات وأدوات أوفر لكيفية التعاطي معه.
وكأي تجارة آخرى، فإن لتنظيم داعش مكاتب قيادية ناجحة، قادرة على التعبير عن الأهداف الاستراتيجية ومتابعتها، فضلاً عن التأقلم مع الظروف المتغيرة. وهو أيضاً نجاح في متابعة الاستثمارات، إلى حدّ إصدار تقرير سنوي وباللغة العربية مزوّد برسوم بيانية تساعد في تفسير الأداء في 14 مؤشر رئيس، ومقاييس شهرية لمنطقة تلو المنطقة، ما يدلّ على أن تنظيم داعش يحتضن المثال الأعلى «لا أستطيع إدارة ما لا يمكن قياسه».
برع هذا التنظيم في مجال العلامات التجارية كمثل الشركات الرائدة. وتأمل المنظمات من نيجيريا إلى الفيليبين في أن يمتدّ سحر تنظيم «داعش» إلى الدول التي تتعهد بالولاء له، على رغم أن التأثير العملي لولائهم لا يزال غير واضح. تعزز هذه المنظمة علامتها التجارية بشكل جزئيّ من خلال محاولة وسائل الإعلام الاجتماعية المبتكرة. يعيد جيوش من المتطوعين إعادة بثّ الرسائل على الفور، جاعلين منها مهمة تافهة لكلّ متعقب فضوليّ ليه الحشرية في مشاهدة هذه الفيديوات «المحظورة» على الإنترنت.
وقد حققت هذه الجهود في مجال العلامات التجارية دفعة قوية لتجنيد المزيد من المقاتلين من جميع أنحاء العالم، وهي مهمة صعبة أكثر بكثير مما يبدو. فهذا التنظيم لا يستقطب فقط الأشخاص المستعدين للموت، بل أيضاً مجموعة مختلفة ومحيّرة من اللغات. وعلى عكس «القاعدة»، التي تعمل بشكل حصري ـ تقريباً باللغة العربية، فإن تنظيم «داعش» يضمّ في صفوفه قوات تتحدث العربية، الإنكليزية، الفرنسية، الشيشانية، الروسية، التركية وغيرها. وفي مجال تقنيات الموارد البشرية، يُفترض تقييم مهارات الموظفين الجدد وإيجاد سبل تتطابق مع أولئك الموظفين في الأماكن المناسبة. القيام بذلك لا يُعدّ تعهداً صغيراً، وإدارة الخصومات العرقية الواضحة تشكل تحدياً مستمراً.
وقد يكون أكثر ما يفاجئ، تفعيل العلاقات الحكومية الناجحة. فالتنظيم لا يتفاوض فقط على مرور الأشخاص، الأموال، والمعدّات إلى داخل الأراضي التي يسيطر عليها وخارجها، لكنه أيضاً يكتسب أصول التعامل الاستخباراتي، الإفراج عن السجناء، الحصول على دعم الجهات الرئيسية الفاعلة. يقع هذا العمل في مكان ما بين الدبلوماسية والاستخبارات والضغط، يبقى الأهم في نهاية المطاف إنجاح وظيفة هذه المنظمة ومهامها.
وفي خضمّ كل هذا، فإن على تنظيم «داعش» تأكيد المحافظة على تطوير التوسع في المنطقة وعمق العمليات التي يقوم بها. وحقيقة أن يستطيع القيام بكلّ تلك الأمور وفي بيئة بهذه الديناميكية، هو أمرٌ يثير الإعجاب. فهو يستطيع المحافظة على سيطرته على هذه الأراضي التي تشكل أكثر بيئة حاضنة لأيّ جماعة إرهابية طوباوية.
إن دينامية هذا التنظيم طريقه إلى النجاح، فهو قادر على تصوير أن مجرد بقائه، انتصار ضدّ احتمالات شديدة الانحدار. كأن يُقال يومياً أن التنظيم لا يخسر، بل يربح دوماً وأن الولايات المتحدة لا تربح أبداً بل تخسر باستمرار. وللأسف، فإن جهود الولايات المتحدة تلعب دوراً رئيسياً في تحديد قوة تنظيم «داعش».
تقود الولايات المتحدة حملة بأسلحة ثقيلة، ما يفقدها صبرها أيضاً. فالطائرات تطير يومياً، ترصد الأهداف وتصطادها. فيما مخطط الحملة بكاملها يصبّ في خطوط متعددة، وأكثرها سهولة وتحديداً هي تلك العسكرية. ومع ذلك، فإن المحافظة على شعور بالتقدم في الحملة العسكرية أمرٌ صعب للغاية. فها هو هنري كيسينجر ـ المولع بالرصد ـ شهدناه طوال السنة الماضية يراقب ويستنتج، «لقد رأيت أربع حروب تبدأ بحماسة شديدة وبتأييد الرأي العام، ولا نعرف إلى الآن كيفية الخروج منها. علماً أن ثلاثاً من هذه الحروب شهدت خروجاً من جانب واحد ـ جانبنا».
قادت الولايات المتحدة حروباً ناجحة ضدّ الدول وقد أثبتت الحركات المتمرّدة كتلك في فييتنام الشمالية أنها حروب أكثر صعوبة وقساوة. لذا، فإن التفكير بالمعركة ضدّ تنظيم داعش بالمفهوم العسكري التقليدي، تفكير غير صحيّ.
أما المقارنات الأكثر أهمية، فهي تلك الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة والتي لم تتح لها فرصة كبيرة لـ«الفوز»: «الحرب على الفقر»، «الحرب على المخدرات». كلها تطلبت سنوات من الجهود الجبارة، ومن المقاربات المنهجية للحكومة بكاملها. ويبدو أنّ أعمالاً كثيرة كهذه تتمّ في غرف الاجتماعات حيث لا وجود لأسلحة على رغم العنف الحاصل على أرض الصراع. والأكثر أهمية من كل هذه الأهداف التي لا تتوخى القضاء التام على الأعداء، بل الحدّ من التهديد الذي يشكله على مرّ الزمن. فالهدف إنجاز تقدّم. قد لا يكون هذا شكلاً مرضياً للانتصار، غير أنه يبني على الأقلّ الدعم المطلوب لمواصلة الحرب.