تقرير
كتبت الوزيرة الصهيونية السابقة تسيبي ليفني في صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية: مرور سنة على «الجرف الصامد» هو قبل أي شيء ذكرى القتلى. أنا أكتب هذا المقال بعد عودتي من مراسيم ذكرى قتلى «الجرف الصامد» في «جبل هرتزل». فقد وقفنا هناك مع العائلات والمصابين، وفكرت في دانيال تريغرمان الذي يبلغ أربع سنوات ونصف السنة، وفي أمّ أورون شاؤول التي طلبت منّي أخذ صورة الولد الساحر وتذكّر إعادته وإعادة هدار غولدن لكي يُدفنا في «إسرائيل».
هذه هي المرة الثانية التي أعود فيها إلى هذا المكان خلال بضعة أيام، إذ شاركت الاسبوع الماضي في ذكرى مرور تسع سنوات على حرب لبنان الثانية. حينها أيضاً أُسمعت صلاة التذكر، وقرأوا من التوراة، وقطع الخطيب العسكري السماء والقلب بالاستجداء، وبعد وضع الأكاليل وقفنا بألم لنغنّي «نشيد التكفاه» الذي أنهى المراسيم وذكرنا، على رغم أننا لم ننسَ، إلى أي حد هذه الحرب عادلة وصادقة من أجل الدفاع عن حقنا في الوجود في ارضنا.
سنة على «الجرف الصامد»، تسع سنوات على حرب لبنان الثانية، وبينهما «الرصاص المصبوب» و«عمود السحاب»، حاربنا من خلالها جميعاً «الإرهاب الاسلامي» على اشكاله، فهو لا يقبل وجودنا هنا، وشعب «إسرائيل» كله موحد وقوي بشكل يثير الفخر في وجه الإرهاب. لكن مواطني «إسرائيل» يجب ألا يعيشوا فقط بانتظار الجولة المقبلة أو مع الشعور أن لا أمل للتغيير.
صحيح يمكن رفع الأيدي والقول إننا دولة صغيرة محاطة بالأعداء وليس هناك ما نفعله، وهناك أيضاً من هو مختص بذلك يستطيع تحقيق مكاسب سياسية. لكن، بحسب رأيي، حتى لو كان هذا هو الواقع في الحي الصعب الذي نعيش فيه، فإن واجبنا مواجهته. ومن حق الجمهور معرفة الحقيقة، ومن حقه أن نمنحه الأمل. ليس أملاً عقيماً وأحلاماً وشعارات فارغة، بل أمل مبني على رؤيا وحلم، سياسة وأهداف قابلة للتحقق في هذا الواقع المعقد.
في الحقيقة، «إسرائيل» أمام تحديين مختلفين: الهجوم من قبل الإرهاب الاسلامي، والهجوم السياسي من قبل الحركة الوطنية الفلسطينية. يجب انتهاج استراتيجية مختلفة ومتداخلة على هاتين الجبهتين. يجب استعمال القوة في وجه حماس: معها لا أمل للسلام. طموحها ليس إقامة دولة بل إزالتنا من الوجود، وهم يرفضون الاعتراف بدولة «إسرائيل» ويرفضون تبنّي اتفاقات السلام ووقف الإرهاب مقابل الحصول على الشرعية من العالم ورفع الحصار. على «إسرائيل» تقديم رسالة واضحة إلى جميع عناصر الإرهاب في المنطقة تقول إن من يعمل ضدنا بالقوة فلن يحقق مقاصده. لذلك، أيّدت العمليات العسكرية وعارضت طوال الوقت التفاوض مع حماس. في المقابل، هناك أولئك الذين لا يستخدمون الإرهاب لكنهم يحاربوننا في الساحة الدولية ويحظون بالتأييد التلقائي من العالم، في وقتٍ يتراجع تأييدنا وتأييد مواقفنا. وهنا يجب أن يكون الصراع بأدوات سياسية.
الحل الشامل يكمن في السياسة المتداخلة ـ في وجه الإرهاب يجب القيام بعمل عسكري حاسم، وبناء فوري لعائق تحت الارض على الحدود مع غزة كي يمنع وصول الانفاق إلى «إسرائيل». هذا استثمار مالي كبير لكنه ضروري. وفي المقابل يجب الاعلان عن مبادرة سياسية جديدة تضع الإرهابيين في الزاوية وتنشئ لنا تحالفات جديدة. فبدلاً من الاتفاقات مع حماس التي تعطي صورة ضعيفة لنا وانتصاراً للإرهاب، يجب الاتفاق مع العالم ضد حماس. إضافة إلى الضرر الذي يلحقه الجيش «الإسرائيلي» بها، سيفهم قادتها أنهم لن يحصلوا على أي انجاز سياسي بوساطة الإرهاب. هذه هي القدم السياسية النهائية التي تثبت الردع العسكري فترة من الوقت، وبطريقة صحيحة أيضاً إنشاء فرص جديدة.
هل هذا ممكن؟ بيقين نعم. هذه ليست نظرية بل هي حقيقة. كان يمكن إنهاء «الجرف الصامد» ليس فقط مع الردع الذي حققه جنود الجيش «الإسرائيلي» بشجاعتهم، بل أيضاً مع إنجاز سياسي يثبت المبادئ المهمة لنا وعلى رأسها نزع السلاح من غزة.
لقد عملت خلال الحرب وحصلت على موافقة دولية لاعتماد قرار في مجلس الامن يثبت المبادئ التالية: نزع السلاح من غزة كهدف بعيد المدى، وعلى المدى القصير منع ازدياده، والرقابة على البضائع التي تدخل إلى القطاع كي لا تُستخدَم في الإرهاب، التزام دولي بمحاربة الإرهاب في غزة وبدء المفاوضات السياسية من دون شروط مسبقة. المفاوضات على المطار ليس مع حماس، إنما مع السلطة الفلسطينية، ومنعهم أثناء المفاوضات من العمل بشكل أحادي الجانب لا في الفيفا ولا في مجلس الامن ولا في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي.
وبدلاً من قول نعم للاقتراح الذي يشمل إنجازات أمنية وسياسية، من دون أي تنازل عن المصالح «الإسرائيلية»، فضّل نتنياهو إجراء مفاوضات غير مباشرة مع حماس، وسارعت السلطة الفلسطينية إلى القول إنها ستضع على الطاولة اقتراحاً خاصاً بها وضد مصلحة «إسرائيل». لأن هذا هو حال المعركة السياسية طاولة مجلس الامن لن تبقى فارغة. إما مبادرة منّا أو منهم.
بدلاً من زيادة شرعية «إسرائيل» في مواجهة الإرهاب، فإن حماس تزيد من شرعيتها على حساب «إسرائيل». بدلاً من عزل حماس، فإنّ «إسرائيل» تتحوّل إلى دولة معزولة. بدلاً من مواجهة السفن الاستفزازية، كان يمكننا إنشاء تحالف جديد مع العالم العربي المعتدل، الذي يريد إنهاء الإرهاب الاسلامي ـ سواء سمّيناه حماس أو حزب الله، «داعش» أو إيران ـ لكنه لا يستطيع التعاون معنا بشكل علني، لأنذ لا مفاوضات هناك. الامر ليس متأخراً، وتجاهل فرصة ليس مبرراً. مواطنو «إسرائيل» وسكان الجنوب يستحقون هذا الجهد. صحيح أن الوصول إلى تفاهمات أسهل كون المصلحة الدولية تتطلب الهدوء في المنطقة، لكننا نستطيع إنشاء هذا الاتحاد مع الدول العربية المعتدلة حيث تكون البداية صراع مشترك ضد المتطرفين، وقد تكون النهاية سلاماً شاملاً مع الجميع.
أنا أوّل من أدركت وقالت إن سلوك الفلسطينيين إشكالي. من مصلحتهم الحصول على مطالبهم من العالم لا التنازل في غرفة المفاوضات، لكن إذا جندنا العالم من جديد إلى جانبنا فلن يكون لهم أي خيار. وبدلاً من قول ماذا يريدون منّا يجب تغيير النظرة والتفكير ماذا نريد نحن من أنفسنا وكيف نحقق ذلك.
مبادرة كهذه تستطيع إحداث تغيير فوري في وضع «إسرائيل» الاقليمي والدولي، وإخراجنا من العزلة وإبعاد ضباط الجيش «الإسرائيلي» عن المحاكم الدولية، وتمكين الجيش من العمل بحرّية ضدّ الإرهاب وخلق أمل جديد. وكي ينجح هذا علينا الاثبات أنه إلى جانب الحفاظ على الامن وعلى المصالح القومية، نحن بحاجة إلى التوصل إلى اتفاق سلام، ولا أجندة خفية لنا تناقض مبدأ دولتين لشعبين.
أنا أضمن السلام وراء المفترق، حتى لو كان بعيداً عن العين، يجب أن نذكر أنه يخدم الحلم المشترك على رغم كل ما حدث من حولنا، وظيفتنا الحفاظ على الحلم الصهيوني والدولة اليهودية والديمقراطية الآمنة والعادلة في «أرض إسرائيل».