أميركا تستعدّ لخيار فرض القوانين العرفية خشية تنامي الاضطرابات الداخلية

سيستعرض قسم التحليل في تحقيق خاص غير مسبوق ظاهرة تنامي نزعات التمرّد والتهديد بالعصيان المدني في الولايات المتحدة، مصحوبة بارتفاع معدل وحجم المناورات العسكرية الأميركية داخل البلاد، وما يرافقها من قلق واسع للاعتقاد بأنها تهيئة وتمهيد لاستخدام القوات العسكرية في قمع التحركات الشعبية في المستقبل.

كما سيتناول التحليل المتاعب التقنية والتمويلية التي تواجه برنامج أحدث الطائرات المقاتلة الاميركية، اف-35، التي تعوّل عليها «اسرائيل» وتستبدل المقاتلات من الجيل السابق، وعدم انضباط سبل الإنتاج الحربي لمعايير الميزانيات المرصودة.

تفاقم الحروب العربية العربية

أعرب معهد كارنيغي عن قلقه من تزايد حالة الاحباط بين «المواطنين العرب» وضيق ذرعهم لتعثر المسارات الديمقراطية، لا سيما في مصر والأردن والمغرب، «مما يغذي حالة العزلة السياسية، وخطورة ما ينطوي عليها من لجوء القوى المهمشة للخيارات العسكرية… يقابلها قرار السلطات السياسية باعتماد القمع عبر قواتها العسكرية عوضاً عن إشراك الآخرين». وحذر من انّ ما يتطلب فعله «في اللحظة الراهنة ـ وضع حدّ للأعمال العدائية في كلّ من سورية والعراق واليمن، بضمانة إجماع دولي». وحث المعهد الحكومات المعنية تطبيق «انخراط شامل للقوى في المسارات السياسية، ووضع حدّ للعنف الذي تمارسه أجهزة الدولة… والالتفات الى ضرورة معالجة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية».

حث مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية دول المنطقة على ضرورة الإبداع في الشؤون العسكرية لاحتواء «التطرف الديني وممارساته العنفية… والتحديات الناشئة عن حتمية مواجهته وما تفرضه علينا من مراجعة شبه شاملة لمستويات التعاون في شؤون الأمن القومي، والأساليب المتبعة لمواجهة التهديدات، وكذلك الآليات المعتمدة في التدريب والتعليم». واوضح انّ «تنامي الترابط بين التحديات الاجتماعية والصراعات الأهلية تحتم علينا إعادة التفكير بالدور الذي ينبغي ان تضطلع به قوات حماية الأمن القومي والحاجة إلى تضافر العمليات العسكرية والمدنية… والذهاب بها الى مديات أبعد مما أطلقنا عليه يوماً ما مصطلح الثورة في الشؤون العسكرية».

«داعش»

استعرض معهد كارنيغي ما يعتقده من استراتيجية «داعش» مؤكدا انّ «بروز التنظيم على المسرح يؤشر على بدء عصر جهادي جديد… يستند الى تفسير متطرف للشريعة ويعزز موقعها الى ما هو أبعد من ثمة منظمة إرهابية بصرف النظر عن جذورها كفرع لتنظيم القاعدة في العراق». واوضح «انّ عناصر الاستراتيجية… تستند الى جملة عناصر: الرؤية الواقعية في ما يخص النظام السوري السيطرة على وتطوير المناطق التابعة لها للتحكم بالمواطنين واستقطاب المقاتلين الأجانب استغلال العقيدة الفكرية ووسائل الإعلام كأدوات للتحكم بالمواطنين وتجنيد المقاتلين وجمع التبرّعات واعتماد استراتيجية عسكرية مركزية».

ترابط ظاهرة «التيارات الجهادية» في كلّ من تونس وليبيا كان محور اهتمام مركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، مشيراً الى الصعوبات التي واجهتها الحكومة التونسية لضبط حدودها المشتركة مع ليبيا «خلال السنوات الأربع الماضية، مما يرجح احتمال مشاهدتنا هجمات جديدة لتنظيم داعش مصدرها ليبيا او مرتبطة بها». وحذر من انّ ما نشهده في المرحلة الراهنة «له جذور ضاربة عميقاً في التاريخ ترجع إلى عقود عدة من الزمن، وتمثل معضلة يتمّ تجاهلها في أغلب الاحيان، او الاستخفاف بها، او إلقاء اللوم على أطراف أخرى من قبل المسؤولين في تونس قبل وبعد ثورة عام 2011».

ايران

جدّد معهد واشنطن شروطه للفريق المفاوض الأميركي بأنه ينبغي عليه «وضع قيود على برامج إيران للأبحاث وتطوير القدرات الصاروخية» جنباً الى جنب مع القيود النووية، نظراً إلى ما يزعم به عن بدء ايران «ومنذ عام 2004 اعتماد تقنية المخروط الثلاثي تصميم مرتبط حصراً تقريباً بالقذائف النووية في الرؤوس المتفجرة لصواريخ شهاب المختلفة». كما جدّد مطالبته لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي «يفرض قيوداً على برامج ايران الصاروخية، وتهدّد باتخاذ عقوبات حقيقية بحق اولئك الذين يوفرون الدعم لبرنامج إيران الصاروخي».

فنّد المجلس الاميركي للسياسة الخارجية مزاعم العقوبات الاقتصادية كسلاح رادع للبرامج النووية، لا سيما أنّ «تجربة كوريا الشمالية أوضحت حصولها على القنبلة النووية في ظلّ عقوبات صارمة ضدّها، وإيران كذلك باستطاعتها الوصول إلى تلك المرحلة». واوضح انّ إيران لديها ميزة أفضل من كوريا الشمالية «لتطوير سلاح نووي حتى بعد التوقيع على الاتفاق، اذ تتمتع بتبادل اقتصادي أكبر ولديها بنية تحتية أفضل». وأضاف انّ إيران تستند قاعدتها المعرفية الى طواقمها العلمية فحسب، بل ايضاً من القاعدة العلمية لكوريا الشمالية «التي تتعاون معها في المسائل النووية وبرامج التسليح منذ عدة سنوات». واوضح انّ ما يعزز اعتقاده بذلك المقابلة التي اجراها وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في شهر نيسان الماضي مع الاعلامي الشهير شارلي روز اذ «أقرّ أنه بالرغم من العقوبات المفروضة فإنّ إيران استطاعت مراكمة موادّ نووية لتسليح ثمانية رؤوس… مستدركا انّ بلاده لم تجر تجارب على السلاح النووي بعد لعدم رغبتها في ذلك».

تركيا

اعرب معهد واشنطن عن اعتقاده بأنّ الرئيس الرتركي رجب طيب اردوغان ذاهب الى إجراء انتخابات مبكرة درءاً «للتدني التدريجي في نفوذ حزب العدالة والتنمية» في أجهزة الدولة، بل خسارة كلية لسيطرته في بعضها. وحث المؤسسة التركية الحاكمة على إقرار «قوانين جديدة تضمن استقلالية المؤسسات الرسمية عن تعديات السلطة التنفيذية كأفضل سبيل لصون استقلاليتها». وأوضح انّ ما يعزز اعتقاده بخيار الانتخابات المبكرة هو جملة مؤشرات من بينها انتخاب رئيس البرلمان».

توسع وانتشار عسكري بغطاء مضلِّل

تململ ومعارضة شعبية في المجتمع الأميركي على خلفية إجراء «قيادة العمليات الخاصة»، مناورات وتدريبات عسكرية واسعة النطاق في أراضي الولايات الجنوبية والمطلة على مياه خليج المكسيك، تستمرّ لثمانية أسابيع، لمحاكاة بيئة «حرب حقيقية»، تمتدّ من 17 تموز الجاري الى 15 أيلول المقبل. المناورات العسكرية تشارك فيها أذرع «القوات الخاصة» في كافة الأسلحة: براً وجواً وبحراً ومشاة بحرية تضمّ وحدات الضفادع البشرية، وقوات اللواء 82 المحمولة جواً، ومشاركة أجهزة حكومية منها مكتب التحقيقات الفيدرالي وهيئة الحماية من المخدرات.

المناورات الضخمة ستجري على أراضي ولايات: تكساس، يوتاه، نيومكسيكو، اريزونا، كاليفورنيا، نيفادا وفلوريدا تحت مسمّى «جيد هيلم 15». ردود الفعل الأولية كانت الرفض بشدة من قبل التيارات اليمينية والميليشيات المسلحة التابعة لها، لا سيما في ولاية تكساس، لاستخدام فضائهم الجغرافي كقاعدة تدريب موسعة «تتعدّى فيها أذرع القوات العسكرية المختلفة على حرمة الأراضي العامة والخاصة لإطلاق مناورات تحاكي حرباً حقيقية… وشنّ عمليات خاصة فوق أراضٍ معادية يعاونها الطيران الحربي من ولاية الى أخرى».

جدير بالذكر انّ «قيادة العمليات الخاصة» لها ميزانية خاصة بها ضمن وزارة الدفاع، وطالبت بتخصيص نحو 11 مليار دولار للسنة المالية 2016، يذهب جزء منها لتمويل مناورات «جيد هيلم 15»، بغية التحقق من جهوزية القوات العسكرية في بند جديد للعقيدة العسكرية يعرف بـ«الاختصاص البشري» لدراسة بيئات الحروب المختلفة في الأبعاد الاجتماعية والحضارية والاقتصادية وفق أدبيات قيادة العمليات الخاصة.

تحظى ولاية تكساس بميزة خاصة ونزعة انفصالية بين مواطنيها، على خلفية مناهضة تدخل الدولة المركزية في شؤونها، تعززها العائدات الهائلة من النفط وتنام مستمرّ لأوضاعها الاقتصادية. قيادة العمليات الخاصة تنوي إشراك 1.200 جندي وعسكري في رقعة تمتدّ إلى نحو 17 مقاطعة في ولاية تكساس في مهامّ متعدّدة أوضحتها في بيان لها بأنها تشمل «تسلل وإنقاذ الأفراد والمعدات، عمليات استرداد الأفراد، دمج مهام القوات التقليدية، عمليات الإنقاذ الجوية، التزوّد الجوي بالوقود، تحركات طويلة المدى واستخدام عناصر القيادة والتحكم». استبقت القيادة المناورات بالتفاعل مع أصحاب الأراضي الخاصة طمعاً في موافقتهم والتعهّد لهم «بإصلاح ايّ ضرر قد يلحق بالبيئة نتيجة المناورات»، بيد انّ مسألة التعويض المالي لم تطرح على جدول الأعمال.

اتساع رقعة المعارضة

لقيت ظاهرة عسكرة المجتمع تحفظات كثيرة واعتراضاً شديداً من بعض القوى السياسية والاجتماعية، خاصة في أعقاب جملة حوادث القتل المتعمّد من أجهزة الشرطة على خلفيات عرقية في عدد من المدن الأميركية. الفاعليات والشخصيات الليبرالية أعربت عن معارضتها للمناورات العسكرية المقرّرة لاعتقادها أنها تمثل «الحلقة المقبلة من تعدّي المؤسسة العسكرية» على حريات المواطنين.

انتهاكات أجهزة الشرطة أجّجت الصراع الاجتماعي الاقتصادي، وزادت المخاوف من إقدام الدولة المركزية على التدخل مباشرة لإخماد المحتجين والمتظاهرين. وشهدت تجليات متعدّدة في مدن كبرى مختلفة، في ولايات متشيغان وفلوريدا وكاليفورنيا، الى جانب مراكز الصراع مع أجهزة الشرطة. وأعرب عدد من القيادات الشابة بين المتظاهرين عن قلقهم من استغلال الدولة أجواء الاحتقان ذريعة للتدخل العسكري المباشر بحجة إجراء التدريب والمناورات.

وعبّرت رئيسة «تحالف السموات السلمي»، في ولاية نيو مكسيكو، كارول ميللر عن المخاوف التي تنتشر بين المواطنين جراء محاولات سلاح الجو استخدام مواقع بالقرب من أماكن سكنية «كحقل رماية حقيقي للقذائف»، ومخاطر اندلاع الحرائق في المناطق الحرجية. وحث التحالف حاكم الولاية، السيدة سوزان مارتينيز، على توضيح المسألة لوزارة الدفاع ومطالبتها بحصر التدريبات والمناورات الخاصة بعملية «جيد هيلم 15» في القواعد العسكرية المتعددة المنتشرة في الولاية، والتي تضمّ بعضاً من أكبر قواعد سلاح الجو الاميركي.

وأشارت يومية «واشنطن بوست» الى البعد العنصري في معارضة بعض مواطني ولاية تكساس التي ستستضيف قيادة العمليات في مدينة «باستروب». ونقلت على لسان عمدة البلدة السابق حتى عام 2014، تيري اور، قوله إنّ «قناعة السكان تتمحور حول تخلف الحكومة عن الاصطفاف الى جانب الرجل الابيض… لو كان الأمر يتعلق بأيّ رئيس آخر غير اوباما، لما برزت مشكلة».

مشاعر عدم الثقة بين سكان تكساس والدولة الفيدرالية حفزت حاكم الولاية على استخدام الحرس الوطني التابع لإمرته مباشرة لمراقبة مناورات وتدريبات «جيد هيلم 15»، مطمئناً المواطنين وقيادة الحرس الوطني الى «أهمية السلامة الشخصية التي يعوّل عليها أهالي تكساس، وصون الحريات الدستورية، وحماية حقوق الملكية الخاصة وعدم التعدّي على الحريات المدنية».

يُشار الى نتائج استطلاعات للرأي أجريت في تكساس حديثاً، 25 حزيران 2015، دلت على قلق نسبة مرتفعة من المواطنين «للتدخل العسكري… بغية اعتقال المتظاهرين والناشطين السياسيين»، بينما أعرب نحو 50 في المئة من المستطلعة آراؤهم عن اعتقادهم باحتمال استخدام الدولة للقوات العسكرية «لانتهاك حقوق الملكية الخاصة… وفرض الأحكام العرفية لمصادرة الأسلحة الفردية». وعلّق مدير الاستطلاع، دارن شاو، بالقول إنّ «الثقة بالحكومة الفيدرالية معدومة بين ناخبي ولاية تكساس. نسبة القلق تبلغ الثلث بين الناخبين الديمقراطيين، بينما ترتفع النسبة بين الجمهوريين الى 55 في المئة – 65 في المئة».

نفور واسع من التدخل العسكري

حافظت الدولة الأميركية على فصل القوات المسلحة من القيام بمهامّ أمنية داخلية، منذ بدء تأسيسها، وعزوف المستوطنين البيض عن دعم الجنود البريطانيين لمهام قمع الاحتجاجات. وأقرّ الكونغرس قانون «بوسي كوميتاتس قوات الدولة» عام 1878 يجرّم استخدام القوات المسلحة في مهامّ الشرطة المحلية.

استعاضت الدولة المركزية عن إدخال القوات المسلحة بوحدات الحرس الوطني، التي تخضع لتدريبات عسكرية أسوة بالقوات النظامية، وعلى أراضي وقواعد مملوكة للدولة. وكثفت من الاعتماد على قوات الحرس لإخماد التظاهرات والاحتجاجات الجماهيرية إبان الحرب على فييتنام، وكذلك لإخماد تظاهرات السود في طول وعرض الولايات المتحدة عقب اغتيال الزعيم مارتن لوثر كينغ عام 1968.

استغلت الدولة المركزية أيضاً الأجواء الجماهيرة الغاضبة عقب تفجيرات 11 ايلول 2001، وسارعت إلى إبطال مفعول قانون عام 1878، ومنح الرئيس السلطة التنفيذية مزيد من الصلاحيات لاستدعاء القوات المسلحة في مهامّ أمنية في الداخل الأميركي.

نشرت صحيفة «الغارديان» اللندنية، 12 حزيران 2014، تقريراً عن برنامج بحثي مكثف للمؤسسات الأكاديمية بتمويل من وزارة الدفاع، يُدعى مبادرة مينيرفا للأبحاث، لمحاكاة «المخاطر واختلال التوازن الاجتماعي في حال نشوب عصيانات مدنية كبيرة عبر العالم، وما يتعيّن على أذرع القوات المسلحة الأميركية الاضطلاع به»، يرمي الى تطوير قاعدة المعرفة العامة في صفوف القادة العسكريين للأبعاد «الاجتماعية والثقافية والسلوكية والقوى السياسية ذات التأثير في رسم مستقبل مناطق عالمية مختلفة»، واعتبرته «ذات أهمية استراتيجية للولايات المتحدة».

احد تلك البرامج تبنّته جامعة كورنيل الأميركية «تحت إشراف سلاح الجو» للتعرف ميدانياً على «ديناميات التعبئة للحركات الاجتماعية… والحجم الحرج لعدوى الاحتجاجات الاجتماعية» في مصر عام 2011، وانتخابات البرلمان الروسي لعام 2011، واحتجاجات حديقة غيزي في تركيا عام 2013. برنامج آخر تحت إشراف كلية الدراسات العليا في سلاح البحرية الأميركية، للبحث في أسباب تحوّل الفرد الى الإرهاب، اعتبر الناشطين في المنظمات غير الحكومية، على قدم المساواة بمؤيدي استخدام العنف في النشاطات السياسية.

تدريبات عسكرية في مناطق سكنية

عزوف القطاعات الشعبية عن تقبّل وجود قوات عسكرية بكامل أسلحتها في أحيائها السكنية لم يمنع المؤسسة العسكرية إجراء تدريباتها للقوات الخاصة في مناطق مأهولة بالسكان. بل تضمّنت تدريبات قوات «القبعات الخضر» تلك المهمة تحت برنامج يُدعى «روبين سيج الحكيم روبين».

يعدّ البرنامج المذكور باكورة التدريبات على خوض الحروب غير التقليدية، تجري في غابات ولاية نورث كارولينا، يفضي الى تأهيل المرشح الانتساب للقوات الخاصة. يرمي البرنامج إلى توفير تدريبات واقعية تحاكي تكتيكات وأساليب الحرب غير التقليدية، يكافأ المرشح الناجح بالانضمام إلى قوات القبعات الخضر.

كما تجري وحدات القوات الخاصة تدريبات ومناورات في مناطق متعدّدة من الولايات المتحدة تركز على تنمية القدرة على التسلل والقيام بأعمال تخريب لمنشآت البنى التحتية والتعرّف على ايّ ثغرات أمنية في شبكة البنى التحتية الأميركية. جدير بالذكر انّ تلك التدريبات تجري بعيدة عن الأنظار مقارنة بتدريبات «جيد هيلم 15»، التي تدور في مناطق مأهولة وأمام أعين وسائل الاعلام المختلفة.

يُشار أيضاً الى مناورات ضخمة أجرتها القوات العسكرية في ولاية كولورادو في شهر أيار المنصرم، كانت الأضخم حجماً منذ الحرب العالمية الثانية، اذ اشترك فيها ما ينوف عن 4000 جندي مدعّمين بأزيد من 300 عربة مدرّعة من طراز «سترايكر»، وعربات أخرى. المناورات جدّدت مشاعر القلق والشك بين صفوف المواطنين، لا سيما أنّ بلادهم غير منخرطة في حرب شاملة بحجم الحرب العالمية الثانية، فضلاً عن انّ الطبيعة الجغرافية للمناورات لا تشبه ساحات الحروب الدائرة في سورية والعراق وافغانستان.

مخاوف من الاضطرابات المدنية

مناورات «جيد هيلم 15» شكلت ظاهرة غير مسبوقة في نظر المواطنين العاديين، ويعرب البعض عن عدم ثقته بالرواية الرسمية لوزارة الدفاع بأنها تخفي الأهداف الحقيقية لدوافع واعتبارات سياسية أو عملياتية. كما أدّى فشل لجان الكونغرس المختصة التحقيق في المناورات المذكورة الى تعاظم مشاعر القلق وعدم الثقة، لا سيما انّ «قيادة العمليات الخاصة تحيط المناورات بجدار كثيف من السرية».

للدلالة، أعلنت وزارة الدفاع عن عدم منحها تصريحات للوسائل الإعلامية لتغطية التدريبات. وأوضح الناطق العسكري مارك لاستوريا لصحيفة «واشنطن بوست»، 9 تموز الجاري، رداً على استفسارها عن إقصاء صحافييها من مرافقة سير العمليات قائلاً: «… يتمّ تقييم كافة طلبات الوسائل الإعلامية لتغطية عناصر قيادة العمليات الخاصة وفق معايير جدواها والموافقة عليها أينما كان ممكناً».

جدار السرية العسكرية أثار حفيظة مختلف الوسائل الإعلامية، التي تصدح بالحرية الإعلامية ليلاً نهاراً، مما حفز بعضها للتساؤل علناً «من هو الطرف المستفيد من تلك المناورة: هل هو الشعب الاميركي؟ ام الشركات المتعاقدة مع وزارة الدفاع لتسويق أسلحة جديدة لحروب تدار بالتحكم عن بعد بشكل متزايد؟»

بالعودة الى برنامج «مينيرفا» سالف الذكر، فإنّ عملية التدقيق والتحقق من أهداف وابعاد البرنامج الأخطبوط تؤشر على توفر خطة جاهزة لدى وزارة الدفاع للتعامل مع الاضطرابات المدنية بالوسائل العسكرية، يعززه تطبيقات البرنامج إبان اندلاع التظاهرات المليونية في مصر، وتسخير وسائط التواصل الاجتماعي كبديل عن شبكات الاتصال الرسمية وإصدار التوجيهات المطلوبة لانتشار وتأجيج الاحتجاجات والاشتباكات في مناطق مختارة بعناية.

أوضح أستاذ علوم أصول الانسان، انثروبوليجي، ديفيد برايس، في جامعة سانت مارتن ببريطانيا، لصحيفة «الغارديان»، انه استطاع تحديد عدد من المناورات العسكرية التي تجريها البنتاغون والرامية «إلى قمع الاحتجاجات وحرية التعبير». واضاف انّ أحد «التدريبات الحربية تضمّنت مواجهة احتجاجات نشطاء البيئة ضدّ التلوث الصادر عن محطة توليد الكهرباء تدار بالفحم الحجري بالقرب من ولاية ميزوري، بعضهم اكتسب شهرة نادي سييرا لحماية البيئة».

تتضح أهمية ما أورده الاستاذ الجامعي عند التدقيق بشعار «جيد هيلم» القائل «بإتقان استخدام العنصر البشري » ايّ آليات التعرّف على الأعداء والأصدقاء في منطقة غير مستقرة استناداً لخصائص أساليب حيواتهم ومدى تفاعلهم مع وسائط التواصل الاجتماعي.

عند الأخذ بعين الاعتبار اعتماد الشعب الأميركي الهائل على وسائط التواصل الاجتماعي، بمعدلات تفوق المجتمعات الأخرى، يتضح حجم التحضيرات الأميركية لمواجهة اضطرابات داخلية مقبلة.

انهيار سمعة تفوّق المقاتلة الأميركية

ساد الوجوم أوساط المؤسسة العسكرية الأميركية و«الإسرائيلية»، على السواء، عقب خسارة أحدث المقاتلات الحربية من طراز اف-35 تفوّقها في القتال الجوي لصالح مقاتلة من الجيل السابق من طراز اف-16. راهنت المؤسستان على الجيل المتطوّر للمقاتلة ودخولها ترساناتهما الحربية، على الرغم من تعثر الإنتاج واستمرار الصعوبات التقنية وعدم القدرة للسيطرة عليها، والتي أدّت الى وفاة بعض الطيارين أثناء التدريب.

يُشار الى انّ وزارة الدفاع الأميركية كانت تنوي شراء 2،443 طائرة من الطراز المذكور بكلفة إجمالية بلغت 400 مليار دولار، وهي في تصاعد مستمرّ. تقدّر كلفة برنامج المقاتلة الإجمالية بما فيها أعمال الصيانة والتدريب، لمدة 15 عاماً على الأقلّ، نسبة تتراوح بين 859 مليار وتريليون دولار.

شهادة المرشح لرئاسة هيئة الاركان، جوزيف دانفورد، امام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، منتصف الأسبوع، جاءت صادمة لأركان المؤسسة السياسية والعسكرية على السواء. اذ أعرب دانفورد عن «جهوزيته لإعادة النظر» ببرنامج التسلح الأكثر كلفة في التاريخ العسكري الأميركي.

صراحة دانفورد سبقتها شهادة رئيس هيئة الاركان الحالي، مارتن ديمبسي، الذي حذر من «لجوء المؤسسة العسكرية الى إعادة النظر وإعادة تنظيم القوات والموارد للحروب المختلطة في المستقبل » مستطرداً انّ تمدّد برنامج المقاتلة لعدة سنوات ابعد مما كان مرصوداً له زاحم أولويات الأمن القومي الأخرى على الميزانيات المطلوبة.

في البعد التقني والعملياتي، تداولت وسائل الإعلام بعض «التسريبات» من مصادر عسكرية عليا تفيد بعد قدرة المقاتلة الحديثة التفوّق على الجيل السابق في القتال الجوي، بل قد تتعرّض حياة أطقم الطائرة الى الخطر خلال عمليات اشتباك من مسافات قريبة.

أوجز قائد المقاتلة اف-35 تقييمه عقب مناورات حربية في مواجهة الجيل السابق من اف-16 بالقول انّ جذر المعضلة في المقاتلة يتعلق بقدرتها على المناورة، اذ انها أثبتت عدم قدرتها على التفوّق القتالي في معركة ضدّ مقاتلة قديمة. تقييم الطيار اعتبر مخففاً بعض الشيء نظراً لأنّ المقاتلة اف-16 تحمل خزانات وقود إضافية مما يجعلها أشدّ بطأً في المستوى النظري.

واردف الطيار في تقييمه انّ المقاتلة الحديثة تعاني من ثغرة كبيرة في استخدام الطاقة، مشيراً الى صعوبة تصويب واستهداف طائرة اف-16 بالمدفع الرشاش لطائرته عيار 25 ملم. كما أنها أخفقت في الهروب من مرمى نيران المقاتلة الأقدم.

كما أشار الى ضيق حيّز مقود المقاتلة مما أعاق حركة رأسه والسماح للمقاتلة المعادية التسلل لاستهدافه. تجدر الإشارة الى انّ الترويج لإنتاج هذه الطائرة الحديثة بدءاً بتصميمها لتكون بديلة للطائرات المستخدمة من كافة فروع القوات المسلحة لتقوم بكلّ المهمات البرية والبحرية والجوية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى