12 تموز آخر الحروب: حقائق لم تمحها حرب عالمية

ناصر قنديل

لا نحتاج في ذكرى حرب تموز 2006 ولأجل تحديد مكانتها في تاريخنا المعاصر وفي حروب الحاضر، أن نسترجع كلام الهامشيين فيها والمستثمرين عليها، فيكفي القول إنها الحرب التي حدّد هدفها إعلان «إسرائيل»، بصفتها صاحبة الحرب، عن نية تغيير معادلات الشرق الأوسط بسحق المقاومة وإلغائها عن الخريطة، وما سيترتب على النجاح بتحقيق هذا الهدف من تغيير في الجغرافيا السياسية، فلا تبقى سورية كما كانت ولا إيران على ما كانت، وتفتح الأبواب للتفاوض معهما من موقع مختلف، أو تصير الحرب عليهما بحسابات مختلفة. واجتمع الإعلان «الإسرائيلي» بإعلان أميركي بلسان مستشارة الأمن القومي الأميركي التي صارت لاحقاً وزيرة الخارجية الأميركية غونداليسا رايس بلسان الجهة الراعية لهذه الحرب بصفتها آلة استيلاد شرق أوسط جديد، تتغيّر معها نتائج الفشل الأميركي في حربي العراق وأفغانستان، عبر ضرب رأس حربة خيار المقاومة في المنطقة، وإنتاج توازن قوى جديد مع سورية وإيران بالنسبة إلى واشنطن يعطي قوة دفع لتغيير الاستراتيجيات التي كانت على أهبة الانتقال للتصرف على خلفية الفشل والبحث عن بدائل بإعادة التموضع.

بعد الكلام الأميركي و«الإسرائيلي» عن الحرب، تصير قيمة المصطفين على ضفتها من العرب والأوروبيين وأتباعهم جميعاً في لبنان، وصولاً إلى صمت روسيا والصين، دلالة على حجم أهمية هذه الحرب في تحديد الخيارات الأميركية «الإسرائيلية» الكبرى، وتصير نتائج الحرب كما الحرب نفسها لا يمكن أن تقرأ في كتب الصغار، بل مرة أخرى في كتب صناعها الكبار، فتقرير بيكر هاملتون وتقرير فينوغراد الصادران إثر الحرب مباشرة، يتحدثان عن حقيقة واحدة، هي الفشل الأميركي «الإسرائيلي» في صناعة شرق أوسط جديد من بوابة الحروب، بالتالي نهاية زمن الحروب في صناعة السياسة، والوقوف بين خياري الحرب الذكية أيّ صناعة الفوضى والفتن، أو التأقلم عبر الانخراط في تفاهمات مع محور المقاومة على صناعة الاستقرار.

تلاقت أميركا و«إسرائيل» على خيار صناعة الفوضى والفتن ومعهما كلّ حلف حرب تموز طوال تسع سنوات، وبلغت حربهما الجديدة والذروة في السنوات الخمس الماضية، وكان إسقاط سورية هو الهدف، لتعويض الفشل في حرب تموز وتغيير نتائجها. وها هو الزمن يدور دورته الكاملة ويقول إنّ الفشل هو الفشل، وإنّ سورية لم ولن تسقط، وإنّ الانخراط في التفاهمات هو قدر أميركا، لكن شرطه الانفكاك عن حلفائها في حرب تموز، وفي المقدّمة منهم وعلى رأسهم قوة الحرب الرئيسية «إسرائيل»، فلا سورية سقطت ولا الفوضى سمحت بالسيطرة على تونس ومصر واليمن وليبيا، ونما الإرهاب الذي استحضر لبذل الدم وتحقيق الأهداف بالنيابة عن واشنطن وتل أبيب، وصار هو مصدر القلق والوجع والخطر الذي لا يمكن تجاهله.

عندما جاءت الأساطيل الأميركية إلى البحر المتوسط وعادت من دون خوض حرب تأكدت معادلة حرب تموز بأنها آخر الحروب، وعندما ارتضت واشنطن الحل الكيماوي السلمي مع سورية وعادت للتفاوض مع إيران فوراً بهدف التوصل إلى تفاهم حول ملفها النووي، صار واضحاً أن ما بعد ذلك كله مجرد دلائل على التسليم بفشل الحروب في صناعة السياسة وتغيير المعادلات الإستراتيجية، ووجود حقائق كبرى غير قابلة للكسر تبدو كلفة الاعتراف بها والتعاطي الواقعي معها أقل من كلفة الإصرار والعناد على تغييرها.

في ذكرى حرب تموز يحق القول ترداداً لكلام سيد المقاومة، لقد ولى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات، يصحّ هذا في وجه «إسرائيل» ووجه الإرهاب ووجه السعودية، خصوصاً في وجه أميركا، من جنوب لبنان إلى الجولان إلى القلمون إلى دمشق وبغداد وصولاً إلى اليمن، وها هو التفاهم النووي الإيراني يأبى أن يولد إلا من رحم الذكرى، ذكرى الحرب التي أسّست لزمن الانتصارات، وهل تصير القدس أقرب؟ يقول الفلسطينيون بعد حرب تموز إنها صارت أقرب، وهل حرب القلمون ثبتت حقائق تموز، يقول «الإسرائيليون» نعم، فهل طريق القدس تمرّ من القلمون، ليس مهماً أن يقول سعد الحريري لا، فهو لم يعترف بنصر تموز على رغم اعتراف أصحابها بهزيمتهم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى