«دفاتر نوح» لعبد الحليم حمود… رواية حبّ وفلسفة وشعر

دارين حوماني

حين أنهيت قراءة «دفاتر نوح»، شعرت أنني وجدت عبد الحليم حمود من «الملامح الأولى» إلى «مرآة الذات»، ووجدتني أدفن نفسي داخل هذا الـ«زمن» الذي يملك عدداً من الهويات، ملأها الكاتب ثقافة وفناً وفلسفة، من دون أن يبتعد عن بساطة الحيّ الذي سكنه بكل مكوّناته، وهو المكوِّن الأساس في شخصيته. أحببت «نوح» بعمقه وشاعريته: «هناك لحظات حارقة في تجاربنا نتمنى لو نمسحها حتى تفقد أي أثر». «خلال سنوات قليلة تجاوزت تلك اللحظة وقرأتها بعين المحايد».

تمتلئ نصوص «دفاتر نوح» بفلسفة متأتية من وعيك وإدراكك لما آلت إليه حياتنا، فأنت تريد لـ«لوحة العشاء الأخير» أن تعبّر عما وصل إليه الدين بإقحامه في غير هالته، عبر تكوين اللوحة للهمبرغر والكولا. كما تجد في نسج الكروشيه إعادة إحياء روح «يريدون لنا أن ننساها» هذه الفلسفة الغرائبية التي تمنحنا الأبعاد العميقة لأبسط تفاصيل حياتنا. ثم تأخذنا بعيداً في تساؤلاتك «إذا كان التعدد داخل الدماغ ذاته هو التشويش بعينه، هل القبول بالفكرة وعكسها هو انعدام للهوية؟».

لقد أحببت «زمن» ربما لأنني وجدت نفسي هناك حيث «الأماكن التي يقطنها هي الروايات ولا مكان آخر يعيش فيه… أحمل دفاتري لأنجو… أفكاري تبحث عن اليابسة… يا لهذا الحياد البليد ما أقبحه».

رائعة عبد الحليم حمّود تذكّرنا باللاوعي الذي نمضي فيه فتتطرّق إلى صوغ هوية المرأة سيكولوجياً عبر التاريخ. من الشرائع التي أنصفت المرأة وتلك التي حقّرتها، ثم لتسقط عنها أساطير رسختها عقلية الذكر حتى صدقتها المرأة وراحت تردّدها بلا وعي أو انتباه. كما تذكرنا بالزمن الماضي وبالابتعاد عن التسطيح الفكري. فتنهي روايتك «دعوتكم لأقول لكم إن العقل الإنساني قد مات ولتصمت البشرية جمعاء لكل زمنها المقبل».

أحببت كثيراً هذا المزيج الجميل الذي يكوّن شخصيتك من الفن إلى الفلسفة إلى الشعر، تلك هي مكونات عبد الحليم حمود. لم يفعل إلا أن كتب نفسه التي تفيض وتفيض بكل ذلك.

جمعية «حواس»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى