رسالة أبو فاعور

يوسف المصري

انتهت أمس أول جولة من اشتباك معركة الإرادات السياسية بين التيار الوطني الحر من جهة ورئيس الحكومة تمام سلام ومن ورائه في معسكر 14 آذار بكلّ تفرّعاته، من جهة ثانية.

وتحدد معلومات لمصادر تابعت أمس وقائع ما جرى، ملاحظتين اثنتين بوصفهما سوابق ضمن ما حدث وهما الأخطر:

الأولى تعتبر بالشكل لأن وعي قيادة الجيش والتيار الحر أحبط مفاعيلها. وتتمثل هذه الملاحظة بمحاولة جهات في فريق 14 آذار وضع أكبر مكون سياسي مسيحي بوجه أهم مؤسسة وطنية عابرة للطوائف، ولكن حسابات هذه الجهات كانت تريد الوصول لصياغة تأويل مزور لما حصل، ومفاده أن المكون المسيحي الأكبر يصطدم مع المؤسسة الأهم للمسيحيين ضمن كعكة حصص الطوائف داخل النظام اللبناني.

يريد هذا التأويل المزور الادعاء بأنه بعد دفن دستور العام 1943، لم يبق للمسيحيين داخل كعكة السلطة من حيث الصلاحيات والمعنويات غير منصب قيادة الجيش، وعليه فإن الصدام بين أهم مؤسسة للمسيحيين وأكبر مكون سياسي للمسيحيين، سيؤدي إلى أضعاف الطرفين ووضعهما في محرقة واحدة.

لقد نجح الجيش والعونيون في الخروج من هذا الامتحان على نحو يعبر عن أصالة المؤسسة الأولى الوطنية وعلى تمسك التيار الحر بإيمانه بالجيش كمؤسسة حامية للجميع. ولكن من الواضح خلال وقائع ما جرى أنه كانت هناك محاولة لزعزعة موقف الجيش الوطني ولإظهار أن العونيين في صدام مع الجيش وليس مع عناوين سياسية تغتصب حقوق المسيحيين.

وبعد إحباط هذا الرهان، وتجاوز هذا الكمين بخير، تبقى هناك علامة استفهام حول هوية المحرضين على اللعب بهذه الورقة، وحول ضرورة إيقافهم عند حدّ.

الملاحظة الثانية وهي في الجوهر، وتتحدث عن الملاسنة التي سادت بين الوزير جبران باسيل وبين رئيس الحكومة. وهي بدت على رغم تمنٍ لو أنها لم تحصل – بمثابة أنها نتيجة طبيعية لأجواء احتقان سياسي متراكم بين الرابية والمصيطبة سادت طوال أيام سبقت عقد الجلسة الحكومية. ولكن ما بدا غير مفهوم في سجال الملاسنة هو تدخل الوزير وائل أبو فاعور من خارج السياق، وذلك ضمن وظيفة صب الزيت على نار الخلاف وليس احتوائه. لقد كانت مداخلته مكشوفة لجهة أنها أرادت دفع سلام لتصعيد لهجته ضد باسيل لدرجة تحريضه على إخراجه «برا». لقد بدا تصرف أبو فاعور معاكساً لكل استراتيجية الاحتواء والتوسط التي اتبعها جنبلاط طوال السنوات الأخيرة.

والسؤال الذي طرحته جهات مهتمة بقراءة ما حدث في جلسة أول من أمس، واستنتاج عبر سياسية منه، هو ما الذي دفع أبو فاعور لتقصد أن يبدو «ملكاً أكثر من الملك» بالدفاع عن سلام، فهل الأمر حصل على نحو «انفعالي» أم «افتعالي» مقصود وهدفه أبعد من الدفاع عن سلام وموقع رئاسة الحكومة؟

تقول الإجابة عن هذا السؤال إن أبو فاعور افتعل موقف الدفاع عن سلام لإيصال رسالة تكمل جهد النائب وليد جنبلاط لإظهار نفسه أنه ضمن تحالف مع «السنة» في المنطقة وذلك من «جبهة النصرة» حتى رئيس الحكومة اللبنانية. إنها رسالة مقصودة تريد القول أيضاً إن جنبلاط متموضع «مذهبياً» وليس فقط سياسياً وإنه يمارس هذا التموضع على نحو مغالٍ ضمن ساحته اللبنانية.

وتعلق هذه القراءة أن كل مجريات جلسة الخميس الحكومية، كانت مفهومة على رغم ما حدث خلالها، سوى رسائل أبو فاعور التي بدت لها أهداف أبعد من الخلاف بين عون والحكومة السلامية وأبعد من مناورة دعم أبو فاعور سلام. وما يخدم هذا التحليل هو أن وليد جنبلاط كان استبق جلسة الخميس الحكومية واتصل بالجنرال ميشال عون وبرّر له موقفه وذلك على نحو يشير إلى أن زعيم المختارة ليس في موقع صدامي مع الرابية. ويبدو أن جنبلاط الذي كان يعرف مسبقاً أن وزيره أبو فاعور سينفذ سيناريو يقدمه كمدافع عن «رئيس الحكومة السني» داخل الجلسة، كان يريد عبر اتصاله المسبق بعون ترك هامش للتأويل الداخلي يفسر موقف أبو فاعور في الجلسة الحكومية بأنه مجرد انفعال شخصي عابر.

التقدير للمحافل المتابعة عينها والمهتمة بقراءة ما حدث يوم الخميس يؤكد أن موقف أبو فاعور ليس «انفعالياً» بل «افتعله»، وأن المردودات التي تنتظرها المختارة لهذا «الافتعال» هو تمتين صلة الثقة بينها وبين «جبهة النصرة»، وذلك ضمن رؤية لجنبلاط تفيد بأن المقبل من الزمن سيؤدي إلى سيادة نفوذ التنظيمات الإسلامية المتشددة وأنه المطلوب خطب ودها منذ الآن لضمان البقاء!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى