اللبنانيون مدعوّون للعصيان…

د. عصام نعمان

بات واضحاً أن الشبكة الحاكمة في ظل النظام اللبناني الطائفي المتكلّس أضحت عاجزة عن الوفاء بالحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأساسية كما بالاستحقاقات الدستورية المستحقة. فلبنان بلا رئيس جمهورية منذ أكثر من سنة، والمجلس النيابي المنتهية ولايته وصلاحيته منذ أكثر من سنتين عاجز عن التشريع، والحكومة المنقسمة على نفسها عاجزة عن التقرير والتنفيذ. والبلاد بلا موازنة مشرَّعة بقانون منذ عشر سنوات على التوالي، والجيش بلا تسليح حديث منذ عشرين سنة، والموظفون والمعلمون والعسكريون بلا سلسلة رتب ورواتب منذ 1996، والدين العام تجاوز السبعين مليار دولار أميركي.

إلى ذلك، يتهدد لبنان خطران استراتيجيان: «إسرائيل» الصهيونية العنصرية التوسعية، والإرهاب التكفيري المتمثل بتنظيمات العنف الأعمى وخلاياها النائمة في الداخل وعصاباتها المقاتلة على الحدود اللبنانية السورية. تزداد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية خطورةً وتعقيداً بنزوح أكثر من مليون ونصف المليون مواطن سوري، وبوجود نحو 600 ألف لاجئ فلسطيني، مع إعلان وكالة الغوث الأممية أونروا عجزها عن الوفاء بالحد الأدنى من متطلبات الوافدين الجدد.

لا غلوّ في القول إن لبنان يقف اليوم على مفترق. إنه مهدد بانهيار اقتصادي اجتماعي وبانفجار أمني تُلهبه عصبياتٌ مذهبية متفلّتة من عقالها وقصورٌ فادح في أداء الشبكة الحاكمة والقيادات السياسية التقليدية المتسلّطة.

ما عاد بالإمكان تحمّل تداعيات فشل القيادات السياسية في إدارة التنوّع اللبناني كما فشل آليات العمل السياسي وأدواته وأساليبه المعتمدة ما أدى إلى تعطيل المؤسسات السياسية والإدارية والاقتصادية واندلاع الاضطرابات الأمنية. من هنا يستقيم الاستنتاج بعدم جدوى اللجوء إلى الآليات والأدوات والأساليب ذاتها للخروج من الأزمة طالما أنها ستفرز القيادات الفاشلة نفسها والنتائج السياسية والاقتصادية والاجتماعية الفاسدة أو الناقصة نفسها.

لا فرصة ولا جدوى، إذاً، من انتخاب رئيس الجمهورية من قبل مجلس النواب الحالي المنتهية صلاحيته والممددة ولايته. ولا فرصة ولا جدوى من التشريع في مجلسٍ ممددة ولايته وعاجز عن الاجتماع. ولا فرصة ولا جدوى من الحكم بحكومة منقسمة على نفسها وعاجزة عن التقرير والتنفيذ.

نحن جميعاً، مسؤولين ومواطنين، نعاني ظروفاً وتحديات استثنائية تتطلب، بلا مكابرة ولا مخاتلة، قيادات استثنائية وقرارات استثنائية. ولا سبيل إلى إنتاج قيادات استثنائية وصناعة قرارات استثنائية في ظل الثقافة والعقلية والمنهجية السائدة، ولا باعتماد الآليات والأدوات والأساليب التقليدية البالية، ولا بالمطالبة بالحقوق الطائفية في وقت أضحت حقوق المواطنين جميعاً من كل الملل والنحل مسلوبةً أو منسية.

كل ما هو مستحق ومطلوب لا يتحقق إلاّ بأن يقرّر اللبنانيون، مجتمعين، بإرادةٍ حرة ما يريدون لأنفسهم ولوطنهم. هذا القرار المصيري لا يمكن، ولا يجوز، اتخاذه إلاّ عبر انتخابات حرة يكون اللبنانيون قادرين خلالها على المشاركة في مساواة تامة أمام القانون وفي الفرص.

هل يستطيع اللبنانيون أن يفرضوا حقهم بالحرية والاختيار والانتخاب وفي تقرير المصير؟

الحقيقة أنه نادراً ما استطاع اللبنانيون، مجتمعين، اتخاذ قرارٍ مصيري عابرٍ للطوائف والمذاهب. فعلوا ذلك ثلاث مرات فقط في التاريخ المعاصر: الأولى عام 1943 عندما اتحدوا سياسياً وشعبياً لتعديل الدستور وتكريس الاستقلال عن سلطات الانتداب الفرنسي. الثانية عام 1952 عندما اتحدوا سياسياً وشعبياً لإزالة مخالفة التجديد للرئيس بشارة الخوري ولإنهاء ولايته الممددة. الثالثة عام 1958 عندما اتحدوا سياسياً وشعبياً لمنع الرئيس كميل شمعون من تجديد ولايته وانحيازه لحلف بغداد و«مبدأ آيزنهاور» وذلك بانتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية.

هل ثمة قضية وطنية عظيمة القيمة والأهمية في الوقت الحاضر تدفع اللبنانيين إلى الاتحاد سياسياً وشعبياً في سبيلها؟

نعم، إنها الحرية والحق في أن يكونوا أحراراً في وطن حر وأن يقرروا بحرية مصير اجتماعهم السياسي ومؤسسات حياتهم الوطنية المشتركة.

إنه مطلب حق وشرعي ومشروع وشرط مطلوب للخروج من الأزمة المزمنة، بل من المحنة القاتلة التي يعانونها.

نعم، المطلوب إجراء انتخابات حرة يشارك فيها اللبنانيون، مجتمعين، وتجري على أساس قانونٍ للانتخابات يعتمد قاعدة النسبية لضمان صحة التمثيل الشعبي وعدالته ما يؤدي تالياً إلى استقامة إدارة التنوع اللبناني بعدالة وفعالية.

نعم، اللبنانيون مدعوون إلى الإتحاد في طلب الحرية وإلى تنظيم صفوفهم، دونما إبطاء، للضغط على الشبكة الحاكمة والقيادات التقليدية المتسلطة من أجل اعتماد قانون ديمقراطي للانتخابات على أساس النسبية، وإجراء انتخابات حرة بموجبه تكون، بحد ذاتها، مخرجاً من حال الأزمة والمحنة، ومدخلاً لتكوين سلطة تشريعية من نواب شرعيين وبالتالي مؤهلين لانتخاب رئيس الجمهورية، تنبثق منهم حكومة إنقاذ وطني مقتدرة، وتجري تعيينات أمنية وإدارية مستحقة، وتؤسس لإعادة بناء لبنان دولةً ووطناً.

هنا ينهض سؤال: كيف السبيل إلى ذلك؟

الجواب: لقد فتح زعيم التيار الوطني الحر العماد ميشال عون الطريق إلى الخروج من الأزمة والمحنة بشن حملة احتجاج شعبية على امتهان حقوق المواطنين ولا سيما المسيحيين منهم وطالب، شأننا، باعتماد قانون للانتخابات على أساس النسبية.

المطلوب تطوير حملة العماد عون إلى حملة وطنية متكاملة وتوسيع قاعدتها الشعبية بالتركيز على اعتماد قانون للانتخابات على أساس النسبية والتأكيد على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المسلوبة، وإسقاط الأساليب التقليدية الطوائفية في مواجهة الشبكة الحاكمة وسلطاتها وأجهزتها. كيف؟

بالعصيان المدني. نعم، بالعصيان المدني إذ لا سبيل، بوجود الشبكة الحاكمة وعقليتها السياسية التسلطية، إلى إحداث خرق في جدار النظام السياسي المتكلّس لتحقيق الإصلاحات المطلوبة واستعادة الحقوق المسلوبة.

ثمة حاجة تاريخية إلى تكوين فريق قيادي راديكالي بسرعة قياسية من قيادات سياسية إصلاحية ومن قياديين شباب بازغين، مهمته إطلاق الدعوة إلى العصيان المدني وتنظيم مظاهره الميدانية في شتى حقول الحياة العامة.

إنّ مطلب الحرية والانتخابات الحرة الهادفة إلى إنتاج برلمان حرّ يمثل اللبنانيين بمختلف ألوانهم وشرائحهم السياسية والاجتماعية من شأنه أن يشكّل منطلقاً وأساساً لقيادة راديكالية وجمهور عريض عابر للطوائف وقادر على فرض آليات ومناهج وطنية عصرية للإصلاح والتجديد والتطوير.

اللبنانيون جميعاً مدعوّون للعصيان المدني في سبيل الإنقاذ الوطني.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى