نفاق اللبننة ـ عين زجاج ـ حصانة الرئاسة السورية ـ الصفحة الأخيرة
ناصر قنديل
– عندما يتحدث فريق لبناني معيّن عن اللبننة لأيّ شأن لبناني، أي تحريره من المداخلات الخارجية، فهل يعني ذلك اعترافه ضمناً بشراكته بفتح الباب لهذا الخارج على الشأن اللبناني كما يحدث اليوم بصدد دعوات لبننة الاستحقاق الرئاسي؟
الحقيقة التي تنكشف بسهولة، أي أنّ دعوات اللبننة غالباً ما تكون على رغم براءتها ووطنيتها الظاهرة موقفاً خبيثاً، يريد اتهام الآخر في الوطن باستدراج الخارج وإعلان البراءة الكاذبة من هذه المسؤولية، ففي حال كحال الاستحقاق الرئاسي يحتفظ الكثير من الأطراف بلغتين واحدة في الإعلام وثانية في الصالونات والغرف المغلقة، فيتحدث في الإعلام عن لبننة يراها مزحة سمجة في غرفه المغلقة، ويتحدث عن فرصة وطنية يجب ألا تضيع في الإعلام وعن ضرورة انتظار نضوج التسويات في الغرف المغلقة، ويتحدث عن خطورة الفراغ الرئاسي في الإعلام وعن ضرورة عدم تضييع فرصة انتقال صلاحيات الرئاسة إلى الحكومة وتسيير أمور الدولة إلى رئيسها في الغرف المغلقة.
هذا النفاق السياسي تعبير عن فساد أشدّ خطراً من الفساد المالي، وتسنده وقاحة تسميته ذكاء ونباهة وشطارة في السياسة.
– يصرّ المعنيون بتعطيل سلسلة الرتب والرواتب على عنادهم، وهم يعلمون أن لا أفق للتهرّب من استحقاقاتها، وأنّ ما يفعلونه في لعبة الوقت هو لحس مبرد، يتوهّمون أنهم يربحون معه الوقت بينما التداعيات المترتبة تزداد خطورة، وغداً عندما يصلون إلى الطريق المسدود ويسلّمون بالأمر الواقع، تكون كلفة موقفهم على الاقتصاد والبلد أكبر بكثير وهم لا يأبهون، وإذا طرح السؤال عليهم ما دام ذلك ممكناً ألم يكن أفضل أن يكون ممكناً قبل شهور؟ يسكتون، كما فعلوا يوم قبلوا الحكومة الجامعة التي منعوها شهوراً بشروط عادوا وتراجعوا عنها من دون أن يقدّموا تفسيراً واحداً للناس عن ما الذي تغيّر؟
إنهم جماعة عين الزجاج التي لا ترفّ جفونها.
– ما من أحد كان ينتظر الانتخابات المصرية ليعرف النتيجة ومن هو الفائز، وكذلك لا أحد ينتظر الانتخابات السورية ليعرف النتائج ومن هو الفائز، لأنّ العين الخارجية مهتمة بمتابعة نسبة المشاركة الشعبية الحقيقية وليس تلك المنشورة في الإعلام، كتعبير عن درجة الحصانة التي يمنحها الرأي العام للرئيس المنتخب، ودرجة تعبيره في لحظة تاريخية من حياة شعبه وبلده والمنطقة عن إرادة غالبية وازنة من مواطنيه، تمكّنه من أداء دور الرئاسة مهما كانت النتائج التي ستقدمها البيانات الرسمية.
ليس مهماً على هذا الصعيد حجم برقيات التهنئة التي يتلقاها الرئيس المنتخب، فكثيراً ما تكون كثرتها تعويضاً عن نقص في الحصانة الداخلية، وهذا الاحتضان أو الاعتراف الخارجي لا يزيد ولا ينقص من حقيقة الوزن الفعلي للرئاسة.
كان معلوماً أن الرئاسة المصرية ستحظى بالقبول الخارجي بذات درجة ما كان معلوماً ولا يزال أنّ الخارج نفسه المتورّط بالحرب على سورية سيقول الكثير عن لا شرعية الانتخابات السورية ونتائجها، لكن ذلك لن يغيّر من كون هذا الخارج هو الأشدّ متابعة والأكثر اهتماماً بمراقبة سير هذه الانتخابات، ودرجة التجاوب الشعبي معها بعدما فشلت كلّ محاولات تعطيلها عسكرياً وديبلوماسياً.
بعد المشهد الأسطوري الذي حملته الانتخابات الرئاسية السورية في بيروت خلال يومين، فقدت كلّ محاولة للتشكيك بدرجة الحصانة الشعبية للرئاسة السورية قيمتها، وصار لنسبة المشاركة الرسمية قيمتها ومعانيها التي لا يمكن تجاهلها.
– في اختتام مقالته المنشورة في «البناء» اليوم كتب الوزير السابق فادي عبود: «أعود لأبحث عن العقول النيّرة من قراء هذه الصحيفة النهضوية، تعالوا لنناقش… وأريد أن أبدي ملاحظة شكلية، فقد كانت الصفحة الأخيرة من جريدة «البناء» تحتوي على أخبار من كلّ أنحاء العالم تعكس ما هو جديد عالمياً، واختفت هذه الأخبار عن هذه الصفحة، أنا أفضّل الشكل الذي كان متبعاً سابقاً حيث أنه يفتح الآفاق ويجعل القارئ أكثر اطلاعاً على المستوى العالمي، فهل من أحد يوافقني الرأي على ذلك؟»
نقلت هذه الفقرة من مكانها في مقالة الوزير عبّود لانفصالها عن نص المقالة، وليتسنّى الجواب عليها، ونحن نؤكد للوزير الصديق أنّ ملاحظته وملاحظات القراء تهمّنا وأنّ الأخبار المنوّعة لا تزال تجد لها مكاناً في «البناء»، عندما تنشغل الصفحة الأخيرة لموضوع بحجم المشروع الذي نأمل أن نستضيف الوزير فيه في أكثر من مقالة مشتركة حول الشأن الاقتصادي، والزاوية الجديدة «نافذة بمفاتيح متعددة» ليست يومية فتشغل حيّزاً من الصفحة الأخيرة أحياناً، وأحياناً أخرى تعود الصفحة الأخيرة إلى تبويبها التقليدي، شاكرين كلّ عناية بتفاصيل ما نقوم به.