الرفيق مشهور دندش… العملاق بقامته وفي تاريخ حزبه

إعداد: لبيب ناصيف
 Jul 13, 2015
الحديث عنه لا ينتهي بصفحة واحدة، ولا بعشرات. فمن كان مثله، عملاقاً في حضوره وفي قامته، وفي بطولاته، يُحكي عنه الكثير وتروى الحكايات. حسبه وهو ابن «زعيم عشيرة» كان لها تاريخها وحضورها في الهرمل والبقاع الشمالي، إن إغراءات العشيرة لم تحجب عنه أنوار النهضة، فأخذ بها متفانياً في سبيل ما اعتنقه وآمن به معرّضاً نفسه أكثر من مرة للشهادة.

في عددها رقم 496 تاريخ 17/8/1985 أوردت مجلة «صباح الخير» الخبر التالي: « فقد الحزب السوري القومي الاجتماعي وآل دندش الرفيق المناضل مشهور دندش، نتيجة حادثٍ مؤسف 1 . والرفيق الراحل عرف خلال تاريخه النضالي بالموقف الصلب والعزيمة التي لا تلين. وهو من المناضلين الأوائل الذين قادوا عملية التحولات الاجتماعية في البقاع عامة وفي بلدته الهرمل بشكلٍ خاص. وللرفيق الفقيد نضالات مشهودة ومؤثرة ضد قوى الظلم والهيمنة من إقطاعيين وتقليديين.

تكريماً لذكراه سيقام يوم غدٍ الأحد 18/8/1985 الساعة الحادية عشرة احتفال تأبيني في بلدة العين في البقاع الشمالي.

والحزب السوري القومي الاجتماعي الذي آلمه الحادث المفجع يتوجه بالتعزية إلى الرفقاء في منفذية البقاع الشمالي وإلى ذوي الرفيق الفقيد مشهور دندش وإلى إخوته وزوجته وأولاده «.

وفي عددها 497 تاريخ 24/8/1985 نشرت التغطية التالية لذكرى الأسبوع الذي أقيم للرفيق الراحل مشهور دندش، وقالت: « في ذكرى أسبوع الرفيق مشهور دندش أقام الحزب السوري القومي الاجتماعي وآل دندش مهرجاناً تأبينياً في بلدة العين يوم الأحد الماضي وقد حضر المهرجان رئيس الحزب الأمين عصام المحايري إلى جانب شخصيات رسمية وحزبية ورجال دين وممثلين لفعاليات وتنظيمات وفصائل ورفقاء له عرفوا فيه الأخلاق القومية فكان القدوة في الصفاء والنضال من أجل حزبه وبلدته وأهل بيته.

قدم الخطباء الرفيق علي الحاج حسن الأمين لاحقاً بأبيات شعرية وكانت الكلمة الأولى لأصدقاء الفقيد ألقاها سرحان بركات تلاه ياسين شمص مسؤول الحزب الشيوعي اللبناني في المنطقة الذي ألقى كلمة جبهة الاتحاد الوطني، ثم ألقى صبحي شمص كلمة أشاد فيها بصاحب الذكرى معتبراً إياه شهيد العقيدة والجهاد.

وألقى الأمين حافظ الصايغ كلمة الحزب السوري القومي الاجتماعي فأشاد بالدور الوطني والقومي لصاحب الذكرى، قائلاً: «هذا وفاء أبناء شعبك وحزبك من كل المناطق والطوائف لأنك كنت منفتحاً على الجميع وضد الطائفية» وأضاف متحدثاً عن الشهداء فقال: «كل يوم لا يكتب بدماء الأحرار ليس من تاريخ شعبنا فهذا هو تاريخنا الجديد يكتب بدماء الشهداء والوقوف في وجه التحديات.

وتابع: خاض حزبنا معركة بناء الوجه الجديد في وجه المتصهينين وحملنا الراية لا البندقية فحسب بل مبادئ وخلق وسياسة وقرار بأن التقسيم لا يمكن أن يمر على أي جزء من أرضنا ما دام جسمنا القومي لا يزال سليماً.

« وختم متعهداً أن تظل اللحمة ليعود لبنان منارة في الأمة السورية ولتتوحد البندقية في الصف الوطني». واختتم المهرجان التأبيني بكلمة شكر للمشاركين في التأبين ألقاها باسم العائلة شقيق الفقيد الرفيق ركان دندش.

من منفذية الهرمل وردتنا المعلومات التالية من ابنة الرفيق مشهور، الرفيقة غادة، ننشرها بالنص الحرفي كما وردتنا: «هو من قال عنه محمد يوسف حمود الأمين، الشاعر أنه غيّر طريق الموت بين أترابه لكن ما لم يقله محمد يوسف حمود أنه غيّر طريق الحياة حتى مماته معتنقاً الرسالة التي آمن بها ومنفذاً تعاليمها في أدق جوانب حياته.

هو مشهور مصطفى طعان دندش، بكر زعيم عشيرة آل دندش التي استوطنت جرود الهرمل، مقاومةً العثمانيين والفرنسيين حتى الاستقلال. شبّ على يد أم مشهور التي قالت في يوم من الأيام لرئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي: «ولداي لا يعملان في مزرعة تملكها، هما آمنا برسالة تساوي وجودهما فلا تخجل وتهرب مني إن مات هذا حسن دندش بعد إصابته الخطيرة في شملان تأتني بذاك مشهور دندش الذي كان في غانا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة وإن مات الآخر فلدي أبناء في كل من قال تحيا سورية».

عمل في صفوف الحزب مع غسان جديد وسعيد تقي الدين وشارك في عمليات أمنية مختلفة لا يزال معظمها طي الكتمان في تفاصيله.

«عرفه من احتك به في تلك المرحلة باسم هملقار ولم يعرف القوميون الاجتماعيون عنه حتى تاريخه إلا عملية الضباط السوريين المكلفين اغتيال غسان جديد، والذين أوقع بهم مشهور دندش بعد مجاراتهم حتى أتى بهم إلى بيروت ووقعوا في يد القوميين».

«في حياته وواجباته المعلنة لعب دوراً مفصلياً بعد انتمائه إلى صفوف الحزب في ترسيخ حضور الحزب في البقاع الشمالي، المنطقة التي كانت ترزخ تحت نيران البكاوية والعشائرية بأعنف صورها والتي كان من الممكن أن يكون «الشيخ مشهور دندش» أحد رموزها، لكنه اختار طريقاً وعرة وضعته في مواجهة بكوات ومشايخ تلك الحقبة فأسس لتقاليد جديدة حتى باتت التقاليد القومية الاجتماعية ملتصقة باسمه لا تنفصل عنه ولا عن أولاده من بعده ولا عن عائلته الأكبر في تلك المرحلة».

«يذكر عنه كبار زعماء العشائر رفضه مبايعة عشيرته له بالزعامة وفقاً للتقاليد بعد وفاة والده، وهو بكره، حيث خلع العباءة التي ألبسوها له قائلاً: «لا تقبل الزوبعة الحمراء أن تستقر إلا على اللحم الحي وهي لا تقبل شريكاً». 3

استقبلته الهرمل لدى عودته في أواسط الستينات من أفريقيا بمهرجان لم تشهد مثيلاً له من قبل. شارك فيه حتى من حاربهم، قائلين حتى يومنا هذا: «حاربنا لكن بكبر ومحبة جعلتنا نحترمه ونحبه على رغم الاختلاف». كرّمته الهرمل مدركةً بفطرة شعبنا السليمة تميز أخلاقه رغم أنه لم يكن يوماً واعداً بوظائف أو طالباً لمركز سياسي أو مقدماً لخدمات معيشية يستغلها في ما بعد لمصالحه الشخصية. عرف اسمه وسيرته كل من احتكّ بالقوميين من قريب أو بعيد حتى من دون أن يعرفه شخصياً.

«حارب طوال حياته الإقطاع والعشائرية والطائفية وخلت نفسه المشبعة بنور العقيدة من أي أنانية وكان يردّد دائماً قول سعيد تقي الدين «من أجلك يا سورية هذا القليل». عشق الشهادة في سبيل عقيدته وطاردها حتى اللحظة الأخيرة راغباً بها أكثر من أي شيء ومتمنياً أن ينالها أحد أولاده غادة، سهاد، ندين، أوغاريت وغسان في حال لم يتمكن منها هو».

«عن مسؤولياته الحزبية، تنقل بين الكثير منها لكن أعماله الأمنية ما زالت غامضة رغم بعض ما رشح عن حضوره في الكثير من المحطات المفصلية في تاريخ الحزب، سواء في فلسطين المحتلة أو في الكيانات السورية المختلفة».

عمل مع سعيد تقي الدين في «كل مواطن خفير» وقام بالتنسيق مع عمدة الدفاع في الحزب السوري القومي الاجتماعي بكشف شبكة تجسس «إسرائيلية» كانت تديرها مواطنة لبنانية من «أصل إسرائيلي».

«لهج بالعقيدة القومية الاجتماعية في كل لحظة من حياته حتى الرمق الأخير وابتعد عن السياسة بمفهومها التقليدي. هذا الأمر أبعده في المرحلة التي سبقت وفاته عن المسؤوليات الحزبية لأن الزمن بات برأيه زمن الطرقات المختصرة والمساومات ولم يكن مشهور دندش ممن يساومون على ذرة واحدة من العقيدة التي اتخذها إيماناً له ولعائلته بالقول والقسم والفعل».

كان الرفيق مشهور دندش أميناً على قسمه وعقيدته حتى الرمق الأخير ملتزماً بنظام الشكل المعبر عن نظام الفكر الذي ارتضاه سبيلاً له في الحياة. لم ينل رتبة الأمانة رغم استيفائه جميع شروطها الأساسية. هو الأمين الذي أظهر فهماً عالياً والتزاماً لا غبار عليه وقام بأعمال بطولية نعرف بعضها ونجهل معظمها، في سبيل أمته. لكنه وعلى مثال زعيمه «عاش ومات فقيراً من دون أن يدري بذلك».

«هذا غيض من فيض مشهور دندش كما عرفته في حياته وعرفت عنه أكثر بعد رحيله، أنا ابنته البكر التي ورثت أكبر ميراث لا أشتهي بعده أو سواه، أنا ابنة الجندي المجهول في صفوف النهضة السورية القومية الاجتماعية التي لا خلاص لهذه الأمة إلا بها، أنا الرفيقة ابنة الرفيق، شقيقة ثلاث رفيقات ورفيق، وابنة رفيقة وخالة أربعة أشبال نينار، إنانا، مجد وسومر . وهذا القول الأخير جزء لا يتجزأ من سيرة مشهور دندش فنحن جميعاً في عائلته الصغيرة دليل صارخ على صدق يمينه حين ارتفعت يمناه ليقسم …أن يكون إيماناً لي ولعائلتي وشعاراً لبيتي…».

ولد الرفيق مشهور مصطفى دندش في وادي النيرة جرود الهرمل في الأول من تموز عام 1923.

انتمى إلى الحزب في الهرمل في الأربعينات، تأثر بجو الأمين أسد الأشقر الذي وجهه لإدخال شباب من أبناء العشائر إلى الحزب، وكان وراء انتماء عدد جيد من أبناء عشائر علاو وناصر الدين وزعيتر وحمية، كما يفيد الأمين مصطفى عزالدين الذي كان قد تولى مسؤولية مندوب مركزي للبقاع، مضيفاً أن الرفيق مشهور تميّز بحماسه وسعيه ليبرهن أنه تخلّى عن عشائريته في سلوكه مع الناس.

اقترن الرفيق مشهور من الرفيقة وجيهة علوه، ورزق منها الرفيقات غادة، سهاد، نادين، أوغاريت والرفيق غسان. تصدى الرفيق مشهور للإقطاع السياسي في الهرمل وكان أول من تناول آل حمادة علناً في بلدة الهرمل مما شجع أبناء العائلات الأخرى وعشائر الهرمل على رفع الصوت ضد صبري حمادة وعائلته.

من أعماله الخالدة في تاريخ الحزب أنه استدرج الضابط الشامي راشد قطيني وعدداً من ضباط المخابرات الشامية في فترة تولّي عبد الحميد السراج في أواسط الخمسينات من القرن الماضي إلى منزل في منطقة الأوزاعي، يملكه الرفيقان خليل وجوزف الطويل، من المريجة 4 ، موهماً إياهم أنه سيسلمهم العميد غسان جديد مقابل رشوة مالية كبيرة، فإذا به يسلمهم إلى العميد غسان.

بعد ذلك طلب إلى الرفيق مشهور أن يغادر إلى الأرجنتين حيث أمضى فيها ردحاً من الزمن وإليها غادر لاحقاً شقيقاه الأمين حسن، والرفيق راكان إنما لفترات قصيرة.

يكفي أنك إذا قلت مشهور، يتابع المستمعون إليك، في الهرمل والبقاع الشمالي، الاسم كاملاً: مصطفى طعان دندش.

فهو كان الحاضر بامتياز، ولو غاب لفترات. له يحلو أن تزغرد النساء، ترقص الصبايا ويدبك الرجال مع المواويل.

حنانيك مشهور دندش. كم طربنا لسماع حكاياتك. كم شعرنا، ونحن نذكرك، بالفخر والعنفوان. كم كنتَ محلّقاً في مواقفك.

ألف تحية لروحك يا خالداً في تاريخنا.

هوامش

1 – توفي إثر حادث سيارة فيما كان متوجهاً الى بلدة «النبي عثمان» للاجتماع بعميد الداخلية.

2 – تولى في المركز وفي منفذية بيروت مسؤوليات عديدة، منها عميد للمالية. يصح أن يكتب عنه.

3 – بدوره اعتذر الأمين حسن عن تقبل زعامة العشيرة. فتمّ خلع العباءة على الرفيق دندش دندش، بعد أن كان تخرّج من بلجيكا وعاد إلى الوطن. بعد وفاته باكراً جداً لداء في القلب، تولى الابن الرابع والأخير، الرفيق ركان دندش، زعامة العشيرة وما زال.

4 – من منطقة المريجة، عرفا الحزب نضالاً والتزاماً وتضحيات، وتولى كل منهما مسؤوليات حزبية عديدة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى